أسيوط – فاتن الخطيب وعلا عوض وحسن فتحي وأميرة محمد ومحمد الجزار: تصوير: أحمد دريم "أنا لم ألوث ماء النيل".. هكذا كان يقف المصري القديم بعد موته- حسب معتقداته- أمام الإله أوزوريس ليقسم أنه عاش أمينًا في حياته ويستحق الخلود، ولكن بمرور الوقت تحول النيل "الإله حابي" إلى مصرفًا للصرف الصحى ومكبًا للقمامة برغم من وجود قوانين تحميه إلا أنها خارج التنفيذ، فمن إلقاء المخلفات إلى انتشار البقع الزيتية مرورًا بظهور الحيوانات النافقة وتشييد الأبراج السكنية على حرمه يحيا النيل في أسيوط ... "ولاد البلد" رصدت ظاهرة التعديات على النيل. مقلب قمامة وقت ذهابنا لكورنيش النيل بقرية الواسطى التابعة لمركز الفتح كان يعج بجميع أنواع القمامة والطيور والحيوانات النافقة، وهناك التقينا مصطفى محمود، لايعمل، ليقول: كورنيش النيل "بقى مقلب زبالة" الأهالى يلقون القمامة فى النيل "ده فى كفر الشيخ السمك مات من التلوث وإحنا هنا بنرمى الزبالة فى النيل يا ناس". وفي قرية الشغبة التابعة لمركز أسيوط، يذكر وليد عبدالغنى، أعمال حرة، "بيكبوا المية فى ترع شطب وأولاد إبراهيم وفى أكتر من 20 ألف نسمة فى الأماكن دى"، نعم غالبيتنا يروى من المياه الجوفية إلا أن أمر الناس يهمنا، شاكيا إلقاء القمامة بالنيل وامتلاء المنطقة بالغربان والحشرات. ويطالب أحمد حسين، عامل، من قرية أولاد سرج التابعة لمركز الفتح بتوصيل الصرف الصحى للقرية: الآهالى يعتمدون على الآبار المنزلية العميقة ونحن بجوار النيل فتختلط بمياهه. وفي قرية العفادرة التابعة لمركز ساحل سليم يقول محمود عبدالستار، لايعمل، لاتوجد بالقرية محطة صرف صحى والجميع يعتمد على الآبار المنزلية، والمشكلة الكبرى أن سيارات الكسح الخاصة تفرغ مياه الصرف الصحى بالترع مما تسبب فى تلويث المزروعات وقلة الإنتاجية وامتد التلوث إلينا كبشر فأثر سلبا على صحة الكبار والصغار بالقرية. تطهير الترع والمصارف حملات مكثفة لتطهير مجرى النيل والترع والمصارف تًنفذها مديرية الري بأسيوط، حسبما أفاد المهندس صابر البركاوى، مدير عام الرى، ويضيف أنه يتم تنفيذ حملة أو اثنين خلال اليوم الواحد بالتعاون مع إدارات الرى والمجالس المحلية بالمدن والمراكز. وعن الحيوانات النافقة التي تظهر على سطح نهر النيل يوضح أنه يتم انتشالها والتخلص منها عن طريق دفنها في المناطق الصحراوية البعيدة عن الكتلة السكنية، لافتًا لإنتشال أكثر من 80 حيوان نافق خلال شهر يناير الماضى و بداية الشهر الجارى. ويوضح مدير عام الرى أن الحيوانات النافقة وإلقاء المخلفات تتسبب فى ارتفاع نسبة تلوث المياه ويتم تطبيق العديد من القرارات والأحكام حيال من يتم ضبطه بإلقاء حيوانات أو قمامة أو مخلفات في مجرى النيل أو الترع أو المصارف، مشيرًا لاسراف العديد في استخدام الترع أثناء رى الأرض الزراعية الخاصة بهم ما يؤدى إلى إهدار نسبة عالية فى المياه بدون وجه حق.
الصحة تُراقب توضح الدكتورة نجوى السيد عبدالرحيم، مدير إدارة صحة البيئة بمديرية الصحة بأسيوط، أن المديرية لها دورًا رقابيًا على المياه بشكل عام ويتمثل هذا الدور في أخذ عينات من الصرف سواء كان صرف صناعي أو غسيل مرشحات أو صرف صحي معالج، بصفة دورية كل ثلاثة شهور ليتم تحديد ما إذا كانت نتيجتها مطابقة للقرارات الوزارية الخاصة بحماية نهر النيل والمسطحات المائية من التلوث، وفى حالة عدم مطابقة العينة يتم مخاطبة حماية النيل وشرطة البيئة والمسطحات المائية لتطبيق العقوبات، موضحة أنه تم صدور قرار بمنع توصيل الصرف على نهر النيل نهائيًا لكن لن يتم تطبيقه حتى الآن. وتضيف عبد الرحيم أن الأمراض الناتجة عن تلوث مياه النيل عديدة منها مايكون تلوث بكتيري وفيروسي وكيميائي، فالتلوث البكتيرى يسبب أمراض منها متلازمة الإسهال والسخونة والطفيليات منها البلهارسيا، والفيروسى منها الكوليرا والالتهاب الكبدي الوبائي. محطات تحلية تشير أمل جميل، مدير إدارة العلاقات العامة بشركة مياه الشرب والصرف الصحى بأسيوط، إلى أن أخطر ملوثات النيل هى المبيدات الزراعية والحيوانات النافقة والصرف الصناعى للمصانع وتسرب الزيوت من النقل النهري ومخاطر غرق الناقلات النهرية التي تحمل مواد كيمائية كالفوسفات وصرف مياه الصرف الصحي بدون معالجة والمزارع السمكية الصناعية والتي تستخدم مواد ملوثة للبيئة في تغذية الأسماك. وتنوه جميل إلى أن الشركة تقوم باستخدام عدة طرق لتنقية مياه النيل حيث يتم معالجة الصرف الصحي قبل تفريغه للمصارف الغير عزبة والتي تصل في نهايتها إلى مجري نهر النيل، ومن ثم القيام بنظام المعالجة الثلاثية لمحطات التنقية التابعة للشركة والتي تصب السيب النهائي بعد المعالجة علي المجاري المائية كالمصرف الزراعي. وتناشد مدير العلاقات العامة المواطنين الحد من السلوكيات الخاطئة تجاه نهر النيل كالتعدى على حرم النيل بالبناء على أرضه، وعمل الأيسونات التي تؤثر على مياه الآبار الجوفية، والتعامل مع مياه النهر على أنها مقلب قمامة يلقى فيها النفايات والحيوانات النافقة. تلوث المحاصيل ويردف المهندس مصطفى رشدي، وكيل وزارة الزراعة بأسيوط، أن إساءة استخدام مياه الترع فى الري تؤدى إلى تلف بعض المحاصيل في بعض الأوقات، كما أن تلوث مياه الترع والمصارف و إلقاء الحيوانات النافقة في مياه الري من الممكن أن يصيب المحاصيل بفطريات ويجعلها غير صالحة للاستخدام الآدمي. عقوبات مغلظة ويقول الدكتور حماد عزب، عميد كلية الحقوق بجامعة أسيوط، إن الدولة أصدرت قانون برقم 48 لسنة1982 بصدد حماية النيل، جرمت فيه إلقاء الصرف الصحي، والبناء في حرم النيل، وحددت في المادة 16 من القانون عقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن عام واحد وغرامة 500 جنيه ولا تزيد عن ألفى جنيه، وفى حالة التكرار تضاعف العقوبة. ويشير عزب إلى إن الرئيس عبد الفتاح السيسى أصدر قرارًا جمهوريا حمل رقم 103 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 48 لسنة 1982 بشأن حماية نهر النيل والمجارى المائية من التلوث، باستبدال نص المادة رقم (16) من القانون رقم 48 لسنة 1982 في شأن حماية نهر النيل والمجارى المائية من التلوث وجاء التعديل مفاده عدم الإخلال بأية عقوبة أشد في قانون العقوبات أو أي قانون آخر ويكون لوزارة الري اتخاذ إجراءات الإزالة أو التصحيح بالطريق الإداري وعلى نفقة المخالف، وذلك دون إخلال بحث الوزارة في إلغاء الترخيص.