داليا في الملجأ.. أمومة متبادلة مع 582 كلبًا

تصوير -مصطفي الشيمي
مازالت داليا النادي تتذكر المشهد الصباحي الفريد؛ تخرج لحديقة منزلهم لتجد والدتها تُشرف على إطعام خمسين قطة يعيشون معهم، تعلمت الطبيبة البيطرية من أمها الرفق بالحيوان، رأت كيف تقتسم أمومتها بينهم وبين القطط، فتهتم يوميًا بتغذيتهم في مواعيد مقدسة، مهما كانت لديها من التزامات، وفي المقابل كيف ترد الحيوانات بأمومة متبادلة.
أخذت داليا ذلك الحنان، ظلت تُساعد حيوانات الشارع قدر المستطاع، إلى أن انضمت إلى ملجأ "مؤسسة حماية الحيوان"، الذي يؤوي مئات الكلاب ويعالجهم.
لم تكن علاقة داليا بالكلاب والقطط وثيقة فقط "بربيهم من وأنا صغيرة"، لكن مع بداية الألفية، قررت السيدة الأربعينية دراسة الطب البيطري في أمريكا لأجل علاج الحيوانات، والكلاب خاصة.
طوال مُدة عملها مع الكلاب، تندهش داليا من مخزون الحنان الذي يحملونه، خاصة فيما يتعلق بالأمومة "الكلبة لما بتولد بيبقى عندها كم هائل من الحنية والشراسة ضد اللي بيحاول يؤذي ولادها". رغم ذلك تُعاين الطبيبة بعض الكلاب التي تُرضع وترعى "جراء" –أبناء الكلب- ليسوا أبنائها.
بعض الكلاب الصغيرة التي تأخذها داليا من الشارع تكون بلا أم "بيبقوا قتلوا مامتها أو ماتت في حادثة". بحذر شديد تحمل الطبيبة تلك الجراء "بنقرّبهم من أي أم عندنا ونخليها تشمّهم"، تبدأ داليا في متابعة العلامات "لو قبلت إنهم يرضعوا منها يبقى كدة اعتبرتهم ولادها ونقدر نطّمن عليهم"، ترعى بعض كلاب الملجأ 10 كلاب صغيرة، أكثر من نصفهم ليسوا أبنائها.
توقن داليا إن الحيوانات والطيور معلم قديم لبنى البشر "الإنسان أول ما اتعلم الدفن كان من الغراب". والأمومة جزء من التفاصيل اليومية التي تشهدها الطبيبة البيطرية وكان من السهل عليها رصدها.
تشير داليا ل"تمر حنة" الاسم الذي أطلقوه على الكلبة الأم، الوافدة بمعاناة مرضية إلى المؤسسة "عربية خطبتها ورجليها الاثنين اللي قدام مكسورين وكانت حامل". بعد أسبوع من مجيئها وضعت "تمر حنة" أولاها، فيما ظلت أسبوعين تستميت لإرضاع صغارها وتنظيفهم رغم أنها لا تقدر على الحركة.
أما "صدفة"، كانت بالنسبة لداليا، مثال في التضحية والمقاومة، تعاني الكلبة من ورم كبير يتدلى من رقبتها، كان حائلاً للعناية بصغارها، لكن ما إن يقتربوا منها تتحامل لإبعاده كأن الألم غير موجود.
داخل مؤسسة حماية الحيوان، الأمومة متبادلة بين داليا و582 كلبًا، تربت الطبيبة عليهم، تشرف على طعامهم، تطبب جروحهم، وفي المقابل تَعْلَّمَ الكلاب -القادم أغلبهم من الشارع- الترحاب بالغرباء؛ يقفزون عليهم بود، يقتربون منهم لينالوا قسطًا من الرحمة والمحبة، لكن ما إن تطل داليا بينهم، يتحلقون حولها كما يتجمع الصغار حول مجيء والدتهم، يرفعون رؤوسهم إليها، كأنما ينتظر كل منهم أن يحظى بقسط أوفر من الحنان والتميز عن بقية رفاقه.
وفي الغرف الخلفية لساحة المؤسسة، تتواجد الأمهات من الكلاب، كالبشر تحمل كل منها طباع مختلفة، منها التي تحتضن صغار ليس لها، ترعاهم كأم بديل، ومَن ترفض أن تدخل غريبًا بين أبنائها بعدما وضعتهم عقب فترة تتراوح بين 60-65 يومًا.
لا تغيب الكلاب عن منزل داليا، تملك السيدة كلبين و8 قطط "بعتبرهم فرد من العيلة.. بقول لبنتي دول زي إخواتك"، تضحك الطبيبة، قبل أن تضيف "تربية الكلاب علّمت بنتي يبقى عندها مسئولية تجاه أشياء كتيرة".
تتعجب الطبيبة البيطرية من الثقافة السائدة عند بعض الآباء "إن البيت ميدخلوش كلب أو قطة"، فيما يسيطر عليها الحزن الشديد حين ترى أوليا أمور يُشجعون أطفالهم على إيذاء الحيوانات "بنشوف فيديوهات لآباء بيدربوا ولادهم على رمي القطط من سطح البيت وكأنها شطارة"، فيما توضح أن أكثر من نصف حوادث الإيذاء التي حدثت لكلاب الملجأ كان سببها أطفال لم تتعد أعمارهم 15 عامًا "الأب والأم هما اللي يقدروا يزرعوا القسوة أو الرحمة مش حد غيرهم".
"وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم" ترددها داليا بينما تقول، إن الكثير لا يفهم رد فعل بعض الكلاب حينما ترى سيارة مارة فتندفع بالجري ورائها منفعلة "المشهد ده بنشوفه كتير ومحدش عارف أن ده معناه في الغالب دي أم وليها جرو صغير داسته عربية".
أمهات الكلاب تدافع بشدة عن أولادها، خاصة من يسكن منهم الشوارع، حتى أنها تتولى قيادة القطيع في الشارع في حالة غياب الذكر أو تكون "ولادة" وتجمع الأبناء حولها، تبتسم بينما تعكس موقف الكلام على البشر "لو أم ماسكة ايد بنتها وماشية في الشارع وحد جه يخطفها منها مش بعيد تقتله.. يبقى ليه البعض بيستغرب من رد فعل الكلاب لما يتاخد جروها".