يعد تقسيم الدوائر الانتخابية من الملفات التى تثير الجدل عقب اقتراب الانتخابات البرلمانية فى مصر، وظلت الفكرة هى المطلب الرئيسى للمعارضة والأحزاب، فكل منهما كان يشكك فى نوايا حزب الأغلبية أو الحزب الحاكم فى مصر، والبعض يرى أنه حتى الآن تحركه المصالح الشخصية للحزب الحاكم بغض النظر عن التوزيع السكانى أو التمثيل العادل فى البرلمان. وعقب ثورة 30 يونيو وتولى المستشار عدلى منصور رئاسة البلاد مؤقتا، جاءت لجنة تعديل قوانين الانتخابات التى شكلها لتستقر على رفع عدد نواب البرلمان إلى 630 نائبا، منهم 30 يعينهم رئيس الجمهورية وفقا لشروط محدودة لابد من توافرها فيهم، وهو الأمر الذى أعاد فتح الحديث عن تقسيم الدوائر الانتخابية خاصة مع نص الدستور الجديد على تقسيم الدوائر بمراعاة التمثيل العادل للسكان والمحافظات، وهو ما تركته جميع الدساتير السابقة التى تعاقبت على مصر منذ ثورة 1952 وألقته على عائق القوانين المنظمة لذلك. مقترح المنحل المقترح الجديد لتقسيم الدوائر خرج منذ أيام ونشرته الصحف القومية، شمل زيادة أعداد المقاعد فى بعض الدوائر وفصل دوائر أخرى ليزيد عددها، ما قوبل بترحيب بعض القوى السياسية والحزبية فى قنا، حيث نص المقترح على الآتى؛ فصل مدينة قنا عن المركز وجعلها دائرة منفصلة بنائبين، وفصل دائرة قوص عن مركز نقادة وجعل الأخير دائرة منفصلة بمقعد انتخابى، وفصل دائرة فرشوط عن نجع حمادى وجعلها دائرة منفصلة بمقعد انتخابى، وفصل مركز قفط وجعله دائرة منفصلة بمقعد انتخابى. التقسيم الجديد لم يأتى على هوى نواب الوطنى المنحل فى محافظة قنا، والذىن شكلوا "لوبى" للضغط على بعض الدوائر السياسية فى محاولة لإعادة تقسيم 2010، وهو التقسيم الذى شهد جدلا كبيرا فى الدورة البرلمانية لعام 2005 و2010، واعتبره البعض خطة لإقصاء المعارضة وإبعادهم عن الحياة السياسية لتفريغ الساحة أمام الحزب الوطنى للسيطرة على البرلمان، حيث حصل نواب المنحل فى محافظة قنا بفضل هذا التقسيم على 11 مقعدا من واقع 16 فى المحافظة، وبعدها لهث عدد من المستقلين خلف العضوية للمنحل، فوفقا للتقسيم القديم حصد نواب المنحل كالتالى: النواب السابقون للوطنى وعلى رأسهم أحد نواب الشورى البارزين جنوبقنا، وأحد لواءات الشرطة وزعيم أحد القبائل قدموا مقترحا، وعقدوا عدة لقاءات مع بعض الشخصيات السياسية لإقناعهم بإعادة التقسيم القديم، خاصة وأنه يعيد إليهم الأمل فى المنافسة لأنه يقتطع جزءا كبيرا من دوائر أخرى تضاف إلى دوائرهم ويعيد التحالفات القديمة وفكرة التسويد من جديد. ويقول محمد حسن العجل، المنسق العام لرابطة قبائل وأقباط قنا، إن عجلة التاريخ لن تعود للوراء مهما حدث، لأن منظومة التزوير التى كانت طريق نواب الوطنى لدخول البرلمان لن تحدث بعد 30 يونيو، فالعودة إلى تقسيم الدوائر لقبل 2010 هى دعوة لتشويه الدوائر الانتخابية وتسخيرها لصالح أشخاص بعينهم وإقصاء واضح وصريح للمعارضة، ويعد تدخلا مسبقا فى العملية الانتخابية، بل ويهدد ببطلانها لأن دستور 2014 وضح فى هذا الشأن، من حيث التمثيل العادل الذى يتناسب مع السكان. وأوضح العجل أن الدوائر التى أقرها أحمد عز والحزب الوطنى كانت دوائر مشوهة، حيث اقتتطع فيها أجزاء من مراكز وضيفت لمراكز أخرى بهدف أضعاف الخصوم، حتى جماعة الإخوان عندما اعتلت الحكم قامت بتقسيم الدوائر من جديد وجعلها دوائر متسعة كبيرة لخدمة التيار نفسه، مؤكدا أن نسبة الوعى الموجودة حاليا فى الشارع القنائى ستقف ضد محاولات هولاء لاستغلال المواطنين وحقوقهم السياسية. ويرى عوض بشرى، القيادى القبطى بالمحافظة، أن مثل تلك الدعوات وسعى هولاء النواب السابقين لن يغير شيئا، والشارع أصبح يقرر وليس التزوير والتسويد الذى كان سائدا قبل 25 يناير، وأشار بشرى أن التقسيم الجديد المقترح لاقى قبول الشارع، خاصة وأنه سيبرز نواب حقيقين وسيأدون خدمات ملموسة غير تلك التقسيمات السابقة التى شوهت الدوائر وجعلتها محلا للصراعات القبيلة والدم وأرض خصبة للتزوير، وقال عوض إن محاولات نواب الوطنى تأتى بعد معرفتهم بحقيقة الوضع فى الشارع، وأن عناصر الفوز بالمقعد قبل ذلك تغيرت تماما. أما المهندس جمال غزالى، الأمين المساعد بالحزب الناصرى، فيقول إن تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب المقبل تم بمعايير توزيع أكدت على ضرورة مراعاة التمثيل العادل للسكان، ومراعاة النظام الانتخابى، وقد أجرى تعديل جوهرى على تقسيم الدوائر الانتخابية، بحيث يتضمن زيادة عدد المقاعد البرلمانية بمجلس النواب، وقد انتقد بعض النواب السابقين مشروع قانون تقسيم الدوائر الانتخابية الجديد ووصفوه بأنه كارثى، ويمهد لنهايتهم سياسيا قبل أن تبدأ العملية الانتخابية نفسها، وكان يجب أن يكون التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية منحازا للقوى التقليدية فى المجتمع، وهم كبار العائلات فى الريف وكبار رجال الأعمال والنواب السابقين. وأضاف غزالى أن محاولات البعض لتغيير هذا التقسيم الآن إنما هو قراءة واضحة لضعف تواجدهم وإخفاقهم فى التلاحم مع أبناء دوائرهم، وفشلهم فى كسب ثقه ناخبيهم، ولهذا يريد البعض رسم حدود دائرته بنفسه بما يضمن تفوقه على الآخرين. ويوضح علاء عزوز، أمين تنظيم حزب الشعب الجمهورى، أن المساس بالدوائر "للتخديم" على فئة بعينها لن يمر مرور الكرام، فالشارع أصبح يعى تماما ما يحدث وما فى مصلحته وما هو ضدها، وقال عزوز إن تقسيم الدوائر قبل ذلك كان يخدم رجال الحزب الحاكم، سواء رجال الحزب الوطنى أو جماعة الإخوان، وهو لم يحدث مرة أخرى، موضحا أن مثل تلك التحركات أنما تنم على ضعف أرضية هؤلاء وتأكدوا من أن الشارع لن يأتى بهم، فقرروا التلاعب بالدوائر الانتخابية. ويشير ياسين نصر ياسين، باحث، إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى حين أعلن أنه خادم لكل الشعب قطع الطريق على كل من تسول له نفسه بأن هناك فصيل سايسى أو ظهير برلمانى سيكون محسوبا على الرئيس، لذلك أحذر كل الوجوه المنبوذة من رجال الحزب الوطنى المنحل أن تطل بوجهها من جديد، فالشعب استوعب الدرس تماما. ولفت أسعد حسانين النوبى، باحث قانونى ومراقب انتخابى، إلى أن الدوائر حسب التقسيم الإدارى لكل مركز ومدينة هو الأفضل، للحد من الصراع القبلى، وسهولة تحرك النائب فى دائرته للإلمام بمشاكلها، أما الدوائر المفتوحة أو المختلطة فيصعب على النائب متابعة الدائرة المتسعة.