الرئيس السيسى يشهد احتفالية "وطن السلام" ويدعو الجامعات والمدارس وجهات الدولة لتنسيق زيارات إلى سيناء    ممثلو التحالف الوطنى يعرضون التجربة المصرية فى مكافحة الفقر بالصين    ترامب يعلن من الدوحة: قطر حليف عظيم للولايات المتحدة الأمريكية    منذر الحايك المتحدث باسم حركة فتح في غزة ل"صوت الأمة": لا دولة في غزة ولا دولة فلسطينية بدون غزة.. ونتنياهو يبحث عن ذرائع لاستمرار الحرب    الزمالك يهزم الأهلي بثلاثية في قمة بطولة الجمهورية 2009    محافظ السويس يزور المسن ضحية واقعة الاعتداء للاطمئنان على حالته    السكة الحديد تسيّر الرحلة ال28 ضمن مشروع العودة الطوعية للسودانيين    حبس المتهمين بالتعدي على مسن السويس بتهمة البلطجة    الرئيس السيسي: الشعب الذي يرفض الهزيمة يتمكن من تحقيق النصر    الرئيس السيسي: "اللي حصل في شرم الشيخ ده فضل كبير من ربنا علينا"    إبراهيم ربيع يكتب: خربشة    القانون يحظر إنشاء جسور بالبحيرات بدون تراخيص.. تفاصيل    مسئول بحزب الله: لن نسلم سلاحنا لأننا نعتبره قوةً للوطن وسيادةً للبنان    تأجيل دعوى النفقة ضد اللاعب إبراهيم سعيد لجلسة 9 نوفمبر    محافظ القاهرة: تخصيص شاشات عرض بالميادين لبث مواد ترويجية عن المتحف الكبير    بمشاركة 150 متطوعًا.. تنظيف شاطئ «أبطال التحدي» في الإسكندرية (صور)    أمين استثمار الزهور: نستهدف مواكبة التطورات الاقتصادية والاستدامة المالية    بالشورت.. عبير صبري تفاجئ جمهورها في أحدث ظهور لها    شخصية المطر    جلسة خاصة بمؤتمر الإيمان والنظام تسلط الضوء على رجاء وثبات المسيحيين في الشرق الأوسط    طريقة تحضير الكوكيز في الميكروويف    غادة عبد الرحيم تُطلق أول حقيبة تدريبية عربية متكاملة للأمهات والمعلمين للتعامل مع اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه    إصابة شخصين في حادث تصادم دراجة بخارية بأبوتشت شمال قنا    دعم وحماية لمن حولهم.. أبراج تجلب السعادة والدفء للآخرين (من هم؟)    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ليفربول وبرينتفورد في الدوري الإنجليزي.. والمعلق    هل تصل قراءة الفاتحة إلى الميت؟.. عالم أزهري يجيب    كيف يتعلق قلب المسلم بالنبي صلى الله عليه وسلم؟.. عالم أزهري يجيب    «تعليم الغربية» تعلن جدول امتحانات شهر أكتوبر 2025 للمرحلة الابتدائية    جدول امتحانات شهر أكتوبر للصفين الأول والثاني الثانوي بالغربية    وحدة «إذابة الجلطات المخية» بقصر العيني تحصد شهادتين دوليتين خلال مؤتمر برشلونة 2025    بعد إعلان زواجهما.. منة شلبي وأحمد الجنايني يتبادلان رسائل الحب على السوشيال ميديا    جهود قطاع الأمن العام خلال 24 ساعة    فيديو.. إعدام رمزي لنتنياهو في ولاية طرابزون التركية    لاعب بتروجت: أتمنى الانضمام للأهلي.. وفخور بتشبيهي ب علي معلول    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    الوداد المغربي يحدد خططه لتجهيز حكيم زياش    محافظ البحيرة: قروض ميسرة للشباب تبدأ من 30 ألف جنيه وتصل إلى 20 مليون جنيه    الصناعة: طرح 1128 قطعة أرض صناعية مرفقة بمساحة 6.2 مليون متر    نائب رئيس جامعة أسيوط يترأس اجتماع مجلس إدارة صندوق الخدمات الطبية اليوم    الخميس المقبل بدء تطبيق التوقيت الشتوى فى مصر.. الساعة هتتأخر 60 دقيقة    الأوقاف: المشاركة في الانتخابات واجب وطني.. والمساجد ليست مكانًا للترويج السياسي    ريال مدريد ضد برشلونة.. البارسا يختبر كوندى فى مران اليوم    أغرب وأجرأ إطلالات النجوم بمهرجان الجونة السينمائى.. من الافتتاح للختام    الحكومة المصرية تدير 7 مراكز لوجستية رئيسية لتعبئة شاحنات المساعدات إلى غزة    برينتفورد ضد ليفربول.. سلوت يشعل حماس محمد صلاح برسالة غير متوقعة    مصر توقع على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية    صحة كفر الشيخ: انطلاق أول أيام القافلة الطبية المجانية بقرية المنشلين بقلين    «مستقبل وطن» ينظم مؤتمرات جماهيرية بالمحافظات لدعم المشاركة في انتخابات مجلس النواب (فيديو)    محافظ الفيوم يتابع استعدادات الأجهزة التنفيذية لانتخابات «النواب» 2025    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    اليوم.. جورج إلومبي يتسلم رئاسة «افريكسم بنك» رسميا    وزيرة التضامن الاجتماعي تتابع أعمال الإدارة العامة للرعاية المؤسسية والأسرية    اللواء محمد الدويري: أحد قيادات حماس البارزة لجأ لأبو مازن لحمايته من قصف إسرائيلى    موعد مباراة الحزم والنصر في الدوري السعودي    موعد مباراة بايرن ميونخ أمام مونشنجلادباخ بالدوري الألماني.. والقنوات الناقلة    الاتحاد الأوروبى: ضم إسرائيل للأراضى الفلسطينية غير شرعى ولن نعترف بسيادتها عليها    "لا تستمع لأي شخص".. بانزا يوجه رسالة ل محمد السيد بعد انتقادات الجماهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مصر والأردن" إخوة في الجنسية والشقاء.. والصحراوي
نشر في مصراوي يوم 27 - 02 - 2014

السادسة والنصف صباحًا، نفض عن جسده الكسل، استعد لليوم كما يجب، خرج من المنزل بمنطقة "كرداسة"، كسرت الشمس بشعاع دافيء ظلام الأرض، استقل أحد المواصلات لمنطقة الحسين، هناك سيقابل "ياسر مختار"؛ ليركب معه في السيارة الحمراء الصغيرة، ومعهما "عباس فريد"، "محمد سعيد"، وبعض المعاطف الجلدية، تتحرك السيارة رويدًا، تبدأ الرحلة حتى تصل لمستقرها الأخير على الطريق الصحراوي.

ذقن خفيفة، بشرة سمراء، طاقية من الصوف، أحزمة معلقة على الكتف، وظهر ينحني بين الحين والآخر، لتعدل اليد وضع الساعات على الرصيف، ثم يستقيم لترفع اليد الأخرى "الجاكت" أمام السيارات التي تهديء بطبيعة الحال بسبب الدوران، عين "أحمد عبد المُرضي" كانت على أصحاب السيارات الفاخرة "الملاكي" كما يسميها، يقترب سريعًا من إحداها عندما تسير أمامه، يختار أفخم معطف عنده، ليلفت نظر السائق، بعضهم يتوقف ليرى، الآخر يبتعد غير مُبال، و"عبد المرضي" يتنقل بضع خطوات بين النظارات الشمسية المفرودة على الأرض، ووقفته الثابتة رافعًا المعطف الجلدي.

يعلم "فريد" أن الشقة التي اختارها للسكن بمنطقة الأزهر، بعدما جاء مصر، ليست متسعة، الناس ودودون، لكنهم ليسوا كأهله في الأردن، قرر على أي حال أن يوقظ أخو زوجته "سعيد"، ليذهبا للعمل، حظهما الجيد أن العربة التي ستنقلهما تنتظر في الحسين، طبع "فريد" قُبلة على جبين ابنه ذو الخمس أعوام، فأذهب عنه النوم دون قصد، أصر الولد على مرافقته للعمل، بينما ترفع والدة "سعيد" الدعوات لابنها وزوج ابنتها قبل خروجهما.

يفعلان مثلما يفعل الباعة الآخرون، يقتربان من السيارات المارة، بعدما كان القلق ينتابهما، خاصة لملامح وجهيهما غير المصرية، يرتابهم السائقون، ثم يعتادون اللغة، غُربتهم عن مصر تضع حاجزًا بينهم والزبائن، لكنها تمكنهم من إقناع المشتري أن المعاطف صناعة تركية أو سورية، فيبيعانها أغلى من ثمن الجملة.

لا يتذمر "عبد المرضي" لبقاءه من التاسعة صباحًا على الطريق حتى السادسة مساءً، طالما يحمل له ذلك هامش رِبح أكبر "الشغل تحت في البلد صعب"، المعاطف لا تأتي من خارج مصر، بل من ميدان العتبة والموسكي "الجواكت جلدها كويس بس صيني لو حد ولع فيه مبيولعش"، يتباهى بتلك الميزة الأخيرة، خاصة إذا كان الزبون حذقًا في التعامل.

بدأت حياته المهنية القصيرة عقب حصوله على شهادة الدبلوم "بعدها دخلت الجيش 3 سنين"، لا يعرف سبب ذلك رغم أنه حاصل على مؤهل متوسط "بس كانت أيام كويسة، وكنت بشتغل برضو وقتها"، أثناء الإجازات التي يأتي فيها من المعسكر، كان يعمل سائقًا ل"توك توك" بمنطقة كرداسة "أهو كنت بجيب فلوس أصرف على نفسي"، يحاول تجميع أموال كي يمتلك شقة، لحسن حظه فإخوته البنات الأربعة وأخيه الصغير ينفق عليهم الوالد "أبويا مبيخلنيش أساعده كتير في البيت".

بعد العودة من الخدمة العام الماضي، قرر "عبد المرضي" اللجوء للعمل في أحد المصانع "لقيت فلوسها قليلة 12 ساعة ب750 جنيه والمواصلات عليا"، أما الوجبات التي كان يسمع عنها فلم تكن موجودة أيضًا "لقيت الموضوع مش جايب همه"، علم من السائق "مختار"، أنهم يذهبون إلى الطريق الصحراوي قبيل بوابات الخروج من القاهرة، فاختار ذلك، متناسيًا بعض الصعوبات التي كان الجو البارد وبُعد المسافة أبرزها.

اصطبغ وجه "فريد" بحُمرة شمس الشتاء، رغم لُطفها، لا علاج لذلك سوى رفعه أحد المعاطف فوق رأسه، حاجبًا به الأشعة الضارة، أتى من الأردن على طائرة مع صغيره دون الزوجة قبل عشرين يومًا، على وعد العودة لها مرة أخرى بأموال أكثر، حال البيع في بلده ليس جيدًا "ولا في مصر هنا"، سيرحل في السابع من مارس المُقبل دون أرباح تُذكر "والله المصريين محترمين بس الحكومة مش بتتركنا بحالنا"، تلجلج قليلًا قبل أن يحكي مواقف مرت عليه مع ضباط شرطة أثناء العمل، بينما لم يتردد نسيبه "سعيد" في الرواية رغم قلة كلماته.

"جم امبارح أخدوا مننا 3 ساعات ببلاش وهما كانوا بسبعين جنيه"، قال "سعيد" عن أحد أمناء الشرطة الذي يظهر من حين لآخر مع دوريته التي لا تترك المنطقة، لقربها من البوابات، فتمتلئ بعناصر شرطية للتأمين، شجعت كلمات الشاب ذو الأربعة وعشرين عامًا، نسيبه الأصغر بعام، ليُكمل "الجاكت جملته بتقف 95 جنيه ممكن يشتروه مننا بخمسين وبنخاف نتكلم"، العقوبة على حد تعبيرهما تتعدى مرحلة التوبيخ، إلى الترحيل لأحد الأقسام "وممكن يهددونا بإنهم هيحطونا في البوكس طب إحنا عملنا إيه؟".

دورية شرطة مرت بطيئة من المكان، كمن أصابه مَسّ انصرف الشابان الأردنيين للبيع، عاد "عبد المُرضي" يُرتب أشياءه، يُفاصل زبون جاءه يشتري منه آخر معطف لهذا اليوم "هاخده ب120 آخر كلام"، استسلم الشاب ذو الأربعة وعشرين عامًا، أخذ الأموال، وعاد الرجل ذو الجلباب لشاحنته الضخمة "سواقين المقطورات بيشتروا مننا برضو بس دول مش بنغلي عليهم عشان بيبقوا غلابة".

يُساعد "عبد المرضي" في البيع "مختار"، سائق السيارة التي توصلهم، لا يتركهم الشاب الثلاثيني طوال اليوم "بركن العربية وأفضل مستنيهم، مينفعش أسيبهم عشان لو حصل حاجة"، أما ما يخشاه فكثير "ساعات الحكومة بتجري ورا العرب لما بيبقوا هنا وساعات بتيجي تتكلم مع البياعين عشان يمشوا فباخدهم"، ولكونه الأكبر سنًا فكان يشعر أنه يرعاهم بشكل ما.

ظروف "مختار" ليست مُختلفة، دفعته الفاقة كما فعلت معهم، سيارته ال"تمانية راكب" كما يلقبها، كانت تعمل على خط الحسين والأزهر "بس بقالنا فترة دلوقتي بيدونا مخالفات عشان العربيات دي مترخصة ملاكي وإحنا بنشغلها أجرة"، لم يعارض الشاب الأسمر القانون "حاولنا نرخصها عشان تبقى بالأجرة بس منفعش، نفسنا ناكل عيش".

الإيراد اليومي ل"مختار" يبلغ 100 جنيها ذهاب وإياب، يُخصم منها عشرون جنيها قيمة ملء السيارة بالسولار "أنا بنقل أكتر من أربعة ساعات بيبقوا 6 أو 7 مع حاجاتهم"، "مختار" أكثرهم كلامًا، أطولهم قامة، بدا عالمًا ببواطن التواجد على الصحراوي "بيبقى فيه الصبح حوالي 10 بياعين جواكت وبيبدأوا من بعد 2 ونص يقلوا لحد ستة بليل، منهم عرب كتير، ليبيين وسوريين وأردنيين".

نظرات الحزن لم تعتلِ وجه أيًا من "فريد" أو "سعيد" عندما يذكر أحدهما أن موعد العودة للوطن اقترب، بل يسليهما ذلك، مدة الإقامة القانونية بمصر قبل التجديد هي 3 أشهر، لكنهم بعد أقل من نصف المدة "ما بنكمل بنروح الأردن خلاص"، لا ينتظرهما مستقبل باهر بها كذلك، خاصة أن "فريد" ليس معه سوى شهادة الدبلوم، بينما لم يتعلم الآخر "الحكومة عندنا في الأردن بتمنعنا نبيع بس بمصر الوضع أصعب".

تبسم "عبد المرضي" بمرارة لكلمات الشابين، لم ينتظر أن يتدهور وضعه "أنا نفسي يهتموا بينا إحنا الشباب، الدولة كأنها بتقولي اسرق عشان تعيش وأنا مش عايز أسرق"، العمل في منطقة وسط البلد أسوأ من الصحراوي "هنا على الأقل مفيش بياعين كتير بيتخانقوا على المكان"، لكن مضايقات بعض رجال الشرطة تصعب الأمور "بياخدوا الحاجات أرخص من جملتها وبييجي علينا بخسارة بس بنخاف نعترض" على حد قوله.

لم يُخالفه "مختار" الرأي كثيرًا، واضعًا يده على كتف صديقه، قال إنه لم يستشعر اهتمام المسئولين بهم "كل ما ييجي رئيس يقول هيعمل ومبيعملش وفي الآخر على دماغ الشباب". أرض واسعة ليبني عليها، هي ما يريد السائق "كل المساحات الواسعة دي مين بيستغلها، مايدوهالنا نبني عليها ونسكن زي البني آدمين"، يشير بيده للأراضي المترامية على الطريق.

كانت الشمس قد بدأت في المغيب، لملم "عبد المُرضي" الساعات من الأرض، النظارات يضعها بعناية في حقيبتها، يُثني الأحزمة الجلدية، يتحسس مكتسبات اليوم بجيب البنطال الأيمن، لازالت أمامه رحلة ليلية، يذهب خلالها إلى العتبة للحصول على معاطف اليوم التالي، ثم يعود بها لمنزله بكرداسة، يُنادي على صديقيه الشاميين الذين حاولا بيع ما تبقى من بضاعة دون فائدة؛ ليدلفا وسيلة العودة لبيوتهم، "مختار" يقبض على مفتاح السيارة، يديرها، ثم ينطلق الجمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.