بعد شهور من التوترات التي سيطرت على العلاقات التجارية بين واشنطنوبكين منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يبدو ما وصفه الخبراء والمحللون ب"حرب تجارية" على وشك الانتهاء بعد قمة جمعت ترامب ونظيره الصيني شي جين بينج. وجاءت المحادثات بين ترامب وشي في مدينة بوسان الكورية الجنوبية، والتي تُعد الأولى من نوعها منذ عام 2019، ختاما لجولة آسيوية سريعة شهدت اختراقات تجارية مع اليابان ودول جنوب شرق آسيا. وفي إشارة إلى الأجواء الإيجابية التي سادت اللقاء، قال ترامب للصحفيين على متن طائرة "أير فورس ون" الرئاسية، إن اجتماعه مع الرئيس الصيني يحصل على 12 نقطة على مقياس من 1 إلى 10. وأوضح ترامب، أن اتفاق مع شي جين بينج على خفض الرسوم الجمركية على الصين مقابل أن تتخذ بكين إجراءات صارمة ضد تجارة الفنتانيل غير المشروعة، وكذا استئناف مشتريات فول الصويا الأمريكي والحفاظ على تدفق المعادن النادرة إلى الولاياتالمتحدة. وأشار ترامب، إلى أن الرئيس الصيني تعهد بالعمل على وقف تدفق الفنتانيل، وهو مادة مخدرة صناعية تعد السبب الرئيسي للوفيات الناتجة عن الجرعات الزائدة في الولاياتالأمريكية. في المقابل، وافقت بكين على إلغاء ضوابط التصدير التي فرضتها الشهر الجاري على المعادن النادرة، والتي تلعب دورا بالغ الأهمية في صناعة السيارة والطائرات والأسلحة، حيث أصبحت ورقة الضغط الأقوى بالنسبة للصين خلال حربها التجارية مع أمريكا. وصرّحت وزارة التجارة الصينية، بأن قرار إلغاء الضوابط التصديرية على المعادن النادرة سيستمر لمدة عام. كذلك أشارت إلى أن البلدين توصلا إلى اتفاق لتوسيع التجارة الزراعية، وسيعملان على حل القضايا المتعلقة بتطبيق "تيك توك" الذي يسعى الرئيس الأمريكي إلى نقل ملكيته إلى جهة تسيطر عليها الولاياتالمتحدة. وفي عدّة مناسبات سابقة، تحدّث ترامب عن احتمالات التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الصيني، بعد أن أعلن المفاوضون الأمريكيون اتفاقهم مع نظرائهم الصينيين على إطار عمل لتجنب الرسوم الجمركية بنسبة 100% على سلعها وإرجاء القيود التصديرية على المعادن النادرة. واستمر اللقاء الذي اتّسم بالودية بين الرئيسين في قاعدة جوية بكوريا الجنوبية، على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ "أبيك"، لما يزيد عن ساعة ونصف الساعة. وفي بداية اللقاء، قال الرئيس الصيني لترامب، إن وجود احتكاك بين البلدين من حين لآخر هو أمر طبيعي، مؤكدا على أن تنمية الصين لا تتعارض مع رؤية الرئيس الأمريكي التي تهدف إلى "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى". واتفق الرئيسان على إلغاء رسوم الموانئ المتبادلة على الشحن، والتي تهدف إلى إحباط الهيمنة على بناء السفن والشحن البحري والخدمات اللوجستية. وكتب ترامب في منشور على حسابه بمنصة "تروث سوشيال"، الخميس، أن الصين ستبدأ عمليات شراء الطاقة الامريكية، ملمّحا إلى صفقة في ألاسكا حيث روّجت غدارته لخط أنابيب الغاز الطبيعي المقترح بقيمة 44 مليار دولار. وقال البيت الأبيض، إنه يأمل في أن تكون القمة الأولى بين الرئيسين خلال العام المقبل. فيما أكد ترامب أنه سيزور الصين في أبريل المقبل ثم سيستقبل الرئيس شي جين بينج لاحقا في واشنطن. على الجانب الآخر، اعتبرت وسائل الإعلام الصينية اللقاء بين الزعيمين انتصارا لسياسات الرئيس الصيني. وقالت وكالة "شينخوا" نقلا عن شي: "لدينا الثقة والقدرة على مواجهة كافة أنواع التحديات والمخاطر". ومن شأن الاتفاق الذي توصل إليه الرئيسان في بوسان، أن يعيد العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل الهجوم الذي شنّه ترامب على بكين في أبريل الماضي، وأدى إلى تصعيد متبادل. مع ذلك، تقول وكالة "رويترز" البريطانية نقلا عن محللين، إن الاتفاق الحالي قد لا يكون أكثر من هدنة هشة في حرب تجارية لا تزال أسبابها الجذرية دون حل. ومن بين تلك الأسباب مسألة شريحة "بلاكويل" الإلكترونية المتطورة التي تنتجها شركة "إنفيديا"، والتي قال ترامب إنه لم يناقشها مع الرئيس الصيني. كذلك، بقيت قضية تايوان خارج المحادثات، وهي الجزيرة التي تطالب بها الصين وتُعد شريكة للولايات المتحدة قوة كبيرة في مجال التكنولوجيا. إلى جانب ذلك، أمر ترامب الجيش الأمريكي قبل دقائق من الاجتماع، باستئناف اختبارات الأسلحة النووية اقتضاءً بروسيا والصين، بعد 33 عاما من التوقف. وعلّقت وزارة الخارجية الصينية، قائلة إنها تأمل في أن تلتزم الولاياتالمتحدة بوقف التجارب النووية.