وافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس الماضي، على الاجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، لإجراء محادثات ثنائية بعد تصاعد حدة الخلافات بين البلدين على خلفية تعزيز بيونجيانج لترسانتها النووية وتطوير أسلحتها البالسيتية. قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير منشور الجمعة على موقعها الإلكتروني، إن ترامب يعد الرئيس الأمريكي الأول الذي يوافق على إجراء محادثات بشكل مباشر مع زعيم كوريا الشمالية. وذكرت الصحيفة أن مسؤولين حاليين وسابقين في الولاياتالمتحدةوكوريا الجنوبية بذلوا جهودا كبيرة من أجل التصدي للطموح النووي الكوري الشمالي، وعرقلة جهودها لتعزيز ترسانتها العسكرية. وفيما يلي تستعرض الصحيفة طريق المفاوضات والمحاولات التي قامت بها كافة الجوانب، ووصولا إلى الجهود المبذولة مؤخرا، وحتى إعلان ترامب موافقته على مقابلة كيم جونج أون. 1994: حافة الحرب واتفاقية: بينما لم يجتمع أي رئيس أمريكي بزعيم كوري شمالي وهو في منصبه، اجتمع رؤساء بعد أن تركوا المنصب بزعماء كوريين شماليين، إذ قابل جيمي كارتر بكيم إيل سونج، مؤسس شبه الجزيرة الكورية عام 1994، مخالفًا رغبات بيل كلينتون، الرئيس الأمريكي آنذاك. توجه كارتر إلى العاصمة الكورية الشمالية بيونجيانج، بعد أن قالت وكالات الاستخبارات المركزية الأمريكية إنها تعتقد أن شبه الجزيرة الكورية تعمل على معالجة البولوتنيوم لاستخدامه في تصنيع الأسلحة النووية. أدت مقابلة كارتر وإيل سونج، الذي تُوفي بعد اللقاء بثلاثة أسابيع، إلى استئناف المحادثات التي نتج عنها ما يُسمى ب"الإطار المتفق عليه"، والتي تم من خلاله التوصل إلى اتفاقية أوقفت كوريا الشمالية بموجبها بناء مفاعلين نويين يمكن استخدامهما لانتاج الوقود المستخدم في الأسلحة النووية مقابل الحصول على النفط، وتعهدت ببناء مفاعلات نووية لانتاج الطاقة فقط. ووافق كلينتون على الاتفاق فيما بعد، إلا أن الكونجرس عرقل عملية نقل شحنات النفط إلى شبه الجزيرة الكورية، ورفض رفع المساعدات المفروضة عليها فورًا، ولم تؤسس بيونجيانج المفاعلات النووية التي كان مقرر استخدامها في انتاج الطاقة أبدا. 2000: محادثات بين الكوريتين: التقى كيم إيل سونج، زعيم كوريا الشمالية، بنظيره الكوري الجنوبي كيم داي جونج في العاصمة الكورية الشمالية بيونجيانج عام 2000، لعقد قمة، كانت الأولى من نوعها بين زعيمي الكوريتين، بعد الحرب التي فرقت بينهما قبل 50 عامًا من ذلك الوقت. أدت المحادثات إلى تقارب لم يسبق له مثيل، ومشاريع مشتركة مختلفة بين الجارتين، إلا أن الأوضاع ساءت كثيرا، بعد كشف تحقيقات أن حكومة كوريا الجنوبية قامت بتسريب 450 مليون دولار إلى الشمال قبيل المحادثات. · مادلين أولبرايت في كوريا الشمالية: دعا كيم جونج- إيل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون لزيارة كوريا الشمالية عام 2010، وحضرت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية وقتذاك، نيابة عنه، وسافرت إلى هناك سعيًا لتوسيع نطاق الإطار المتفق عليه، ليشمل الصواريخ الباليستية، والتي كانت كوريا الشمالية تطورها وتبيعها للخارج. وقالت إدارة كلينتون إنهم أتموا الصفقة، ولكن لم يحدث شيئ فعلا إلا بعد تولي جورج دبليو بوش الرئاسة عام 2001. 2000- 2006: اختبار القنبلة النووية انهار الإطار المتفق عليه عام 2002، بعد مواجهة الولاياتالمتحدةلكوريا الشمالية بشأن برنامجها السري المعني بتخصيب اليورانيوم باستخدام معدات من باكستان، ما ترتب عليه إيقاف واشنطن لإمدادات النفط الموجهة إلى بيونجيانج، ما دفع الأخيرة إلى استنئاف عملها على تطوير برنامجها النووي. واستمرت المفاوضات المعروفة ب "محادثات الأحزاب الستة"، بين ممثلي دول كوريا الشمالية والجنوبية والصين وروسيا واليابانوالولاياتالمتحدة، وفي عام 2005 قالت كوريا الشمالية إنها ستتخلى عن أسلحتها وبرنامجها النووي مقابل الحصول على ضمانات أمنية، ومع ذلك أجرت بيونجيانج أول تجربة نووية لها عام 2006. 2007 – 2011: انهيار المحادثات السداسية التقى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج إيل بنظيره الكوربي الجنوبي روه مو هيون عام 2007، في الاجتماع الثاني الذي يجمع الجانبين، ونتج عن اللقاء اتفاق يهدف إلى تعزيز العلاقات بين الكوريتين، وتخفيف التوترات العسكرية على طول الحدود بينهما، إلا أن الانتفاق انتهى بانتتهاء حكم مو هيون، والذي انتحر بعد اتهامه بالفساد. وانهارت محادثات الأطراف الستة عام 2009، بعد الخلاف حول السماح لمفتشين دوليين بالتواجد في المواقع الكورية الشمالية. وسافر كلينتون، الرئيس الأمريكي السابق وقتذاك، إلى كوريا الشمالية ذلك العام، والتقى بكيم جونج إيل في محاولة لاقناعه بإطلاق سراح الصحفيين الأمريكيين إيونا لي ولورا لينج. وتوفي كيم جونج إيل عام 2011، وتولى ابنه الأصغر كيم جونج أون الحكم خلفًا له. 2012: "استراتيجية الصبر" تبنت إدارة باراك أوباما استراتيجية تقوم على زيادة العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، عُرفت ب"استراتيجية الصبر"، رغم استمرار الاجتماعات الدبلوماسية بين الجانبين. وتوصل الجانبان إلى اتفاقية في 29 فبراير 2010، والتي بموجبها تسمح كوريا الشمالية بعودة المفتشين الدوليين إلى مواقع أسلحتها النووية، وإيقاف برنامجها الخاص بالصواريخ طويلة المادة وتطوير برنامجها النووية، مقابل عودة المساعدات الغذائية الأمريكية لها. إلا أن الاتفاق انتهى بعد فترة وجيزة، بعد إطلاق كوريا الشمالية صاروخا لوضع قمر صناعي في المدار الجوي، وهذا ما اعتبرته الولاياتالمتحدة جزء من جهودها لتطويل الأسلحة طويلة المدى. 2016- 2017 : ترامب أبدى دونالد ترامب، المُرشح الجمهوري للانتخابات الأمريكية عام 2016، استعدادا لإجراء مفاوضات مباشرة مع كوريا الشمالية في إطار الجهود المبذولة لوقف تطويرها لبرنامجها النووي. ورد، لاحقًا، على الانتقادات التي وُجهت له بشأن استعداده لإجراء مفاوضات مع زعيم كوريا الشمالية، وقال: "من يهتم؟ سأتحدث مع أي شخص، من يدرى ماذا سيحدث؟". وقال ترامب في مناسبة أخرى، تعليقا على نيته لإجراء محادثات مع كوريا الشمالية،: "هناك فرصة بنسبة 10 أو 20 في المئة بأنني سأتحدث معه عن هذه الأسلحة النووية، فمن هو لكي يمتلك أسلحة نووية؟، وهناك فرصة بأنني سأتوصل صفقة جيدة من أجلنا". وبعد وفاة الطالب أوتو وارمبير، الطالب في جامعة فرجينيا، الذي قضى 17 شهرًا في الحجز بكوريا الشمالية، أدان ترامب ما وصفه "النظام الوحشي الكوري الشمالي" · صواريخ قوية ومزيد من الأسلحة النووية خلال عام ترامب الأول في الرئاسة، اختبرت كوريا الشمالية صواريخ باليستية طويلة المدى، وأجرت 7 تجارب نووية، منهم واحدة هيدروجينية. وهدد الرئيس الأمريكي بالتعامل مع كوريا الشمالية ب"النار والغضب"، إذ حاولت المساس بأمن وسلامة بلاده، وفي المقابل أعلنت بيونجيانج أنها قد تشن هجومًا على جيوم، حيث يوجد قاعدة عسكرية أمريكية. · حرب كلامية تعهد ترامب في خطابه بالجمعية العامة بالأمم المتحدة بتدمير كوريا الشمالية تماما، إذا هددت الولاياتالمتحدة أو حلفائها. وكتب تغريدة على حسابه على تويتر، وصف فيها الزعيم الكوري الشمالي ب"الرجل الصاروخي"، وقال إنه "في مهمة انتحارية سيقضى فيها على نفسه". وجاء خطاب ترامب بعد أيام من إطلاق كوريا الشمالية صاروخ باليستي فوق سماء اليابان. 2018: الألعاب الأولمبية الشتوية بعد بدء عام 2018 بيومين فقط، قال ترامب العقوبات الأمريكية والدولية على كوريا الشمالية ستدفع إلى إجراء محادثات بين كوريا الشمالية والجنوبية، وهو الاحتمال الذي لمّح إليه الزعيم الكوري الشمالي في خطابه بمناسبة بدء العام الجديد. وقال كيم جونج أون أن لديه "زر" على مكتبه إذا ضغط عليه سيشن هجوم على الولاياتالمتحدة، فرد عليه ترامب قائلا إنه لديه "زر أكبر وأكثر قوة". وتعهد ترامب، في الذكرى السنوية الأولى لتوليه الرئاسة، بأنه لم يكرر اخطاءات الإدارات السابقة والتي قد تقود بلاده إلى مواقف خطيرة. وفي فبراير الماضي، أعلنت كوريا الشمالية موافقتها على ارسال وفد يُمثلها إلى جارتها الجنوبية لحضور الألعاب الأولمبية الشتوية، وهي الخطوة التي خففت حدة التوترات بين الكورتين، لاسيما وأن كيم يو جونج، شقيقة الزعيم الكوري الشمالي الصغيرة، ترأست الوفد وحضرت مراسم الافتتاح. كما سافرت إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي ومستشارته، إلى كوريا الجنوبية لحضور مراسم ختام الألعاب الأولمبية، وجاء ذلك بعد فشل المسؤليين الكوريين الجنوبيين في تنسيق لقاء بين كيم يو جونج ومايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، على هامش الألعاب الأولمبية. وسافر مسؤولون كوريون جنوبيون إلى كوريا الشمالية، هذا الأسبوع، للتمهيد من أجل المحادثات المرتقبة بين كيم جونج أون ودونالد ترامب.