تستيقظ "خلود" في الثانية صباحًا، تعد طعام الفطور لوالديها، قبل أن يستعدوا جميعًا للذهاب إلى العمل، الأسرة تعيش في "شبرا بلولة"، بمحافظة الغربية، القرية الشهيرة بزراعة زهور "الياسمين". وتعمل "خلود عبدالحميد" ذات ال17 ربيعًا، حتى السادسة صباحًا من كل يوم، ثم تعود إلى المنزل مرة أخرى، لتغير ملابس العمل، وتذهب إلى مدرستها، فبالإضافة إلى كونها عاملة في قطف زهور الياسمين، فهي طالبة بالثانوية العامة. قرية "شبرا بلولة" التابعة لمركز قطور، يتحول لونها إلى الأبيض مع بداية كل صيف، عندما يبدأ موسم جني زهور الياسمين، القرية مزروعة ب280 فدان ياسمين، تنتج منها الزيوت العطرية التي يتم تصديرها لمختلف بلدان العالم، خاصة فرنسا. "شبرا بلولة" تضم 180 مزرعة ياسمين، بالإضافة إلى عدد من المحاصيل العطرية الأخرى، يتم استخلاص الزيوت الطبية والعطرية منها، داخل مصانع القرية، حيث تضم "شبرا بلولة" 14 مصنعًا لتصنيع العطور. قال عمرو الشيخ، صاحب مزرعة ياسمين بقرية شبرا بلولة، ل"مصراوي"، إن موسم جني الياسمين يبدأ مع بداية الصيف، ويستمر حوالي 6 أشهر، ويتم زراعة الأرض من جديد خلال فترة الشتاء، مشيرًا إلى أن زراعة الياسمين لا تكلف المزارع، حيث يقوم "بتقليم" شجرة الياسمين الكبيرة، وأخذ فروعها وزراعتها داخل أكياس بلاستيكية، وحين تنبت نبتة خضراء يتم وضعها في الأرض، ليطرح شجرة ياسمين جديدة خلال الصيف، ويتم مضاعفة أعداد الأشجار بتلك الطريقة، ويحتاج كل فدان إلى 1000 شجرة، تنتج كل شجرة خلال الموسم من 100 إلى 120 كيلو ياسمين، ويستخرج الفدان 5 أطنان خلال الموسم الواحد. وأضاف الشيخ، أنه يجري الاتفاق مع الفلاحين بالقرية على قطف الياسمين من الشجر مع بداية الصيف، على أن يأخد الفلاح ثلثي المحصول، ويأخذ صاحب المزرعة الثلث المتبقي، ويقوم الفلاح بالقطف طول فترة الليل، لإنه لا يستطيع قطفه في النهار، فالزهور تتفتح في الليل وتتسبب آشعة الشمس في ذبولها، وتضييع رائحتها، ثم تسليمه للمصنع الذي تم الاتفاق معه، ويتم تحديد الأجر آخر كل موسم. وأضاف محمود شهاب، صاحب مزرعة، أن "أصحاب المصانع، يأخذون المحصول كل عام ويحددون السعر في نهاية الموسم، حسب رغبتهم، ويظل صاحب المزرعة والفلاح تحت رحمة أصحاب المصانع، وإلا سيرفضون استلام الأزهار عقب قطفها وستتلف من الفلاحين". وأضاف: "في البداية ظل السعر ثابت لسنوات عند 18 جنيهًا للكيلو، وفي عام 2015 طالبنا بزيادة السعر، ورفض المصنع استلام المحصول منا، ورفعنا قضية على أصحاب المصانع، وصدر حكم محكمة بزيادة السعر إلى 28 جنيهًا للكيلو، والعام الماضي شكلنا جمعية مزارعي ومصنعي الياسمين في قرية شبرا بلولة، واتفقنا على رفع السعر إلى 40 جنيهًا للكيلو". يعمل بمهنة قطف زهور الياسمين الآلاف من أهالي القرية، من عمال ومدرسين وطلبة وربات بيوت، ولإن العمل في مزارع الياسمين يكون في الليل، فإن أغلب العاملين في المزارع، يمتهنون مهن ووظائف أخرى، يتوجهون لها صباحًا، بالإضافة إلى الطلبة الذين لا يؤثر قطف الياسمين على دراستهم. وقال السيد إبراهيم، أحد الفلاحين، إن جمع الياسمين مهنة ليست بالسهولة التي يتوقعها الناس، وفيها عدد من المخاطر، أولها أن العمل يكون في الليل، فيضطروا إلى الاستعانة بأضواء الكشافات، بالإضافة إلى المعاناة وسط الأراضي في البرد، ووجود حشرات قارصة داخل الأراضي التي يقضون فيها أكثر من 8 ساعات يوميًا. وأضاف محمود الجمل، مدرس، ل"مصراوي"، أنه يعمل في مهنة جميع الياسمين منذ 12 عامًا، بجانب مهنة التدريس كزيادة لدخل الأسرة، مشيرًا إلى أن زوجته وابنه يساعدوه في العمل. وقال: "هي مهنة شاقة، كفاية أننا نعمل في الليل على أرض فاضية من حولينا، ابني بيساعدني عشان إحنا كل واحد بيقطف طول الليل 2 كيلو فقط، يعني مكسبهم حوالي 60 جنيهًا، مش بيكفي، ابني "معاذ" في الصف الخامس الابتدائي بيجيب معاه هدوم المدرسة، وعندما ينتهي من الدراسة، ينام حتى الساعة 10 ليلًا، ليستيقظ، يكمل معايا شغل كل يوم".