كان سن يوسف صلاح يومها تسع سنوات، الزمالك يُلاقي الأهلي في نهائي كأس مصر 2007، المُنافسة حامية، مُثيرة، وحماسية، يتقدم الزمالك بهدف، 5 دقائق فقط ويتعادل الأهلي، شيكابالا الآن على أرض الملعب، يُحرز الفارق بقدمه اليسرى، ومعه يهفو قلب الطفل، أصبح اللاعب من لحظتها معشوقه الأول، والزمالك فريقه المُفضل، رغم خسارته الكأس ليلتها. صلاح لم يكن وحده بين مُشجعي الألفينات ممن عشقوا نادي الزمالك، ملايين غيره فعلوا ذلك، ساروا على العهد رغم كبوته التي طالت، ولكلٍ حجته وحكايته. منذ صغره، يُتابع باسل عبد القادر كل مباريات الزمالك، المحلية منها والإفريقية، حتى إنه صنع لإحصاءاته أجندة خاصة، مرسوم على غلافها علم الزمالك، يُسجل فيها تشكيلة الفريق ولاعبيه الاحتياط، كل نقاط الفوز التي حصل عليها، وأيضًا التي خسرها، أهدافه التي سجلها، وورقة تخص التي اخترقت مرماه، لكن بالتأكيد لا ينسى أن يُدون الكرات المُميزة التي صنعتها مهارات لاعبيه، والأخيرة هي الأهم في نظره، لأجلها شجع الزمالك، عشقه كسحر الكرة، ووجد فيه ما لم يجده في غيره. تلك الأجندة خطها عبد القادر قبل ثلاثة أعوام، تمتلئ ورقات واحدة، يبدأ بالتدوين في أخرى، وعلى مكتب صغيرة، داخل غرفة بالمنزل، مرسوم على حائطها شعار المشجعين "UWK"، رصّ صاحب ال19 عامًا أجنداته واحدة فوق الأخرى، في ركن قصي، يحتفظ بها، بجانب كتب الدراسة، فالزمالك ولونه الأبيض لا يفارقه في كل مكان يخطو إليه، لا فارق هنا بين ترتيبه في جدول المسابقات، ولا يحيده عن تشجيعه له إن فاز أو خسر. "الانتماء أحد أنواع الحب، حالة خاصة، لا ترتبط بالفوز أو الخسارة، هو إحساس، ومن الصعب أن يُطلب أو يُفرض على الشخص"، هكذا يرى أيمن يونس، المُحلل الرياضي، واللاعب السابق بنادي الزمالك. يوضح يونس وجهة نظره، ويُعطي الأمثلة بأندية لها جماهيرية كبيرة، رغم ضعف قدراتها على تحصيل البطولات، لا يختلف الأمر بين مشجعي الاتحاد السكندري بالدوري المحلي عن فريق أستون فيلا بالدوري الإنجليزي، الانتماء لهذه الفرق يحركه الحب فقط ولا غيره. كانت مُصادفة أن يُشاهد صلاح نهائي الكأس، نصحته والدته يومها بالأمر، وسط عائلة "زملكاوية" جلس الطفل يُتابع، عينه مشدوهة نحو الكرة بين أقدام شيكابالا، كأنه الحب من أول نظرة، أصبح الفهد الأسمر لاعبه المُفضل، ومثالًا أعلى لقدمه اليُسرى وهو يلعب في المدرسة. اشترى قميصه في العام 2011، ارتداه في سعادة يعجز هو عن وصفها، ومن المدرجات وقف يُشجع، لا ينسى صلاح المرة الأولى في الاستاد، شيكابالا يحرز هدف في مرمى بتروجيت، تفاصيل الهدف حاضرة في ذهن ابن التجمع الأول لا تفارقه، يُعيدها بشغف كبير، وسعادة، اكتملت بفوز اللاعب بلقب هداف الدوري في العام نفسه. لسنوات غابت البطولات عن الزمالك، حسرة اجتمعت في قلب ابن حي التجمع الأول، يعشق صلاح النادي، لكن ابتعاد فريقه عن التتويج يُحزنه، اقترح عليه زملاءً له أن يُشجع الأهلي، لم يوافق منذ البداية، لكنه خاض التجربة، كان صلاح عمره وقتها 12 عامًا، قرر أن يُشجع الأهلي في مباراة محلية "لكن كان أول ما يدخل في الأهلي جون أقوم أفرح"، لا زال حب الأبيض يجري في دمه، رغم انكساراته التي لا تنقطع. الزمالك عشاقه في كل مكان، من حي المطرية بالقاهرة، يُشجعه كريم سيد، يكن له الحب والحماس، حتى أنه يتغيب عن دروسه إذا حانت في موعد لقاءاته، لكن يؤلمه بقسوة أن يُهزم في أي مباراة، يكون يوم حزين على نفس الولد، حتى أنه يرفض النزول من المنزل إذا كان الفائز هو الأهلي. لحظة واحدة لا تزال تلتصق بعقل صاحب ال16 عامًا، تُعينه على الانكسارات التي يعرفها الزمالك من وقت لآخر، حازم إمام يرفع كأس مصر في العام 2008، كانت مباراة اعتزال "الرمز"، لكن معها تفتح وعي سيد على حب الزمالك، أصبح من متيمي الفريق الأبيض، عشق الكرة التي يلعبها، انتمى إليه، وأصبح لاعبه المُفضل "ابن النادي" عمر جابر. كان تضامن اللاعب عُمر جابر مع وفاة 20 من مشجعي الزمالك، هو ما أكسبه احترامًا كبيرًا في نظر سيد، من وقتها يعتبره الطفل "واحد من المشجعين مش مجرد لاعب"، لا ينسى له موقفه الشجاع، وكان سيد فرحًا عندما اجتمعت الجماهير أمام منزله، لترد له الجميل، وتودعه، قبل أن يخوض مشواره في الاحتراف بالخارج. ويرى المُحلل الرياضي، أيمن يونس، أن الانتماء صناعة، لعبة ذكية، تقوم على عدة عوامل، أبرزها هو قدرة كل نادي على جذب لاعبين يحظون بحب الجماهير، أو تصعيد ناشئ يَلفت إليه الأنظار. أكبر دليل في نظر يونس على كلامه، هو لاعب منتخب مصر وليفربول الإنجليزي محمد صلاح، الذي صنع حالة خاصة من الانتماء، فاللاعب شد لناديه الإنجليزي ملايين المتابعين من الجماهير المصرية، وحتى بعد رحيله مستقبلًا عن ليفربول سيبقى عددًا كبيرًا من الجماهير تُتابع النادي وتُشجعه. أقل من ثماني سنوات، هو سن عُمر هيثم، يعشق الزمالك، حتى أنه انتقل إلى تشجيع كل الفرق الأوروبية التي ترتدي قميصه الأبيض، "بحس الأحمر تقيل على قلبي فمش بشجعه" يقولها ببراءة. بعد هزيمة الزمالك الأخيرة في الدوري المحلي، أصاب الحزن هيثم، دار حديث بينه ووالدته، الطفل قال "يلا يا ستي نشجع الأهلي بقى"، ردت الأم "لأ طبعًا"، فأجابها "يا ماما حرام عليكي دي أضعف فرقة في الدوري، ده أي حد بيغلبهم"، انتهى الحديث، قبل أن يرتدي الطفل قميصه الذي يحمل علم الزمالك. كبوة يمر بها الزمالك في الموسم الحالي، 9 هزائم بالدوري المحلي جعلته في المركز الثالث، لكن ذلك لا يؤثر على انتماء عبد القادر له، يُشجعه في كل الأحوال، وينتظر مباراته القادمة بفارغ الصبر، حتى أنه لا يُمانع أن تكون له مباراة في كل يوم.