لم تفارق الابتسامة وجنتيه طوال الوقت، يخرج منذ الصباح للعمل على "توك توك" لمساعدة والده في مصروفات المنزل، أحلامه بسيطة، لم تتجاوز تجهيز عش الزوجية وإتمام فرحة أسرته رغم سنه الصغيرة، عُرف بأخلاقه الطيبة وشهامته، لكن لم يدر "صاصا" أن سعيه لمساعدة أهالي قريته البسطاء في استعادة مواتير مياه ري أراضيهم التي سُرقت في ظروف غامضة ستكتب نهايته على يد سيدة. مساء الثلاثاء الماضي، كان يقف مصطفى شوقي عبدالله وشهرته "صاصا" بالقرب من كوبري بحري بمنطقة كرداسة، حيث يعمل سائق "توك توك"، قبل أن يفاجأ بحضور 3 من كبار مسقط رأسه بأبورواش، وقد بدت عليهم مظاهر الغضب والحزن. رحب الفتى الذي لم يكمل عامه ال15، بالضيوف الثلاثة، وبادر بسؤالهم عن سبب قدومهم إلى تلك المنطقة في ذلك الوقت، فأخبروه: "اتسرقت مواتير المياه بتاعة ري الأراضي وكابلات كهرباء..جينا ندور عليها هنا". طمأن "مصطفى" عواقل قريته، مؤكداً أن "اللي بتشتري الحاجات المسروقة هنا أعرفها"، لينطلق الأربعة إلى منزل "بوسي"، 37 سنة، بائعة خبز، تقيم بمنطقة المزاريطة الجبلية، حيث أرباب السوابق والبلطجية. يقول والد مصطفى إن "بوسي" تزوجت منذ فترة قصيرة بعجوز يبلغ من العمر 60 سنة، ينتمي إلى عائلة همام، إحدى أكبر عائلات المركز، وتقطن في منزلها مع والدتها وابنتها "أماني"، 14 سنة، طالبة بالمرحلة الإعدادية. وصل الأربعة لمنزل "بوسي"، وأخبرها "مصطفى" بقائمة المسروقات، مطالباً إياها بردها إلى أصحابها، وسط جدال كبير، انتهى بحصول الشيوخ الثلاثة على نصف الأشياء المستولى عليها، واتفقوا على استعادة الباقي بعد 48 ساعة. مساء الخميس الماضي، توجه "مصطفى" لشراء العشاء لأسرته، فقابله الشيوخ الثلاثة "مش هنروح نجيب باقي الحاجات يا ابني"، ليقرر الفتى تأجيل طلبات أسرته، وذهب معهم إلى منزل "بوسي" للمرة الثانية في وقت متأخر من الليل. انتظر الشيوخ الثلاثة خارج المنزل، ودلف "مصطفى" بمفرده إلى الداخل، ودارت مشادة كلامية حادة بينه وبين بائعة الخبز، دارت رحاها أمام باب المنزل، انتهت بتسديدها طعنة نافذة بالصدر من الناحية اليسرى، ولاذت بالفرار. "تعالى يا حاج شوقي إلحق ابنك"، هرع الأب إلى مكان الواقعة ليجد نجله غارقا في دمائه، أسرع إلى نقله لمستشفى الهرم في محاولة لإنقاذه، لكن جهود الفريق الطبي المعالج التي استمرت 4 ساعات متواصلة باءت بالفشل، ولفظ الشاب أنفاسه الأخيرة. بالقرب من القرية الذكية، كان العميد خالد كامل، مأمور قسم كرداسة، يتفقد الخدمات، ويفحص دفاتر المحاضر بعد يوم شاق من العمل، آبى أن ينتهي بسلام، أخبره شرطي بوجود سيدة تدعى "بوسي" تطلب مقابلته لأمر خطير "خليها تدخل ونشوف عاوزة ايه". جلست صاحبة ال37 سنة أمام المأمور طالبة حماية ابنتها من مضايقات سائق توك توك "بيتحرش ببنتي يا فندم.. ومش عارفة أعمل ايه"، لكن بلاغا عبر جهاز اللاسكي قطع حديثها باستقبال مستشفى الهرم "مصطفى.ش"، 15 سنة، سائق توك توك، جثة هامدة إثر إصابته بجرح طعني نافذ بالصدر. بدا اسم الضحية مألوفا لمأمور القسم، فكانت المفاجأة أنه نفس الشخص التي تتهمه السيدة بالتحرش بابنتها القاصر، ليقرر احتجازها للتحقيق معها من قبل رجال المباحث. تحريات العقيد حسام أنور، مفتش مباحث كرداسة، توصلت إلى أن بائعة الخبز وراء قتل الشاب؛ بسبب وقوفه بجانب أهالي أبو رواش، وإرشادهم عن المسروقات لدى منزل "بوسي". أمام المقدم إسلام سمير، رئيس مباحث كرداسة، أقرت المتهمة بصحة التحريات وارتكابها الجريمة، وأرشدت عن السلاح المستخدم، وتم ضبطه بواسطة النقيب أحمد عاطف، معاون المباحث. من جانبه، طالب والد المجني عليه بالقصاص العادل من المتهمة، وتوقيع أفصى عقوبة عليها "ابني عريس.. ده كان رايح يجيب لنا العشاء.. حسبي الله ونعم الوكيل".