تمثل مسألة جثامين الأسرى الإسرائيليين، بين إسرائيل وحركة حماس إحدى أبرز العقبات في المرحلة الأولى من اتفاق وقف الحرب في غزة، إذ لم يتم حتى الآن تسليم جميع جثامين الأسرى الإسرائيليين كما كان متفقًا عليه وفق بنود المرحلة الأولى، وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية نقلًا عن مسؤول سياسي إسرائيلي، أن عدم استكمال تسليم الجثث قد يعرّض الاتفاق للخطر، وربما يؤدي إلى إفشاله بالكامل في حال استمرار التأخير. من جانبها، أعلن الجيش الإسرائيلي مساء اليوم، أن حركة حماس سلمت جثة يُعتقد أنها لأحد الأسرى، حيث تم نقلها عبر الصليب الأحمر إلى القوات الإسرائيلية في غزة، تمهيدًا لإعادتها إلى إسرائيل والتعرف عليها رسميًا، ليصل بذلك العدد الإجمالي الذي سلمته حماس إلى إسرائيل 13 من أصل 28 رهينة متوفين. وفي هذا الإطار يشير الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إلى أن الوصول إلى جميع جثث الأسرى الإسرائيليين في غزة يواجه صعوبات بالغة لأسباب متعددة نوقشت خلال مفاوضات وقف النار. وأوضح الرقب في تصريحات ل"مصراوي"، أن الاحتلال حول غزة إلى كومة من أنقاض، ما يجعل عدداً كبيراً من الفلسطينيين مفقودين تحت الركام، فكيف الحال بجثث أسرى إسرائيليين قد دُفنت تحت هذه الأنقاض؟ لذلك، أشار إلى أن انتشال الجثث يتطلب معدات متخصصة وأجهزة بحث عميقة غير متوفرة في القطاع. وتطرق الرقب إلى مسألة تحديد الإحداثيات الدقيقة، مشيرًا إلى أن التطور التكنولوجي لدى جنود الاحتلال من بطاقات (SIM)أو أجهزة تتبُّع مرفقة بالعنق أو اليد أو مغروسة تحت الجلد قد يسهل تحديد مواقع القتلى بإحداثيات دقيقة حينما تكون الأجهزة عاملة ومعلومات الاتصال متاحة. ولفت إلى أن إحصاءات تاريخية تظهر أن الاحتلال منذ عام 1948 وحتى الآن لديه أكثر من 560 جنديًا مفقودًا داخل فلسطين، مشيرًا إلى أن عملية الوصول إلى هذه الجثث في غزة المدمرة عمليًا صعبة جدًا. وبحسب الرقب، فقد سلمت حماس حتى الآن نحو 13 جثة وتبدو جاهزة للتعاون بشكل كبير، منوّهًا في الوقت ذاته إلى أن تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن إن "الحرب لم تنتهِ" تزيد من تعقيد الملف، مع تحذيره من أن مطالبة نتنياهو ب"قضاء على حماس وتجريد القطاع من السلاح" تضع مزيدًا من الضغوط السياسية على تنفيذ آليات التبادل. وأكد أستاذ العلوم السياسية أن المرحلة الأولى من الاتفاق تُعدّ عمليًا الأسهل، لكن ملف جثث الأسرى لا يزال صعبًا وعالقًا ويحتاج إلى توفير إمكانيات فورية، مشيرًا إلى أن آلية ميدانية واحدة لم تدخل بعد لمساعدة في رفع الأنقاض، مضيفًا أن هناك آلافًا من الفلسطينيين مدفونين تحت الأنقاض والأنفاق، ما يزيد من تعقيدات العمل الإنساني والبحث والانتشال. وأشار أيضًا إلى وجود قتلى داخل أنفاق استُهدفت خلال العمليات، وأن قطع الاتصال مع "وحدات الظل" التي كانت تؤمّن هذه المجموعات أدى إلى مقتل عناصرٍ منها، مما صَعَّب الحصول على معلومات عن مواقع الجثث. وختم بالقول إن الوصول إلى هذه الأنفاق وانتشال الجثث يتطلب تعاونًا عسكريًا من الجيش الإسرائيلي عبر الوسطاء، إلى جانب تجهيزات هندسية وتقنية متخصصة. ومن جانبه يرى الدكتور عبد المهدي مطاوع، المحلل السياسي الفلسطيني، إلى أن ملف جثث الأسرى لا يزال موضع خلاف بين حماس وإسرائيل، موضحًا أن عدد الجثث المتفق عليها في المفاوضات بلغ28 جثة، بحسب ما نُشر في الإعلام الإسرائيلي. وأضاف الكاتب والمحلل السياسي، في تصريحات ل"مصراوي"، أن حماس أبلغت الوسطاء خلال المفاوضات أنها لم تتمكن من العثور على تسع جثث، بعضها في مناطق خارج سيطرتها أو مدفونة تحت أنقاض مبانٍ مدمّرة، مشيرًا إلى أن الحركة طلبت معدات خاصة لانتشالها. وأوضح أن هناك تفهمًا مبدئيًا لهذا الموقف، على أن يتم تسليم باقي الجثث لاحقًا، إلا أن حماس لم تستكمل التسليم حتى الآن، وتقوم بتسليمها بشكل تدريجي بهدف إدخال معدات إضافية إلى القطاع، وفق قوله، مشيرًا إلى أن إسرائيل تتهم حماس بالمماطلة وتقول إن لديها جثثًا جاهزة للتسليم لكنها تمتنع عن ذلك عمدًا. وبيّن "مطاوع"، أن صعوبة الوصول إلى بعض الجثث قد تعود إلى سببين رئيسيين هما: فقدان الاتصال بالمجموعات التي كانت تحتفظ بها، وأيضًا وجود الجثث في مواقع مدمّرة تحت مبانٍ كبيرة تحتاج إلى معدات إنقاذ ثقيلة لاستخراجها، لافتًا إلى أن الآلية المقترحة في الاتفاق تنص على تحديد الإحداثيات الدقيقة لتلك المواقع، ثم إدخال فرق مشتركة من مصر وقطر وتركيا مزوّدة بالمعدات اللازمة لانتشال الجثث من تحت الأنقاض. واختتم مطاوع حديثه بالقول إنه من المرجّح أن يكون عدد محدود من الجثث مفقودًا فعليًا، أو أن إسرائيل ربما حصلت على بعضها دون إعلان أثناء وجودها في غزة، أو أن حماس تستخدم هذا الملف لإطالة العملية بغية تهدئة الميدان وتمهيد الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق التي تتضمن توسيع المساعدات الإنسانية.