رأى البعض في سوريا قبل بدء الأحداث، نموذجا للدولة العربية التي ليس لها مثيل، بطابعها الشرقي، ومبانيها الأثرية، وطعامها المميز، وحدائقها، فسوريا بلد واحدة، إلا أنها جمعت بداخلها الكثير من العروق والمذاهب الدينية، ولكن ما لم يعلموه هي الظروف التي مرت بها قبل بداية الأزمة. عاشت سوريا سنوات طويلة من الجوع والفقر، وتدني مستوى المعيشة، ولكنهم حاولوا التأقلم على الأوضاع، إلا أن الوضع ازداد سوءً، ومع مرور الأيام والسنوات، لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن، بل أنها تنتقل من سيء إلى أسوأ، وخاصة في شهر رمضان، الذي يستقبله العالم أجمع، بالخير والكرم. - استبداد الأسد: قبل الثورة وبدء الأحداث عاش السوريون كأي شعب عادي، بحسب الصحفي السوري ذكي الدروبي، والذي قال "كنا نصلى التراويح ونزور الأهل والأقارب نهنئهم في رمضان، وندعوا لتبادل دعوات الإفطار بين الأهل والأقارب"، إلا أن السيطرة الأمنية والجور والعسف بالشعب كانوا سيئين جدا. هرب الدروبي من بلده، تاركا أرضه التي عشقها، بسبب النظام لأنه كان مطلوبا للأمن وتعب من الملاحقة والاختباء. قال الدروبي والذي كان أحد مؤسسي تنسيقات حمص القديمة، أن السوريين عاشوا عشر سنوات عجاف، بسبب تحول المافيا التي كانت تعمل تحت مرآى ومسمع النظام إلى شركات استولت على البلد، وطرح مثالا بعائلة مخلوف، وابنهم رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، والذي يملك شركة الخليوي وكبرى المشاريع الاستثمارية في البلد، وتحتم على أي مستثمر في سوريا أن يكون له شريك من النظام بصفة عامة، وابن خال الأسد بصفة خاصة. يشير الدروبي الذي ولد في حمص السورية والتي عانت منذ بداية الثورة والأحداث، وشهدت دمارا ودما ليس لهما حد، إلى أن سياسات الحكومة الاقتصادية، جاءت لترعى العائلة الحاكمة في سوريا، ولتجافي الفقراء، وتراعى الاغنياء، وتدمر القطاع العام، وتهديه لهذه المافيا، لذلك تقلص الدعم الحكومي عن الفقراء وجاءت سنوات عجاف، انحبس فيها المطر عن البلد، وهجر السكان أراضيهم، وذهب أهالي الأرياف للمدن الكبرى، ولم يبذل نظام الأسد أي مجهود لانعاش الريف ودعمه. غياب رمضان: وفي أدلب الوضع وصل إلى أسوأ درجاته، فتسبب غلاء أسعار النفط والوقود في ارتفاع اسعار المواد الغذائية بالتبعية، ويقول أبو عبده الأدلبي، المقاتل في الجيش السوري الحر، إن داعش احتكرت الوقود في المنطقة الشمالية بسوريا. ويشير أبو عبده إلى أن تحرر أدلب، لم يحسن الظروف فيها، "الطيران ما بيفارق الأجواء أبدا" على حد قوله، مؤكدا أن أهالي المنطقة استقبلوا الشهر الفضيل، بدون نقود، مما يمنعهم من شراء أي شيء. تسبب غلاء أسعار النفط الوقود في توقف الأفران، فلم تعد تنتج خبز، كما تطالب السيارات التي تنقل الأشياء من مكان لمكان، بأسعار عالية جدا، وفقا لأبو عبده. غابت روح رمضان، التي تنشر الفرحة في كل مكان بالأجواء، ولكن ما ينغص على الناس حياتهم، ويقلقهم في المضاجع هو طيران الرئيس السوري بشار الأسد، والذي سلب المواطنين شعورهم بالأمان، يقول أبو عبده "الناس طالعة برة بيوتها، لأن الطيارة إذا اجت بتدب البيت، فتنهار على العيلة كلها". والوضع لم يختلف بالنسبة لمقاتلي الجيش الحر، يؤكد أبو عبده، الذي تخرج من كلية التربية في حمص، وعمل معلم في المدرسة، مشيرا إلى أنهم صائمين على الجبهات، وافقين وقاعدين يقاتلون طوال النهار. أصبح حلم المقاتل بالجيش السوري الحر، هو وصوله لبيته ورؤية ابنائه، "ما في مجال نقعد مع ولادنا" قالها أبو عبده في أسى شديد. ساعدت طبيعة أدلب الزراعية أهلها على الاعتماد على أنفسهم إلى حد بسيط، بالإضافة لوصول جزء قليل من المساعدات إليهم، حتى وقعت مشكلة كبيرة بحسب أبو عبده، وهي حرق المحاصيل الزراعية، ومحاصيل القمح بالتحديد، ولكن لم يشغل ذلك بال المواطنين، الذي لم يعد الطعام الأولوية الأولى لهم، وحل محله الأمان، والرغبة في النجاة. وصل سعر رابطة الخبز لحوالي دولار ونصف، أي ما يعادل 350 أو 370 ليرة، مقابل عدم حصول المواطنين على رواتبهم، فيصاب الأب والأم بحالة من الحزن الشديد، عندما يطلب منهم ولدهم أكلة معينة، ولا يستطيعون تحضيرها له. أثناء الثورة الوضع لم يكن كذلك، على حد قول أبو عبده، فالوضع لم يكن خطيرا لهذه الدرجة، الطيران لم يكن كذلك، كانت العمليات كلها مجرد كر وفر، والأمور كانت جيدة، ولكن بعد سيطرة التنظيمات الإرهابية، خاصة على المعابر، قل دعم المنظمات، ففي بداية الثورة، كان العالم كله، وخصوصا تركيا، داعمين للشعب السوري بشكل كبير، ولكن بعد سيطرة جبهة النصر، وأحرار الشام، وبعض الجماعات المصنفة إنها ارهابية في بعض دول العالم، قل الدعم تماما. ولكن ذلك لم يمنع الشباب من أعمال الخير، يقول أبو عبده إنه في أدلب، هناك بعض الشباب المتطوع والذي استطاع عمل حملة افطار، فيجمع الطعام الزائد، ويضعوهم في خيم رمضانية، ولا يزيد ذلك الطعام عن رغيف خبز، أو تمرتين، أو شيء بسيط يتوافق مع ظروف المواطنين هناك. - الانقسام السياسي: تعيش أمل العلي، في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماة، والتي تشهد تنوع سكاني من حيث الطابع الديني، يقال إن غالبية سكانها من الطائفة الإسماعيلية لكنها في الحقيقة تضم من السنة والإسماعيلية والعلوية. وتقول أمل إن سكان مدينتها كانوا يتعايشون بين بعض، ولم يظهر أي خلافات بينهم مارس الكل عقيدته بكامل حريته، والسمة الغالبة على أهل مدينتها من وجه نظرها هي "الفكر الواعي والثقافة" والذي فتح الباب أمام التنوع السياسي. "كانت سلمية مهمشة من قبل حكومات النظام المتعاقبة منذ تولي حافظ الاسد السلطة لمعارضتها له"، بحسب أمل والتي أرجعت كون المدينة فقيرة اقتصاديا وغنية ثقافيا إلى هذا السبب. الانقسام الذي تواجه سلمية هو انقسام سياسي، بين موالي ومؤيد، ونفت أمل كون كل المعارضين للأسد ولنظامه من السنة، وكل مؤيديه من الاسماعيلية. كل فئة استقبلت رمضان قبل الثورة بطريقته الخاصة، أضافت أمل، لأن التشدد الديني غير معروف في مدينتها من يريد الصيام يصوم، ومن لا يريد لا يجبره أحد، إلا أن الواقع الاقتصادي كان يفرض ذاته على السكان بشكل عام، وفي رمضان بالتحديد، فتشهد المدينة ارتفاع لأسعار السلع الغذائية، ويزيد من حدة الأزمة زيادة الطلب عليها في الشهر الفضيل. تٌعرف سوريا ومدنها بقرب سكانها إلى بعض، وودهم المتصل، فتقول أمل "من الناحية الاجتماعية، الناس يزداد تواصلها، وتكثر الزيارات، ويزدادون قربا من بعض". أما رمضان بعد الثورة، فهو نفسه قبل الثورة أي أن الوضع في السلمية لم يتغير لا زال الجميع يشعر بالألفة، وفقا لأمل، والتي أوضحت أن أكبر المشاكل الآن هي تضاعف أسعار المواد الغذائية، خلاف ذلك فهم يتابعون حياتهم طبيعية برمضان مثل باقي الشهور، فلا يوجد تهديدات أمنية إلا المتواجدة في الريف الشرقي لمواجهة تنظيم داعش.