بعد يومين من توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خطته لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، خلال القمة التي استضافتها مدينة شرم الشيخ بمشاركة أكثر من عشرين من قادة العالم، هدّدت إسرائيل، ليل الأربعاء (15 أكتوبر 2025)، باستئناف القتال في غزة إذا لم تلتزم حماس بكامل بنود الاتفاق، خاصة مسألة إعادة بقية جثامين الرهائن. جاء ذلك بعد إعلان الحركة "أنّها سلّمت كلّ جثامين الرهائن التي تمكّنت من الوصول إليها، وغير قادرة حاليًا، لأسباب لوجستية، على إعادة مزيدٍ من الجثامين التي تحتاج إلى معداتٍ خاصة". وقبل تسليمها اللجنةَ الدولية للصليب الأحمر جثتي رهينتين في وقتٍ متأخرٍ، أمس الأربعاء، أعادت حماس سبعة جثامين من أصل 28، بالإضافة إلى جثةٍ ثامنةٍ قالت إسرائيل إنها ليست لأيٍّ من هؤلاء الرهائن ال28. لكن كيف تسببت إسرائيل في هذه الأزمة من البداية؟ ووسط هذا الكم الهائل من الركام، كان عاطف نصر يقود إحدى الجرافات المتبقية في القطاع لإزالة أنقاض المنازل المنهارة، بحثًا عن الجثث المفقودة. ويقول في حديثٍ له: "قبل الحرب، كنا نعمّر ونصلح الطرق. أما اليوم، كما ترون، نزيل أنقاض المنازل لاستخراج جثث!". وحتى إبريل الماضي، نجح "عاطف" في مساعدة عائلاتٍ على استخراج رفات أبنائها بعد أكثر من عامٍ ونصف على مقتلهم، مثل عائلة دحدوح التي استخرجت بعضًا من بقايا رفات ابنها "عمر" من تحت أنقاض منزلهم المكوَّن من سبعة طوابق. ويقول شقيقه "مؤيد"، وهو يجمعها: "بقينا لمدة عام نحاول إخراجه، لكن بدون آلياتٍ ثقيلةٍ لم يكن الأمر ممكنًا، فهو كان في الطابق الأرضي. بحثنا عن جرافةٍ كثيرًا ولم نجد". وانتظرت عائلة "الدجاني" في خان يونس جنوب القطاع، أن يأتيها شخص مثل "عاطف" بجرافة.. فهي لا تزال تعيش في منزلها المدمَّر، وأسفلهم جثث ثلاثةٍ من أطفالهم مدفونة تحت الأنقاض. فيروي علي الدجاني (مالك المنزل) في حديثه "أنه نزح بالقرب من شاطئ البحر، وعندما عاد، وجد منزله مدمَّرًا، والجثث مدفونة تحت الأنقاض". ويكمل: "لكن اضطررنا للعيش في هذا المنزل رغم هذا الوضع، كل ما نريده هو استخراج الجثث التي تحللت الآن، لأن حرمة الميت في دفنه، ولكي يمكننا إعادة بناء المنزل مرة أخرى إن سمحت الظروف". لكن "عاطف" لم يصل لهم، فتوقفت مهمته بعد أن دُمِّرت جرافته. ولم تكن جرافة "عاطف" استثناءً، فخلال نحو عامين من الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023، استهدفت إسرائيل عدة مواقع، قامت خلالها بحرق وتدمير غالبية المعدات الثقيلة – الجرافات والحفارات – التي كان يمكن أن تساعد في استعادة الجثث المحاصرة تحت الأنقاض. وبحلول فبراير الماضي، أكد إسماعيل الثوابتة (مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة) "أن القطاع يحتاج إلى أكثر من 500 معدةٍ ثقيلةٍ تشمل الجرافات والحفارات والرافعات وغيرها". وفي تلك الفترة، خلال اتفاق وقف إطلاق النار الأول، أدخلت مصر العديد من المعدات الثقيلة والحفارات قبل أن تعرقل إسرائيل ذلك، ثم يُغلق معبر رفح ودخول المساعدات مرةً أخرى طيلة الأشهر الماضية. صعَّب ذلك الآن من مهمة استعادة جثث الرهائن الإسرائيليين، كما يذكر كريستيان كاردون (المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر)، قائلًا: "إن تسليم الجثث سيستغرق وقتًا طويلاً ويمثل تحديًا هائلًا، فالدمار الواسع في غزة يجعل عملية العثور عليهم شديدة التعقيد"، مشيرًا إلى احتمالية عدم العثور عليهم جميعًا. ورغم تهديد يسرائيل كاتس (وزير الدفاع الإسرائيلي) حركةَ حماس ب"سحقها" في حال تجدّد القتال في القطاع، إلا أن موقف الحركة يبدو أنه يلقى تفهّمًا في واشنطن. إذ قال دونالد ترامب (الرئيس الأميركي)، أمس الأربعاء: "إن حركة حماس تحفر تحت الأنقاض وفي الأنفاق بحثًا عن جثث الرهائن، وبعض الجثث مدفونة منذ وقتٍ طويل، وبعضها تحت الأنقاض"، وأضاف: "إنهم يبحثون عنهم.. أنا متأكد من ذلك، لقد أعادوا جميع الرهائن الأحياء، وأعادوا بعض الجثامين. إنها عملية مروعة، أكره الحديث عنها، لكنهم فعلاً يحفرون في مناطق صعبة، ويعثرون على الكثير من الجثث، ومن ثم عليهم فصل الجثث". وأكد ذلك مسؤولون أميركيون تحدثوا عن التعقيدات التي تنطوي عليها عمليات إخراج الجثث المتبقية من تحت الأنقاض دون معداتٍ متخصصة. اقرأ قصتنا: ذكريات مُلغمة.. ركام حرب غزة يهدد حياة الناجين