انتهى عام 2017 دون بادرة أمل تلوح في الأفق بحل قريب يحسِم أزمة "سدّ النهضة" الإثيوبي، وسط مخاوف من أن يتسبّب في تراجع حصة مصر من مياه النيل، في الوقت الذي تواصل فيه إثيوبيا عمليات البناء دون انتظار نتائج البحوث الفنية المتعلقة بتأثيراته على دول المصب، وهو العام الذي شهد تعثر المفاوضات ثم عودتها مرة أخرى باقتراح مصري ل"تدويل الأزمة". وسجّل العام الماضي تعثّرًا في ملف سد النهضة، وتحديدًا في شهر نوفمبر، بعد أن أخفق وزراء الري في مصر والسودان وإثيوبيا إلى اتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بدراسات السدّ - الذي أعلنت أديس أبابا نحو 60 بالمئة من جسم السد - حيث رفضته السودان وإثيوبيا، فيما أبدت مصر موافقتها. "أوجه الخلاف" يكمن الخلاف بين الدول الثلاث في الفترة الزمنية لملء خزان السد بما لا يضر بالحصة التاريخية لمصر من مياه نهر النيل التي تقدر ب55 مليار متر مكعب. وتخشى مصر من أن بناء السد وما يتبعه من خطوة تخزين للمياه، سيؤدي إلى تدمير مساحات من الأراضي الزراعية لديها، فضلا عن عدم توفير مياه شرب كافية لسكانها الذي يتجاوز عددهم 100 مليون نسمة، ويعانون بالفعل من نقص في الموارد المائية. في المقابل، تقول إثيوبيا إن السد ضرورة لتطوير البلاد، وتزعم أن للسد منافع لجميع الدول بما فيها دولتي المصبّ، مصر والسودان. ويبدو أن الموقف السوداني أقرب إلى إثيوبيا منه إلى مصر، إذ عبّرت الخرطوم أكثر من مرة عن اعتقادها بأن سد النهضة سيكون له فوائد على دول المصب، بخلاف ما تخشاه القاهرة. وبدأت إثيوبيا في عمليات البناء عام 2011. ورصدت مساحة واسعة من الأراضي له، حيث يمتد المشروع على مساحة تبلغ 1800 كيلو متر مربع. ويبلغ ارتفاع السد 170 مترًا ليصبح بذلك أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا. وقُدّرت التكلفة الإجمالية له بحوالي 5 مليارات دولار أمريكي، (ما يُعادل 10 مليارات بر إثيوبي)- ما يقرُب 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. "زيارة شكري" أجرى وزير الخارجية، سامح شكري، محادثات مع نظيره الإثيوبي ورقينه جبيو، نهاية العام الماضي، في زيارة إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في محاولة لكسر جمود المفاوضات حول السد. واقترح شكري مشاركة "البنك الدولي" كطرف ثالث له رأي محايد وفاصل يشارك في أعمال اللجنة الفنية الثلاثية لسد النهضة؛ لما يتمتع به من خبرات فنية واسعة، ورأي فني يمكن أن يكون ميسرا للتوصل إلى اتفاق داخل أعمال اللجنة الثلاثية. وأكد شكري، بحسب البيان الختامي للزيارة، أن مصر تعاملت بمرونة مع التقرير الاستهلالي لسد النهضة الاثيوبي ووافقت عليه دون تحفّظات. وفي يوليو الماضي، عقد شكري جلسة مشاورات سياسية مع نظيره الإثيوبي، على هامش اجتماعات المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي بأديس أبابا. أكّد خلالها أن مصر هي الطرف الرئيسي الذي يمكن أن يتضرر من استكمال بناء السد وبدء تشغيله دون أخذ الشواغل المصرية بعين الاعتبار. "دور قطر" وفي خِضم الأزمة، شهد العام الماضي تقاربًا ملحوظًا في العلاقات بين إثيوبيا وقطر، الإمارة الصغيرة الغنيّة بالنفط التي تقاطعها مصر ودول (السعودية والإمارات والبحرين)، على خلفية الأزمة الخليجية المُستعرة منذ أكثر من 6 أشهر. بدا هذا التقارب جليًا في تصريحات مسؤولي الدوحةوأديس أبابا، التي تؤكّد على عمُق العلاقات بين البلدين، وكذلك تُلمِح بمُساهمة قطر في بناء سد النهضة. وفي 12 نوفمبر الماضي، وبالتزامن مع الإعلان عن تعثّر المفاوضات، أقرّ رئيس الوزراء الإثيوبي هيل ماريام دسالين بمساهمة المغتربين الإثيوبيين في قطر لبناء سد النهضة، خلال زيارة رسمية للمسؤول الإثيوبي في العاصمة القطريةالدوحة. وربطت وسائل إعلام خليجية ومصرية زيارات المسؤوليين الإثيوبيين إلى الدوحة بالتزامن مع فشل المفاوضات بين الدول الثلاث بما وصفوه "بدور قطر في أزمة مياه النيل وسد النهضة". فيما نفى رئيس الوزراء الإثيوبي حصول بلاده على تمويل قطري لبناء سدّ النهضة، قائلاً إن "إثيوبيا لديها القدرة على استكمال بناء السدّ على طول نهر النيل دون مساعدة خارجية". وأضاف هيل ماريام، بحسب الوكالة الإثيوبية، أن "بلاده لا تريد الحصول على أي مساعدات من مصادر أجنبية لهذا المشروع بالذات، وأن هذا المشروع هو ملك للمواطن الاثيوبي وهو من يموّله". واكّد أن زيارته إلى العاصمة القطرية، نوفمبر الماضي، لا تتصل بسد النهضة، بل المقصود منها "مناقشة مجالات التعاون الأخرى وتوقيع العديد من الاتفاقيات بين البلدين في عدة مجالات، واستفادة إثيوبيا من الخبرات القطرية". وزعمت صحيفة "البيان" الإماراتية، في تقرير نشرته في 25 يوليو، أن الدوحة تعمل على ضرب مصالح مصر في منابع نهر النيل، ومساعدة إثيوبيا لتسريع وتيرة العمل في بناء السدّ الذي قد يؤثر في حصة مصر التاريخية من مياه نهر النيل. ووصفت الصحيفة قطر بأنها "اللاعب الخفي ومايسترو الأحداث" في خطة بناء السدّ. وقالت إن "خطتها تُدار عبر استئناف العلاقات بين الدوحةوأديس أبابا بعد قطيعة دامت 6 سنوات، وضخ استثمارات قطرية لتمويل سد النهضة، وتوقيع اتفاقيات تعاون في مجالات اقتصادية بين البلدين". وفي أبريل، توجه أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، في زيارة رسمية إلى أديس أبابا، كان ظاهرها الالتقاء بالرئيس الإثيوبي ورئيس حكومته، لمناقشة القضايا الثنائية ذات الاهتمام المشترك، وتوقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين، لكن باطنها كان "تجفيف منابع النيل عبر ضخ أموال تقدر بالمليارات لتمويل سد النهضة"، بحسب صحيفة البيان.