أكد القنصل العام لجمهورية الصين الشعبية في الإسكندرية، يانغ يي، على متانة الروابط الثقافية والتاريخية بين مصر والصين، مشيرًا إلى أن التبادل الحضاري بين البلدين "يعبر البحار والصحارى ويضيء دروب المستقبل"، على حد تعبيره. جاء ذلك خلال ندوة نظمتها مكتبة الإسكندرية بعنوان تاريخ الصين والاستعراب الصيني حتى العصر الحديث، اليوم الأحد، ضمن فعاليات معرض المكتبة الدولي للكتاب، بمشاركة الدكتورة سحر سالم أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وأدار الندوة الدكتور محمد الجمل مدير مركز دراسات الحضارة الإسلامية بمكتبة الإسكندرية وأوضح "يانغ يي" أن العلاقات بين الحضارتين المصرية والصينية تضرب بجذورها في التاريخ، وتجلّت عبر طرق الحرير البرية والبحرية، التي أسهمت في تبادل المعرفة الدينية والعلمية والسياسية والاقتصادية، ضمن إطار من الاحترام والتكافؤ. وأعرب القنصل الصيني عن سعادته بالتواجد في مكتبة الإسكندرية، واصفًا إياها بأنها "صرح ثقافي يحمل مكانة خاصة في الوجدان الصيني"، مشيدًا بجهودها في تعزيز التواصل الثقافي بين الشعوب. كما أثنى على دراسة قدمتها الباحثة المصرية الدكتورة سحر، تناولت التفاعل بين أسرة تانغ الصينية والدولة الطولونية في مصر، مؤكّدًا أنها تسلط الضوء على عمق العلاقات الممتدة عبر قرون. وسلّط يانغ يي الضوء على أبرز محطات التواصل الحضاري، من بينها رحلات العلماء المسلمين الصينيين إلى مصر، مثل "ما ده شين"، الذي وثّق مشاهداته في القاهرة ومكة المكرمة وإسطنبول، وكذلك تجربة الفقيه الصيني "ما جيان"، الذي درس بالأزهر الشريف وأسهم في حركة الترجمة المتبادلة بين الأدب الإسلامي والكونفوشيوسي. وفي سياق الحديث عن المساندة السياسية المتبادلة، أشار القنصل إلى دعم الصين ومصر لبعضهما في مقاومة الاستعمار خلال القرن العشرين، مستشهدًا باهتمام المثقفين الصينيين بالتجربة المصرية ضد الاحتلال البريطاني، إضافة إلى دعم المسلمين والعرب للصين في مواجهة الغزو الياباني إبان الحرب العالمية الثانية. وعلى الصعيد الاقتصادي، استعرض يانغ تجربة التبادل التجاري بين البلدين بعيدًا عن المركزية الغربية، ومن ذلك تصدير الصين لفول الصويا إلى مصر في القرن التاسع عشر لمكافحة الآفات الزراعية، وتكامل الصناعات اليدوية بين الجانبين في مجالات متنوعة بينها التبغ والسجائر. كما أشار القنصل إلى رمزية بعض الموروثات الثقافية المشتركة بين الحضارتين، مثل تشابه المسلات المصرية والأواني اليشمية الصينية، والتي تعكس – بحسب وصفه – رؤية مشتركة لعلاقة الإنسان بالكون. وشدّد يانغ يي على أن العلاقات المصرية الصينية، تاريخيًا ومعاصرًا، تمثل نموذجًا حيًا لتكامل الحضارات بعيدًا عن الهيمنة، مؤكدًا أن هذا الإرث الثقافي يُعدّ أساسًا لبناء "مجتمع المستقبل المشترك الصيني-المصري" القادر على مواجهة تحديات العالم المتغير، ومشيرًا إلى استمرار دعم بلاده لمبادرات التبادل الثقافي، لاسيما من خلال منصات الفكر والحوار مثل مكتبة الإسكندرية.