في إحدى مُدن محافظة الشرقية، يقع منزل عبير حسن - اسم مستعار - لا يختلف كثيراً عن المنازل المجاورة، غير أن داخله كانت مَشاعر الفخر المَمزُوج بالقلق والترقُب تَختلج نفس الأُم لأحد الضباط المشاركين في العملية الشاملة بسيناء 2018. قلبها مُعلق بأرض الفيروز، لا يَكُف لسانها عن الدعاء لنجلها ورفاقه. والدة الضابط: "مبنامش غير لما يكون ابني معايا في البيت" باهتمام بالغ تتابع أخبار العملية التي أعلن المتحدث العسكري بدء تنفيذها، صباح الجمعة 9 فبراير، تُؤمن كل الإيمان بضرورتها "لأنها بتجيب حق الشهداء وتطهر مصر من الإرهاب. كانت لازم تحصل". "متقلقيش عليّ يا ماما، أنا الحمد لله كويس وبخير" نَزلت تلك الرسالة القصيرة بَرداً وسَلامًا على قلب "عبير"، تَغيرت ملامحها بالبَهجة بعد 5 أيام من آخر اتصال مع ابنها "خالد" – اسم مستعار - قبل يوم من بدء العملية الشاملة، هدأتْ نفسها بسلامة الحبيب، الذي تصف علاقتها به بأنها أكثر من ارتباط أُم بنجلها "هو مش ابني بس، هو ابني وصاحبي وأخويا وأبويا وكل حاجة". حول شاشة التليفزيون، تتحلق "عبير" ونجلها الأصغر كل مساء منذ بدء العملية الشاملة، يُتابعان باهتمام بيانات القوات المسلحة، يَنتقلان بين برامج التوك شو للاستماع إلى تحليلات الخبراء العسكريين: "بالذات الفترة دي لحد العملية ما تخلص خالص، ربنا يسترها عليهم"، بينما تَبدأ الأم يومها كل صباح بمتابعة صفحة المتحدث العسكري عبر "فيسبوك": "عشان أشوف إيه اللي حصل في سيناء النهاردة". لدى "عبير" 3 أبناء، تقول إنها لم تعلم بخدمة نجلها "البكري" في شمال سيناء إلا بعد فترة من انتقاله إليها قبل نحو عام "عرفت بالصدفة من ضابط زميله، مرضاش يقولي عشان مفضلشي قلقانة عليه لأنه الكبير بتاعي بعد والده الله يرحمه"، ويشير الضابط العشريني "خالد" إلى أنه طلب بنفسه الانتقال إليها لكي يثأر لدماء زملائه الشهداء، وأنه يُقاتل بقلب جسور واثقًا في نصر الله "لو عشت هعيش بطل، ولو مت هموت شهيد". "أنا مبنامش غير لما يكون ابني أجازة وبايت معايا في البيت، وقتها بس بكون مطمنة" قالتها الأم بنبرة تملؤها الشجن عن حالها منذ خدمة نجلها في شمال سيناء، وتضيف أنها أصبحت أكثر قلقًا منذ بدء العملية الشاملة "من خوفي عليه بقيت مش مركزة في أي حاجة". وعلى بعد عشرات الكيلو مترات لا يختلف حال الابن كثيراً، في خضم المعركة الدائرة ضد الإرهاب فإن قلبه مُعلق بذويه "بفكر في ماما واخواتي علشان أنا مسؤول عنهم مكان والدي الله يرحمه". كانت آخر إجازة للضابط قبل حوالي 10 أيام من بدء العملية، قضى معهم أسبوعًا كإجازته المعتادة بعد غياب شهر، جَهز حقيبته وودع والدته غير أن قلبها حدثها بشيئًا لم تُفسره وقتها "هو ما بيتكلمش مع حد في أسرار الشغل، بس قلبي كان حاسس إن المرة دي مختلفة"، تصمُت قليلاً قبل أن تُطلق سَيلاً من الدعاء "ربنا يحفظه ويحميه هو وكل أبطال سيناء، أنا بدعيلهم كلهم، وربنا يرحم الشهداء ويجعلهم من الأبرار في الجنة". طوال العام الماضي ومنذ بدء العملية الشاملة، أصبح الجدول اليومي للأم ثابت خلال مدة تواجد ابنها بخدمته في سيناء، صباح كل يوم تَبعث له رسالة على "واتساب" أو "فيسبوك" وتنتظر حتى تلتقطها شبكة الاتصال الضعيفة هناك "بقوله عامل إيه يا حبيبي، لما تشوف الرسالة طمني عليك"، الوقت يمر ثقيلاً، تُشغل نفسها ببعض أعمال المنزل كمحاولة لتمضيته "ما بارتاحش غير لما يرد عليا برسالة فاطمن"، وتضيف أنه يُهاتفها في حالة تحسن الشبكة "وأحيانا بيقعد بالأسبوع مبعرفش أكلمه". بنبرة تَملؤها الفَخر تتحدث السيدة الخمسينية عن شَغف نجلها بعمله "كل اللي في دماغه شُغله وإزاي يجيب حق الشهداء"، تصمُت قليلاً قبل أن تُعدد سمات تفوقه "مُجتهد وعنده طُموح، وبياخد امتياز في شغله من أيام ما كان في الكلية الحربية". تطلق تنهيدة وتذكر أنها دائمًا ما تُحدثه عن رغبتها في زواجه "كل إجازة بقوله أنا نفسي أفرح بيك واشوفلك عيل" لكنه يُصر على تأجيل تلك الخُطوة "بيقولي أنا مش هفكر في الجواز إلا ما أخلص خدمتي في سيناء، ده أعظم هدف قدامي دلوقتي". "الأرض دى أرضنا مش مَأوى للإرهابيين دي مَقبرة ليهم، تاني حاجة زمايلنا اللى استشهدوا وحَقهم، ثالث حاجة من خَرج عن المألوف فهو ليس منا، بمعنى من يَحمل السلاح فى مصر من دون الجيش والشرطة هو إرهابى ويجب قتله" يذكر "خالد" الدوافع التي يضعها نُصب عينه لاستكمال مهمته في سيناء وخاصة مع بدء العملية الشاملة. بحماس كبير، تتحدث الأم عن العملية الشاملة التي تابعت أخبارها من خلال بيانات المتحدث العسكري على مدار الأيام الماضية "جيشنا مأمن مصر من جميع الاتجاهات"، تذكر بعض التفاصيل التي التَقطتها عينها من الصور ومقاطع الفيديو التي أذاعتها القوات المسلحة "مشاركين فيها كل أفرع الجيش"، بسلاسة تعدد أسماء القوات "المشاة بيمشط على الأرض، والطيران بيضرب الإرهابيين من فوق"، قبل أن تَختتم حديثها "ثقتي كبيرة في ربنا، إن شاء الله جيشنا وشرطتنا العظيمة يطهروا مصر من الإرهاب". قصة المُجند: والدة المجند: "العملية الشاملة بتجيب حق الشهداء.. بدعيلهم وبقول يارب سَلم" صبيحة يوم الأربعاء الماضي، ارتدى "صابر" – اسم مستعار – ملابسه العسكرية، حمل حقيبته على ظهره، أمام باب بيتهم المتواضع بإحدى قرى محافظة المنيا وقف المجند ابن ال23 ربيعًا يودع والدته قبل أن يسافر إلى مكان خدمته بشمال سيناء بعد أيام قليلة من بدء العملية الشاملة، بصوت واثق وبلكنة صعيدية تتحدث الأم عن ثقتها في نجاح العملية التي علمت عنها من التلفاز "بيعملوا حاجة عظيمة في سيناء، بعون الله يقدروا يجيبوا حق الشهداء". "صابر" هو الابن الرابع بعد أخت وشقيقين، تقول والدته "فاطمة إسماعيل" – اسم مستعار – إنه يتمتع بمنزلة خاصة لدى الأسرة "لأنه آخر العنقود، وبقلق عليه أكتر عشان بعيد عني"، وتضيف أن تلك المرة لم يختلف وداعها له قبل انطلاقه إلى خدمته العسكرية وأنها لا تقلق كثيراً بسبب تواجده في شمال سيناء "مش هيشوف غير اللي ربنا كاتبهوله، ممكن يبقى نايم جنبي وتحصله أي حاجة". أمام شاشة التليفزيون، تجلس الأم رفقة أبنائها كلما يتحين لها ذلك "عشان أعرف أخبار اللي بيحصل في سيناء"، ومنذ بدء العملية الشاملة زاد حرصها على معرفة تطوراتها أولاً بأول "لو فيه أخبار عنها بقعد أسمعها كلها"، في صباح كل يوم تنجز "فاطمة" أعمال المنزل، وفي منتصف اليوم تحاول الاتصال به "بكلمه لما يبقى فيه إشارات، ولو مفيش شبكة بستناه هو يكلمني". بشوق ولهفة، تنتظر "فاطمة" عودة ابنها كل إجازة بعد حوالي شهر، تضُمه في حنان، تَسكُن نفسها برؤية فلذة كبدها، تستقبله بأشهى الأكلات التي أعدتها "بعمله الحلو كله واللي يقدرنا عليه ربنا"، يعرف منها أحوال آل البيت، تسأله الأم عن استقرار الأوضاع بسيناء غير أنه يلوذ بالكتمان "بيقولي أنا مش جيت وشفتيني واطمنتوا عليا، مبيحبش يحكي عشان مبقاش قلقانة عليه وهو مسافر". مع كل حادث إرهابي في شمال سيناء، يَنخلع قلب الأم، تُحاول الاطمئنان على نجلها بينما يمنعها كثيراً ضعف شبكة الاتصال هناك "ببقى عايزة اسمع صوته بأي طريقة"، تحاول طمأنة نفسها "متوكلة على الله إنه يحفظهم وينصرهم"، تتذكر فخرها بالمهمة التي يقوم بها وإيمانها بأنه يثأر لدماء الشهداء "ده أنا نفسي كمان يطوع ويكمل في الجيش بعد مدة خدمته"، تلجأ للصلاة وهي تُتمتم بالدعاء "بقول يارب سَلم".