تواجه هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) موجةً جديدة من الانتقادات الحادة بشأن حيادها الصحفي، بعد سلسلة من الأحداث والتقارير التي سلطت الضوء على ما يصفه صحفيون ونقاد ب"التحيز الواضح للرواية الإسرائيلية"، خاصة في تغطية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. بدأت شرارة الجدل من جديد بعد إعلان بي بي سي مغادرة مقدم البرامج الرياضية الشهير، جاري لينيكر، منصبه بعد نهاية الموسم الكروي 2024/ 2025، وأوضحت الهيئة أن لينيكر لن يشارك في تغطية كأس العالم 2026 أو الموسم الجديد من كأس الاتحاد الإنجليزي. القرار جاء بعد مشاركة لينيكر منشورًا عبر "إنستجرام" لجماعة مؤيدة للفلسطينيين، احتوى على مقطع يتحدث عن "الحركة الصهيونية"، وتضمّن رسمًا لجرذ، وهو ما اعتُبر إشارةً إلى لغة معادية للسامية استخدمها النازيون، ورغم حذفه المنشور وتقديمه اعتذارًا رسميًا، فقد تقرر إنهاء علاقته بالهيئة بعد أكثر من عقدين قضاها كمقدم بارز. View this post on Instagram A post shared by Gary Lineker (@garylineker) ولم تكن هذه المرة الأولى التي يثير فيها لينيكر الجدل بسبب تصريحاته ونشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، ففي عام 2023، قالت بي بي سي إنها أجرت "حوارًا صريحًا" مع النجم الإنجليزي بسبب تغريدة انتقد فيها سياسية الحكومة البريطانية بشأن قضية اللجوء، مقارناً بين خطابها وخطاب ألمانيا النازية في ثلاثينيات القرن الماضي. كما وقّع في فبراير 2025 على رسالة تطالب بإعادة عرض فيلم وثائقي عن غزة حُذف من منصات بي بي سي بسبب الراوي، الذي اتضح أنه نجل مسؤول في حركة حماس. اتهامات بالانحياز لإسرائيل وفي بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، بعث 8 صحفيين يعملون داخل بي بي سي برسالة إلى قناة "الجزيرة الإنجليزية"، اتهموا فيها الهيئة ب"الانحياز المنهجي لإسرائيل"، مؤكدين أن تغطيتها تُضفي طابعًا إنسانيًا مفرطًا على القتلى الإسرائيليين مقابل إهمال معاناة الفلسطينيين، مع حذف السياق التاريخي للصراع. أضافت الرسالة أن التغطيات المتعلقة بإسرائيل تفتقر إلى التحقيق النقدي، بخلاف ما يحدث في تغطية الحرب الروسية الأوكرانية، وشدد الصحفيون على أن "مصطلحات مثل المذبحة والفظائع تُستخدم فقط عند الحديث عن حماس، في حين يتم تجنبها عند وصف ما تفعله إسرائيل، رغم تقارير المنظمات الحقوقية". بينما في أكتوبر 2023، أحالت بي بي سي 6 من صحفييها العرب إلى التحقيق بعد إشادتهم بعملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، وأوقفتهم لاحقًا عن العمل. خطوة رآها كثيرون جزءًا من سياسة "قمع الأصوات المؤيدة لفلسطين" داخل المؤسسة. كما اتُّهمت الهيئة بحذف سياقات جوهرية في تقاريرها، من بينها ترجمة محرفة لتصريحات أسيرة فلسطينية محررة بشأن معاناة المعتقلات، قبل أن تُضطر لاحقًا لحذف الفيديو والاعتذار عن "خطأ في المونتاج". اعتراف من الداخل: "ربما أخطأنا" واعترفت بي بي سي بارتكابها خطًا خلال تغطيتها، إذ قال ديفيد جوردان، مدير السياسات التحريرية في بي بي سي، الذي أقرّ خلال جلسة برلمانية بأن الهيئة "ربما ارتكبت خطأ" في تغطية جلسات محكمة العدل الدولية المتعلقة بقضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل. وقوبل اعتراف مدير السياسات التحريرية بتغطية غير متوازنة، بردود فعل لاذعة على وسائل التواصل الاجتماعي، فكتب أحد المعلقين: "الخطأ شيء يحصل دون قصد، لكن ما حدث كان مقصودًا بوضوح"، بينما اعتبر آخر أن ما جرى "قرار تحريري معتمد من أعلى مستويات الإدارة". وكانت النائبة البريطانية جولي إليوت قد انتقدت بث بي بي سي الكامل لمرافعة إسرائيل، مقابل الاكتفاء بمقتطفات من مرافعة جنوب أفريقيا، جوردان أشار إلى أن "فريق الأخبار أدرك لاحقًا الحاجة لتعديلات"، مضيفًا: "لو أُعيد الأمر، لربما تصرفوا بطريقة مختلفة". تصاعدت الانتقادات لأداء "بي بي سي" التحريري والصحفي منذ اليوم الأول للعدوان، إذ تعرضت مراسلة الهيئة، لوسي ويليامسون لانتقادات كثيرة بعد دخولها مع جيش الاحتلال إلى مستشفى الشفاء في غزة، في نوفمبر الماضي من أجل عرض ما قالت إن الاحتلال عثر عليه خلال تفتيشه للمجمع الطبي. كما واجهت الشبكة البريطانية انتقادات بسبب تقريرها المثير للجدل، الذي صدر قبل مجزرة "مستشفى المعمداني"، فحمل عنوانًا يوحي بأن حماس تبني أنفاقًا تحت المستشفيات، وهو ما اعتُبر تمهيدًا إعلاميًا لضربها، وذريعة قدّمتها الهيئة على طبق من ذهب للجيش الإسرائيلي. ولم تقتصر الانتقادات لبي بي سي على الأصوات المتضامنة مع فلسطين. فاليمين البريطاني صعّد من هجومه أيضًا بعد نشر الهيئة تقريرًا عن تعرض طاقم طبي في "مستشفى ناصر" في غزة للإذلال على يد القوات الإسرائيلية.