16 عاما على عرش مصر انتهت بالعزل، أعمال مشيدة تحاكي نظيرتها العالمية، حلم أن تكون ''المحروسة'' أفضل من العواصم الأوروبية، بذخ شديد وديون طائلة وضعت مصر تحت تصرف الدائنين، إلا أن السنوات تنقضي ويطوي التاريخ صفحة هذا الحاكم، وتبقى أعماله حتى الآن السائرة على درب ''جده''، ومن بعده يكون ''الابن'' ايضا. ''الخديوي اسماعيل'' الذي تمر اليوم ذكرى وفاته ال119، صفحة من كتاب تاريخ مصر جمعت تناقضات رجل العرش، لم يكن وحده من بين حكام اسرة محمد علي باشا متهما بالتبذير والانفاق الشديد، فكان مثله أيضا ''الملك فؤاد''، لكن رغم الإنفاق الشديد فإن أغلب المنشآت والمشاريع التي أسسوها باقية حتى اليوم، بل تحولت من كونها سببا للدين لتكون مصدرا اقتصاديا وحضاريا كبيرا. ''الخديوي'' استدان لحفل ''القناة'' فأصبحت ''كنز'' مصر الدكتور ''أحمد الشلق'' أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس، قال إنه: ''إذا أردت تقييم مشروع كبير عليك بالانتظار فترة لا تقل عن خمس سنوات، وإلا لماذا نقول خطط خمسية.. هذا ما حدث مع مشاريع مثل قناة السويس والسكة الحديد وهيئة البريد، وأيضا حملات الخديوي للسيطرة على منابع النيل وإلغاء تجارة العبيد في افريقيا''، موضحا أنها أعمال كانت في ظاهرها التقرب للحكام الأوروبيين، لكنها الآن هي الأقوى والأرسخ في الاقتصاد المصري. كما أوضحت ''شيماء حافظ'' مدرس التاريخ المساعد بجامعة بنها، فقالت: ''المؤرخ بيكتب فقط أن سفاهة إنفاق حكام الأسرة العلوية كانت وبالا على مصر، في حين أن مصر معتمدة حاليا على قناة السويس اللي قالوا إنها سبب نكبة الخديوي''. أعمال كثيرة شُيدت في عهد ''الخديوي اسماعيل'' استحق عليها لقب ''باني مصر الثاني'' على غرار جده ''محمد علي باشا- مؤسس مصر الحديثة''، من بين هذه الأعمال: الجمعية الجغرافية والترعة الابراهيمية والاسماعيلية، وخطوط التلغراف، وكوبري قصر النيل ودار الآثار المصرية واوبرا القاهرة القديمة، فضلا عن القصور والحدائق مثل: سراي عابدين والجزيرة وحديقة الأزبكية والأورمان، وهي الأعمال التي جمعها المؤرخ والناقد ''ناصر الأنصاري'' في كتابه ''هؤلاء حكموا مصر من مينا إلى مبارك'' في فصل تاريخ مصر الحديثة. ''فؤاد'' المهتم بالفنون وصاحب مشروع ''القرش'' وفي الكتاب نفسه ''هؤلاء حكموا مصر''، أرخ الكاتب ''ناصر الأنصاري'' لفترة حكم السلطان ''أحمد فؤاد'' المتحول للقب ''الملك'' لاحقا، فكتب: ''لم يكن إقرار الدستور ومفاوضات الاستقلال هما وحدهما إنجازات الملك فؤاد، فهناك مشاريع تنموية كبيرة مثل تعلية خزان أسوان وقناطر أسيوط وبنك التسليف الزراعي، وأيضا تأسيس بنك مصر –الموصوف بعصب الاقتصاد القومي، علاوة على زيادة الحكومة للضرائب على الواردات الأجنبية تشجيعًا للصناعة المصرية، لكن أبرز المشاريع المنتشر صيتها في حقبة ''فؤاد'' كانت ''مشروع القرش''، وهو دفع كل مواطن ل''قرش'' صاغ واحد أنشئ به مصنع الطرابيش بالعباسية، و''معهد فؤاد للموسيقى''، الذي صار اسمه ''معهد الموسيقى العربية''. الدكتور والمؤرخ الموسيقي ''زين نصار'' والأستاذة الدكتورة ''مها العربي'' عميدة معهد الموسيقى، قالا إن الاهتمام بالفنون في هذه الفترة جاء مواكبة للوعي الشعبي، فالمعهد لم يكن سوى ''نادي الموسيقى الشرقي'' المؤسس على يد هواة الموسيقى العربية من أثرياء العاصمة، لكن الانتاج الجيد استدعى رعاية ملك البلاد، فما كان منه سوى تشجيع هذا المشروع بإعطائهم الأرض لبناء المعهد –مقرها شارع رمسيس حاليا- نظير إيجار سنوى قدره (جنيها مصريا واحدا) ولمدة 99 عاما، وبناء مقر المعهد ليكون تحفة معمارية على النسق العربي الإسلامي، ويكون المشروع الموسيقي الأكبر في الشرق، ويجذب أنظار موسيقيو العالم لينعقد فيه '' المؤتمر الدولي الأول للموسيقى 1932'' برعاية الملك نفسه، ومازال المقر موجودا حتى اليوم بعد تطوير المعهد أكاديميا، كما عقبوا: ''كل هذا يستدعي أن نذكر ما للحاكم وما عليه.