يجلس على مقعدٍ متحرك، نادر الظهور أمام وسائل الإعلام، الغموض يلف حول حالته الصحية، رغم حالته الصحية المتردية إلا أنه أصرَّ على خوض الانتخابات الرئاسية ويفوز في عام 2014 بفترة رئاسية رابعة. عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجزائر، عاد اسمه ليتردد في وسائل الإعلام بعد غياب لفترة طويلة، وذلك بعد قرر أن يفرض قبضته على الأجهزة الأمنية بإصدار قرارا في منتصف سبتمبر الفائت بإقالة مدير المخابرات الفريق محمد مدين، كما أصدر قبل أيام قليلة قرارا بحل دائرة الاستعلامات الأمن (جهاز الاستخبارات)، واستحدث جهازا جديدا تحت اسم مديرية المصالح الأمنية يتبعه مباشرة. ويشكك معارضون جزائريون في قدرة وكفاءة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على إدارة شؤون البلاد خاصة بعد الانخفاض الكبير في أسعار النفط عالميا والتي تعد الجزائر من كبرى الدول المصدرة له، كما أن خطر داعش يقترب من ناحية ليبيا المجاورة. وطلب المعارضون من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة استقبالهم للتباحث معه في "تدهور الحق (المناخ) العام" في البلاد، وذلك في رسالة وجهتها هذه الشخصيات إلى الرئيس وأعلنت عنها عبر الإعلام، لخشيتها من ألا تصله عبر القنوات الرسمية. وقال الموقعون على الرسالة "يخيل إلينا أن من واجبنا الوطني كجزائريين أن نلفت انتباهكم إلى تدهور الحق العام في بلدنا". ومن بين ال19 شخصية زهرة ظريف بطاط، المناضلة الشهيرة ضد الاستعمار الفرنسي، وثلاثة وزراء سابقين بينهم خليدة تومي التي ظلت بالحكومة من 2002 حتى 2014، والكاتب رشيد بو جدرة. ولد عبد العزيز بوتفليقة بمدينة وجدة المغربية، وهو من أصول أمازيغية وبدأ في العمل السياسي وهو في ال19 من عمره في عام 1956. وبعد الاستقلال في 5 يوليو 1962 تقلّد بوتفليقة منصب وزير الشباب والرياضة والسياحة في أول حكومة للرئيس أحمد بن بلة (1962-1965(. ولم يمنع سنه الصغير (26 سنة) وقامته القصيرة وجسمه النحيف من تعيينه وزيراً للخارجية خلفاً لمحمد خميستي الذي اغتيل أمام المجلس الوطني (البرلمان) في 11 إبريل 1963، وبقي في هذ المنصب 16 عاما إلى ما بعد وفاة هواري بومدين. لُقّبَ الرئيس الجزائري بوتفليقة ب"مهندس المصالحة الوطنية" التي وضعت حداً لحرب أهلية أسفرت عن 200 ألف قتيل على الأقل في الجزائر، وهو الرئيس العاشر للجزائر منذ تكوينها والرئيس الثامن منذ الاستقلال، كما أنه حطّم الرقم القياسي في رئاسة البلاد بحوالي 15 سنة بينما كان الرئيس هواري بومدين قضى 13 سنة في رئاسة وصل اليها بانقلاب عسكري وتركها حين غيبه الموت. وصل بوتفليقة إلى الحكم بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في 1999 بنسبة 90,24% من الأصوات، ثم أعيد انتخابه في 2004 و2009، بعد أن أجرى تعديلا دستوريا ألغي تحديد عدد الولايات الرئاسية باثنتين. وفي 1999 قدّم الرئيس الجزائري قانون الوئام المدني للاستفتاء الشعبي ثم ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في 2005 وهو ما سمح بإطلاق سراح آلاف الإسلاميين من السجون وإلقاء السلاح بالنسبة لآلاف آخرين والعودة الى الحياة الطبيعية مقابل "العفو عنهم" وعدم متابعتهم أمام القضاء، لينهي بذلك حرب أهلية أسفرت عن حوالى 200 ألف قتيل. كادت رياح "الربيع العربي" أن تصل إلى الجزائر، في 2011 بعد أن مرت على تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، إلا أن بوتفليقة أعلن رفع حالة الطوارئ بعد 19 سنة من فرضها، كما أعلن إصلاحات سياسية. ولكن في إبريل 2013 أصيب الرئيس الجزائري، بجلطة دماغية استدعت نقله إلى العاصمة الفرنسية باريس لتلقي العلاج في رحلة استمرت 810 يوما، عاد بعدها على مقعد متحرك، وقال بيان الرئاسة الجزائرية حينئذ إن "الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (76 سنة) عاد إلى الجزائر بعد أن أنهى فترة العلاج في فرنسا حيث قضى فيها ثمانين يوما للعلاج من جلطة دماغية، وذلك بعد أن أنهى فترة العلاج والتأهيل الوظيفي في فرنسا، عاد رئيس الجمهورية إلى الجزائر اليوم الثلاثاء (...) حيث سيكمل فترة راحة وإعادة تأهيل". وتوالت رحلات بوتفليقة العلاجية إلى باريس، ففي 2014 قضى الرئيس الجزائري فترة علاجية في مصحة خاصة بمدينة غرونوبل شرقي فرنسا حيث خضع لفحوصات طبية وسط تعتيم رسمي في الجزائروفرنسا على دواعي رحلته العلاجية. وقبل أيام عزز عبدالعزيز بوتفليقة، قبضته على أجهزة الاستخبارات والأمن في البلاد وذلك بعد إصداره قرارا بحل جهاز الاستخبارات الأمنية وتأسيس هيئة جديدة تضم الاستخبارات والأمن تتبعه شخصيا. وذكرت صحف ووسائل إعلام ان اللواء السابق في الجيش عثمان طرطاق سوف يرأس الهيئة الجديدة. وكان طرطاق قد عين قبل 4 أشهر مديرا لجهاز الاستخبارات بدلا عن مديرها المقال اللواء محمد مدين والشهير باسم الجنرال توفيق أو "صانع الرؤساء". ويبلغ الجنرال محمد مدين من العمر 76 عاما وشغل منصب مدير المخابرات لمدة 25 سنة شهدت خلالها الجزائر تعاقب أربعة رؤساء جمهورية على الحكم و12 رئيس حكومة. ولم يسبق لمدين أن ظهر في الإعلام أو أدلى بتصريح، ويُلقب أيضا بآخر "الانقلابيين" على الانتخابات التشريعية، التي فاز بها الإسلاميون في بداية التسعينات وهو ما جعل البعض يرى في رحيله نهاية حقبة من تاريخ الجزائر.