على مدار السنوات الأربعة الماضية كانت الميادين بمثابة كلمة السر لثورة المصريين في 25 يناير و30 يونيو فكانت الميادين رمزا لصمود الشباب أمام اعتداءات الأنظمة الغاشمة التي أرادت قتل نبض الثورة دفاعا عن حكام أدمنوا الظلم ضد الشعب المصري. وفي الإسكندرية مرت ميادين القائد إبراهيم وسيدي جابر بعدد من نقاط التحول خلال السنوات الفائتة، فكان الميدانين بمثابة محطتا الانطلاق والالتقاء للمسيرات والتظاهرات الحاشدة شهدا على أحداث العنف تجاه المتظاهرين بداية من جمعة الغضب 28 يناير وجمعة التنحي 11 فبراير مرورا بفترة حكم المجلس العسكري وبداية حكم جماعة الإخوان ووصولا لمشهد طرد الإخوان من الميادين في 30 يونيو وعودتها للشعب مرة أخرى. القائد إبراهيم .. ميدان تحرير الإسكندرية لطالما اعتبرت ساحة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية الموقع الأبرز خلال الفترة التحضيرية لثورة يناير وخلال أيام الثورة وهي كما أطلق عليها أبناء بالثغر ميدان تحرير الإسكندرية، وهي الساحة التي شهدت فعاليات التظاهر والتعبير عن مختلف توجهات التيارات والأطياف السياسية،قبل وبعد ثورة يناير من أجل التوصل إلى رؤى مشتركة حول بعض القضايا ومحاولات استمالة الشارع لكسب المزيد من المؤيدين. وقد شهدت تلك الساحة في قلب الثغر تواجد كافة التيارات السياسية بعد أن كانت لا تجذب سوى التيارات اليمينية والمحافظة فقط من المنتمين للتيارات الإسلامية وخاصة الدعوة السلفية والتي كانت أشهرها الوقفات الاحتجاجية التي نظمتها الدعوة السلفية حول '' كاميليا شحاتة ''..وتوقفت عقب أحداث تفجيرات عشية رأس السنة الميلادية بكنيسة القديسين والتي راح ضحيتها العشرات من القتلى والمصابين. نقطة صعود وهبوط شعبية المحلاوي المسجد الشهير كان شاهدا على عودة الشيخ أحمد المحلاوي بعد غياب نحو عشرين عاما، في جمعة الرحيل التي أعقبت جمعة الغضب عام 2011، والذي تصاعدت شعبيته سريعا لما حملته خطبه من رسائل ثورية ضد ما وصفه بالظلم والاستبداد، وظلت شعبية الشيخ الثمانيني في التصاعد حتى وصول جماعة الإخوان لسدة الحكم ولمدة عام كامل ، إلا أن دعوات التظاهر لثورة 30 يونيو كشفت جانبا جديدا لتوجهات المحلاوي في خطاباته من منبر المسجد لدعم الجماعة والتي كانت تسحب الثقة من أية آراء مخالفة لها. وكان آخر ظهور للمحلاوي على منبر القائد إبراهيم في نهاية يوليو عام 2013 ، والذي شهد حصارا من معارضي جماعة الإخوان استمر لمدة يومين، بعد اشتباكات عنيفة بين الجانبين على خلفية أحداث ثورة 30 يونيو والخطاب الشهير للرئيس عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو، ليكون المسجد شاهدا على هبوط شعبية الشيخ.
ميدان سيدي جابر .. ملتقى الفرقاء ومركز سقوط شعبية الإخوان
وعلى الجانب الآخر لم يقل ميدان سيدي جابر شأنا عن نظيره، حيث كان دائما نقطة التقاء المسيرات المنطلقة من كافة انحاء الإسكندرية إلي ساحة الميدان، وكان الميدان شاهدا على 18 يوما من التظاهرات الحاشد التي ضمت الملايين حتى جمعة الرحيل 11 فبراير 2011، وأعقبها عددا من الاحداث المتواترة وتظاهرات التصعيد خلال فترة حكم المجلس العسكري للبلاد في المرحلة الانتقالية. في نهاية عام 2011 بدأت أولى نقاط التغيير في ميدان سيدي جابر، ليتحول من ميدان جمع فرقاء السياسة والأطياف الشعبية المختلفة إلى مظاهرات ومناوشات بين جماعة الإخوان ومعارضيهم خاصة بعد انتشار الفيديو الشهير لسحل جنود لفتاة بميدان التحرير فيما عرف إعلاميا '' فتاة العباية'' ، خلال أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء. واستمر التظاهرات من قبل الجانبين طيلة فترة حكم المجلس العسكري، خاصة بعد تأييد جماعة الإخوان لما كان يحدث تجاه بقية المتظاهرين في تلك الفترة، مرورا بتصاعد الاحتجاجات مع إعلان الجماعة وذراعها السياسي الحرية والعدالة لترشح الدكتور محمد مرسي لانتخابات الرئاسة، ليمتد غضب معارضي الإخوان حتى المرحلة الأولى لتلك الانتخابات والتي أسفرت عن الإعادة بين محمد مرسي والفريق أحمد شفيق. تمرد في مايو 2013 عادت مظاهر الاحتجاجات بشكل مكثف لميدان سيدي جابر، وذلك بعد قرابة 10 أشهر من هدوء الأوضاع نسبيا عقب وصول الرئيس الأسبق محمد مرسي للحكم، وذلك بالتزامن مع انطلاق حملة تمرد التي أسسها عددا من النشطاء السياسيين لجمع ملايين التوقيعات التي ترفض مرسي لما وصفوه بفشله في إدارة البلاد،وكان قرار الاعتصام في الميدان من قبل معارضي مرسي ناجحا، حيث احتشد المئات من المعارضين تلبية لدعوة تمرد حتى إعلان عزل مرسي من منصبه. شاهد على قتل الأطفال رغم أحداث العنف المتعاقبة التي شهدها ميدان سيدي جابر، إلا أن أسوأ مرحلة مرت بالميدان الشهير كانت في الفترة من يوليو إلى أغسطس 2013 مع تصاعد حدة موجة الرفض لحكم الإخوان، وإعلان خطاب المشير عبد الفتاح السيسي الشهير، فكانت منطقة سيدي جابر بالإسكندرية قد شهدت مواجهات دامية، بين أنصار ومعارضي مرسي، سقط فيها العشرات ما بين قتيل وجريح. وكان فيديو إلقاء الأطفال من أعلى أسطح عقار بسيدي جابر، يوم 5 يوليو 2013، بمثابة الصدمة لملايين المصريين، حيث كشف المقطع بوضوح جانباً من الأحداث، حينما حاصرت مجموعة يظهر فيها بعض الأشخاص الملتحين، وهم يحملون أعلاماً سوداء ، بعض المتظاهرين فوق أسطح إحدى البيانات بالمنطقة، وبدا في المقطع 4 من الشبان صغار السن، محاصرين فوق أحد الخزانات بالبناية، وتمكن المهاجمون من الوصول إلى سطح البناية، وقاموا بإلقاء الحجارة على الشبان، وأمسكوا بأحدهم وانهالوا عليه ضرباً مبرحاً، ثم صعد أحدهم إلى أعلى الخزان، وألقى باثنين منهم على الأرض. واستمر الميدان شاهدا على الأحداث الدامية منذ عزل مرسي وعلى مدار شهرين، حتى تراجعت نسبة تظاهرات جماعة الإخوان الذين تركوا المحافظات وتوافدوا على ميدان رابعة العدوية والنهضة لدعم زملائهم في الاعتصام الشهير لأنصار الإخوان، ليتحول الميدان تدريجيا لسيطرة أنصار الجيش من مؤيدي 30 يونيو. نقطة تحول في علاقة المواطنين بالشرطة الميدان الشهير كان شاهدا أيضا على نقطة تحول في العلاقة بين الشرطة والمواطنين، فبعد أن شهدت سيدي اشتباكات ضارية في جمعة الغضب 2011 بين الأمن والمتظاهرين انتهت بانسحاب الشرطة، وفترة التخبط التي كان يواجهها الجهاز الأمني، تغيرت طبيعة الحال بعد تراجع شعبية الرئيس الأسبق محمد مرسي، وسط ما عرف إعلاميا بالمصالحة الشعبية والتي رفع خلالها عدد من أفراد ورجال الشرطة على الأعناق في سابقة لم تشهدها مصر من قبل، توحدت خلالها الهتافات برحيل نظام مستبد، وصولا للترحيب الشعبي برجال الشرطة في حماية الميادين من هجمات أنصار الجماعة، لتتحول الداخلية خلال السنوات الأربعة من عنصر غير مرحبا به بساحة المسجد ذات الطابع الثوري، إلى حماية المواطنين من الهجمات الإرهابية، وتأمينهم للتعبير عن آرائهم.