عندما كان الحجاج يصلون السويس، فكانوا غالبا ما يزورون مقام الشيخ الغريب هناك، مرددين جملة "يالى دعاك النبي زور الغريب قبليه تاخدك بواخر وتروح في الشروق قبليه". ثم ينتظر الحجاج الباخرة التي ربما تتأخر عن موعدها كما حدث معي حينما كنت مسافرا لجدة أول مرة من ميناء سفاجا في عام 1993 وتأخرت يومين كاملين. في التراث الثقافي، حازت الباخرة على الكثير من اهتمام الرسام وكذلك من الأغاني الفلكلورية "تحت ضل الجبل واريح شوية تركبوا البواخر وأنا امدح نبيا.. يازارين النبي خذوني معاكم تركبوا البواخر وأنا أمدح وياكم" ويصبح منظر الباخرة الراسية مدعاة للشوق ودنو الأمل "الباخرة عما تنادى يلا يا زوار الهادي.. الباخرة طالعة قدامى رايحة لحج التهامي.. حج النبي دا غرامي والعين من شوقي دامعة"، ثم يتجهز الحجاج للصعود لظهر الباخرة "الباخرة راسية يلا ياحاجة اتجهزي فاضل دقيقة وماشية على ميناء السويس رامي يا ناس سقالة فرحوا الحجاج وقالوا عاشقين نبى تقالي"، ولم تقتصر الأغاني التي تصف الباخرة على الأغاني الفلكلورية بل هناك أغنيات مثل أغنية بشاير لسيد إسماعيل "بشاير من الحبيب هالّه.. تقول للموعودين يالّا.. على المختار حبيب الله.. يامركب سيرى واتهادي في حب المصطفى الهادي.. تلاقي البحر موج هادي ونصر الله بيندلى على المختار حبيب الله.. طوايف من بعيد جاية تجاورك يانبى شوية وبين الأرض والمية بذكر الله بتتجلى على المختار حبيب الله"، فإذا تحركت الباخرة واهتزت يشعر الركاب بالخوف "ركبت الزعيمة ورنت صفاها متخافيش ياحاجة دا جوزها في قفاها" والزعيمة هي الباخرة التي تحركت فاهتزت الحلي التي تضعها الحاجة على ضفائرها (صفاها) ولكن زوجها الذي يصطحبها لرحلة الحج يسندها فيمنعها من السقوط، وإذا كان معها ابنها تبدل الأغنية بولدها أو أخوها إن كان معها وهكذا "حلت الزعيمة ورنت حلقها متخافيش ياحاجة دا ولدها سندها"، ثم يأخذ الركاب أماكنهم على ظهر الباخرة ويشعرون بالراحة بعد أن تسير وتأخذ مجراها وتستقر على سطح الماء فوق كراسي الباخرة "حرير بالوقية.. عملوه مفسح يابا لركوب الصبية.. فوق كراسى الباخرة حرير بالوقايا عملوه مفسح يابا لركوب الصبايا" وفي عرض البحر ينظر الراكب فلا يجد سوى لجة كبيرة من الماء من كل جانب فلايرى الأرض سوى دائرة هائلة من الزرقة، وربما تتعرض الباخرة لبعض الرياح أو تأتي الغيوم فيخاف الحجاج "ياريس البواخر مال الموج دا عالى" فيطمأنهم بأنه قبطان خبير ومتمكن "متخافوش ياحجاج أنا ريس قراري.. ياريس البواخر مال الموج مضلم.. متخافوش ياحجاج أنا ريس معلم. والخوف من الرياح والموج العالى ذكره ابن جبير فى كتابه "رحلة ابن جبير لمصر والحجاز" الذي وصف بعضا من أهوال البحر "وهبت ريح شديدة صرفت المركب عن طريقه راجعا وراءه واشتدت حلكة الظلمة وعمت الآفاق فلم ندر الجهة المقصودة منها إلى أن ظهر بعض النجوم فاستدللنا بها بعض الاستدلال". أما الرسوم التي تركها الرسامون للباخرة وكانت من أهم عناصر رسوم الحج فمنهم من رسمها بباسطة شديدة ومساحة لونية واحدة، غالباً باللون المتاح للأكسيد مثل البني أو الأصفر ولكن حدث تطور فأصبح الرسام يقوم برسم السفينة بكل تفاصيلها وغلب عليها اللون الأبيض المصنوع من الزنك مضافاً عليه البيض، وكان الرسام يعمد إلى رسم العلم المصري ومنهم من أضاف العلم السعودي بجانبه فوق الباخرة كما كان البعض يكتب تحتها "سفينة الحجاج " كما كتب البعض "عبارة السلام من سفاجا إلى جدة" وهناك الكثير من رسوم الباخرة التي حظيت باهتمام الفن الشعبي.