تتحدث رواية "أطفال من الرجال" للكاتبة الإنجليزية بي دي جيمس عن عالم يصبح فيه الجنس البشري الذي يتقدم في العمر سريعًا عقيمًا. بالصدفة، تبدأ الرواية في عام 2021 بوفاة آخر إنسان وُلد على الأرض. ورغم أن عام 2021 الحقيقي ليس على القدر ذاته من الدراماتيكية، لكن عدد المواليد تراجع في جميع أنحاء العالم مع انتشار فيروس كورونا المستجد المُسبب لمرض كوفيد-19. بعد مُضي أكثر من عام على انتشار الوباء، من الواضح أن الحجر الصحي في المنازل لم يؤدي إلي زيادة حالات الحمل، بالرغم من قضاء المواطنين في أغلب المناطق حول العالم أوقاتهم في مشاهدة نتفليكس والاسترخاء وسط عائلاتهم. قالت مجلة فورين بوليسي- في تقرير على موقعها الإلكتروني- إن كوفيد- 19 كان له تأثيرًا معاكسًا، إذ تشير البيانات المؤقتة المُجمعة بعد تسعة أشهر من إغلاق معظم البلاد في مارس الماضي إلى انخفاض حاد في عدد المواليد في جميع أنحاء العالم المتقدم وبعض الدول النامية. أمريكا على سبيل المثال، في الولاياتالمتحدة كان هناك انخفاض بنسبة 7.7 ٪ في المواليد في ديسمبر 2020 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. وفي يناير، سجلت بعض الولايات مثل أريزونا، أوهايو، أيوا، فلوريدا انخفاضًا بنسبة 9 ٪ تقريبًا على أساس سنوي. بينما شهدت كاليفورنيا انخفاضًا كبيرًا وصل إلى 19 ٪، ويرجع ذلك جزئيًا إلى مغادرة العائلات للولاية. أوروبا وهو تقريبًا ما يحدث عبر المحيط الأطلسي، إذ تشير البيانات إلى أن عدد المواليد في أوروبا يتراجع كذلك. ذكرت فورين بوليسي أن عدد المواليد انخفض في المجر بنسبة 9.4 على أساس سنوي، وشهدت روسيا انخفاضًا بنسبة 10.3 ٪، وفرنسا 13.2 ٪، وإسبانيا 20٪، فيما سجلت بولندا نسبة هائلة وصلت إلى 24.7 ٪، حتى السويد -التي فرضت قيودًا صارمة على التنقل العام الماضي- سجلت انخفاضًا بنسبة 6.4 ٪. في حالة استمرار الوضع كما هو عليه، فمن المتوقع أن يقل عدد الأوروبيين بمقدار 400 ألف بحلول نهاية عام 2021. في آسيا في آسيا أيضًا، يتراجع أعداد المواليد. ذكرت فورين بوليسي أنه في كوريا الجنوبية واليابان- اللتين تعدان موطنًا لأقدم المجتمعات في العالم- انخفضت النسبة إلى 8 ٪ تقريبًا في 2020. وفي الصين، أول دولة يصيبها الوباء، أفادت بعض المدن مثل غوانزو وونجو بانخفاض عدد المواليد بنسبة تراوحت ما بين 19 ٪ و33 ٪. قالت وزارة الأمن العام الصينية، في فبراير الماضي، إن البلاد شهدت ميلاد 10.035 مليون شخص في العام الماضي، مقارنة مع 11.79 مليون في 2019. وكانت نسبة الذكور في مواليد العام الماضي 52.7 بالمئة، بينما كانت نسبة الإناث 47.3 بالمئة. ليست المرة الأولى على مدار التاريخ سجل عدد المواليد انخفاضًا كبيرًا مع تفشي الأوبئة وحدوث أزمات اقتصادية. لفتت فورين بوليسي إلى أنه في ذروة تفشي جائحة الانفلونزا في عام 1919 في الولاياتالمتحدة تراجع عدد المواليد بنسبة 7.1 ٪ على أساس سنوي مقارنة ب3.8 ٪ في عام 2020. على عكس ما يحدث الآن كانت أغلب حالات الوفاة أثناء انتشار الانفلونزا الاسبانية من البالغين القادرين على الإنجاب والأطفال، وهو ما يفسر جزئيًا سبب حدوث هذا الانخفاض الحاد. عندما ضرب إعصار كاترينا ولاية أريزونا في عام 2005، تسبب في مقتل أكثر من 1800 شخص، إضافة إلى خسائر قُدرت بحوالي 125 مليار دولار. ثم انخفض عدد المواليد في أعقاب ذلك مباشرة. على الرغم من حدتها، غير أن تأثير انخفاض معدل المواليد لا يستمر طويلاً، بحلول عام 1921، بعد عامين من ذروة تفشي الانفلونزا الاسبانية، عادت نسبة المواليد في الولاياتالمتحدة إلى مستواها السابق، وبالمثل بعد إعصار كاترينا عادت النسب إلى طبيعتها في نيو أورليانز إلى ما كانت عليه قبل الاعصار بعامين. غير أن المشكلة تتمثل في أن هذا التباطؤ حدث في الوقت الذي تشهد فيه الدول الغربية انخفاضًا ملحوظًا في عدد المواليد منذ انتهاء الطفرة في أعدادهم في فترة ما بعد الحرب العالمية في الستينيات. ولفتت فورين بوليسي إلى أن شيخوخة السكان أدت إلى إعاقة النمو وزيادة الديون ووضعت أنظمة الضمان الاجتماعي في خطر لم تشهده في أي وقت مضى.