يشهد ربيع عام 2025 واحدة من أكثر المواجهات السياسية سخونة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وذلك على خلفية الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا ولحقت بها ولاية تكساس، وهو ما تصاعد على إثره الخلاف بين الرئيس الجمهوري وعدد من حكام الولايات على رأسهم حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم الذي وصل الأمر بينه وبين ترامب إلى صدام علني غير مسبوق، خاصة بعد نشر قوات من الحرس الوطني الأمريكي في لوس أنجلوس دون موافقة الحاكم، ما دفع الأخير إلى وصف الخطوة ب"الانقلاب على صلاحيات الولايات" و"تصرف ديكتاتوري". توتر ميداني وتصعيد في التصريحات واندلعت الاحتجاجات في جنوب كاليفورنيا بعد سلسلة من المداهمات التي نفذتها سلطات الهجرة والجمارك الأسبوع الماضي، وتركزت بشكل خاص في مدينتي باراماونت وكومبتون، وهي الاحتجاجات التي سرعان ما تحولت إلى مواجهات عنيفة، شملت حرق سيارات الشرطة، واستخدام الغاز المسيل للدموع، وسط مقاومة شرسة من المتظاهرين الذين ردوا بالمثل وقاموا بإلقاء الحجارة والألعاب النارية على عناصر الشرطة. تصاعد التوتر سريعا، وهو ما رد عليه ترامب بطلب نشر نحو 2000 جندي من الحرس الوطني، إلى جانب 500 من قوات مشاة البحرية (المارينز)، لدعم عمل سلطات الهجرة ومرافق الاحتجاز الفيدرالية في مواجهة الاحتجاجات، ليعلق على قراره بالقول إن: "العنف والاحتجاجات تعيق تنفيذ القوانين الفيدرالية، وتشكل نوعًا من التمرد على سلطة الدولة". كيف رد حكام الولايات؟ قوبلت خطوة ترامب بإدانة جماعية من 22 حاكمًا ديمقراطيًا، فإلى جانب حاكم ولاية كاليفورنيا جافين نيوسوم، وقفت حاكمة نيويورك كاثي هوكول وعدد من حكام الولايات في صفوف المعارضين للقرار، حيث وصفوا القرار ب"التعدي الخطير على السلطة". وأكد البيان الجماعي أن حكام الولايات هم القادة الأعلى للحرس الوطني في ولاياتهم، وأن أي تفعيل لقواتهم داخل حدود الولاية دون التشاور مع الحاكم "غير فعال وخطير". وجاء في البيان: "تهديد ترامب بإرسال المارينز إلى الأحياء الأمريكية يقوض مهمة الجنود، ويهز ثقة العامة، ويعكس افتقار الإدارة الفيدرالية للثقة في الشرطة المحلية". لكن الرد الأعنف جاء من حاكم كاليفورنيا، الذي وصف الخطوة بأنها "أزمة مفتعلة"، متهمًا ترامب بالكذب بشأن مكالمة جرت بينهما في وقت سابق بشأن التظاهرات، مؤكدًا أن الرئيس لم يخبره بنية نشر الحرس الوطني، ووصفه ب"الكاذب البارد الدم". في المقابل، صعد الرئيس الموقف، ملمّحًا إلى إمكانية اعتقال نيوسوم نفسه، بعد أن صرح مسؤول الهجرة توم هومان أن أي مسؤول يعوق تنفيذ قوانين الهجرة الفيدرالية – بمن فيهم نيوسوم – قد يُعتقل، قائلًا صراحة: "لو كنت مكان توم، لفعلت ذلك. نيوسوم يريد الشهرة فقط، لكنه قام بعمل مريع". لكن التهديد بالاعتقال لم يمر مرور الكرام، إذ أعلن المدعي العام لولاية كاليفورنيا أنه يعمل بالتنسيق مع نيوسوم على رفع دعوى قضائية ضد إدارة ترامب بسبب نشر الحرس الوطني دون إذن رسمي، في سابقة لم تحدث منذ الستينيات. ومن أبرز حكام الولايات الذين أدانوا سياسات ترامب: . أندي بشير من كنتاكي مورا هيلي من ماساتشوستس .نيد لامونت من كونيتيكت .ميشيل لوجان جريشام من نيو مكسيكو .جانيت ميلز من ماين . يس مور من ماريلاند . فيل مورفي من نيوجيرسي .جاريد بوليس من كولورادو .جيه بي بريتزكر من إلينوي . جوش شابيرو من بنسلفانيا . جوش شتاين من نورث كارولينا .تيم والز من مينيسوتا .جريتشن ويتمر من ميشيجان خلاف مع المرشح المرتقب والجدير بالذكر أن العلاقة بين ترامب ونيوسوم لم تكن يومًا مستقرة. فالرئيس كثيرًا ما هاجم نيوسوم، ولقّبه ب"نيوسكم"، وهدد بحجب مساعدات عن كاليفورنيا في أزمات سابقة، لا سيما في أزمة مواجهة حرائق الغابات التي اجتاحت الولاية. وفي خطابه مساء أمس الثلاثاء، وجه حاكم ولاية كاليفورنيا انتقادات لاذعة للرئيس الأمريكي، واصفًا تحركاته الأخيرة ب"الاستعراض العسكري غير القانوني" ومحذرًا من "انزلاق خطير نحو السلطوية" في الولاياتالمتحدة في إطار "إساءة جريئة لاستخدام السلطة"، مؤكدًا أن ترامب اختار "التصعيد المتعمد" على حساب التهدئة والسلام. وفي اعتقاد جافين، فإن الوضع في لوس أنجلوس لم يكن يتطلب استدعاء قوات الحرس الوطني، وكان محصورًا في بضعة شوارع بوسط المدينة، لكن هذا لم يكن ما يريده ترامب، الذي اختار المزيد من القوة والاستعراض على حساب السلامة العامة، بحسب نيوسوم. استند نيوسوم في تصريحاته إلى مواقف حكام الولايات الأخرى، محذرًا من أن ما يحدث في كاليفورنيا ليس سوى بداية، وأن باقي الولايات مهددة بنفس النهج: "ترامب طلب سلطة شاملة لنشر الحرس الوطني، وهذا الأمر شمل كل ولاية في هذه البلاد". وأضاف: "كاليفورنيا قد تكون الأولى، لكنها بالتأكيد لن تكون الأخيرة. الولايات الأخرى في الطريق. الديمقراطية نفسها في خطر"، متهمًا ترامب بمحاولة تجاوز القوانين والدستور الأمريكي وشن هجومًا موحدًا على التقاليد الأمريكية. وتأتي هذه التصريحات في وقت يُنظر فيه إلى جافين نيوسوم، الذي تنتهي ولايته الثانية كحاكم لولاية كاليفورنيا في 2027، كأحد أبرز المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة عن الحزب الديمقراطي في عام 2028، وذلك بحسب صحيفة "تايم" الأمريكية، التي قالت إن خطابه لم يكن فقط تعبيرًا عن رفضه لنهج ترامب، بل أيضًا محاولة لتقديم نفسه كقائد تقدمي بديل يدافع عن الدستور، الحقوق المدنية، والمهاجرين.