دقات الساعة تقترب من التاسعة صباحا، الأجواء تبدو هادئة، شباك تذاكر الأهرامات بالمنطقة الأثرية خال من الزائرين، بوابة الدخول ممتلئة بالعديد من أفراد الأمن، شاب عشرينى يرتدى جلبابا مموها يستوقف الزائرين ويأخذ تذاكرهم ويقطعها نصفين، ويأمرهم بوضع الحقائب فى جهاز التفتيش الإلكترونى، وينتظرهم لدى الخروج، ويسلمهم التذكرة، ثم يقول لهم «بص بقى اركب الكارتة دى هتلففك الهرم كله وسعرها رخيص». تقطع هذه الجملة الشك فى أنه أحد أفراد الأمن المكلفين بتنظيم الدخول والخروج للمنطقة الأثرية من بوابة «نزلة السمان»، وتبين أنه أحد الجَمالين الذين يعرضون خدماتهم على السائحين والزائرين المصريين بإلحاح شديد، وأفراد الأمن لا يبالون. «الوطن» رصدت المنطقة الأثرية، حيث تقف سيارة شرطة تحت مظلة حديدية، محملة بعدد من المجندين والضباط وإلى جوارهم يقف بعض أصحاب الجمال، لم تمنع أشعة الشمس والحرارة الشديدة بعض الأسر من زيارة أبوالهول والصعود إلى هضبة الهرم، سيدة أربعينية كانت تسير بسرعة ومعها طفلاها، فجأه اعترضها أحد الأشخاص من فوق حصان وعرض عليهم الركوب لكنهم رفضوا واستمروا فى السير، لم ييأس الشاب العشرينى ذو البشرة السمراء من رفض السيدة وتبعها حتى دخل الجميع أبوالهول، ظل واقفا لمدة ربع ساعة ومعه 4 أحصنة فى انتظار الأسرة التى عمد إلى مضايقتها مجددا، حتى صعدت إلى هرم خوفو عبر طريق طويل شديد الانحدار. فى نهر الطريق، توقف شاب عشرينى كان يقود «كارتة» راح يضايق الزبائن، حاول أحد جنود الشرطة إبعاده عن طريق السيارات، لكنه لم يستطع ونشبت بينهما مشادة كلامية، فقال الجندى للشاب «أنا موظف هنا وباشوف شغلى»، فرد عليه الآخر بعنف قائلا: «أنا ممكن أوريك إنت وريسك»، ثم انتهت تلك المشادة التى كادت تتحول إلى اشتباك بالأيدى بعودة الشرطى إلى مكان عمله بجوار البوابة، ولم يعترض «الخيال» أحد. لا يخلو الطريق إلى هرم خوفو من أفراد الأمن أو من الهجانة، حيث كان يقف عدد كثيف من رجال الشرطة والمجندين من أصحاب الزى الأبيض، ورغم ذلك نشب العديد من المشادات بين الخيالة والجمالين من جانب وبين السائحين من جانب آخر، اعتراضا على أسعار الخيالة، ولم تتدخل الشرطة من قريب أو بعيد لفض المشكلة. وحينما سألت «الوطن» أحد أفراد الأمن عن سبب عدم تدخله، قال: «أنا هجان شغلتى هى إبعاد الجمالين والخيالة عن جدران الهرم والأماكن الملاصقة له، إنما المباحث شغلتها التعامل مع قضايا السرقة والابتزاز وبعدين دى مشاكل عادية بين أى تاجر أو بياع وبين الزبون». وقبل باب دخول هرم خوفو كان هناك فوج سياحى كبير من الهند، يتقدمه مرشد سياحى أربعينى، رفض ذكر اسمه، وتحدث قائلا: «المشكلة عند منطقة الأهرامات ليست أمنية لكنها تكمن فى إجبار السائحين من الباعة والخيالة على شراء التحف وركوب الخيل، لأن البياعين عاوزين يكسبوا وبس، مفيش مشكلة.. لكن أكسب بشكل لطيف مش بالطريقة دى». ويضيف المرشد «ابتزاز السائحين يحدث أمام عينى فى اليوم 100 مرة على مرأى ومسمع من الجميع، ولا أحد من رجال الشرطة يهتم، كأن هناك تواطؤا من الجميع على سمعة مصر». وأثناء حديث المرشد السياحى، حضر أحد أعضاء الفوج الهندى وقطع حديثه، وتحدث إليه بغضب شديد واشتكى إليه من الجمالين، الذين حملوه بالقوة على ظهر جمل مع 2 من زملائه، وأخذوا منه 4 دولارات، بينما أخذوا من زميل آخر له 50 دولارا. يؤمن المرشد على كلامه ويقول «شفت لسه بنتكلم على نفس الموضوع»، ثم يوجه حديثه إلى السائح الغاضب قائلا «أنا قلت لكم محدش يمشى لوحده»، ويكمل المرشد حديثه قائلا: «هو مش زعلان على الفلوس لكن زعلان على طريقة التعامل غير الأخلاقية معه». ويقول محمد شاهين، مرشد سياحى، : «مفيش كنترول من الشرطة على البياعين، عاوزين الشرطة تعمل زى الأول وتتعامل بحزم معاهم، عشان السايح يستمتع بالوقت بتاعه من غير مضايقات، وإن كنت ألاحظ الوجود الشرطى المكثف بعد تحذير السفارة الأمريكية لرعاياها من زيارة منطقة الهرم الأثرية، يهمنى تعامل البائعين مع الشرطة باحترام لأن ذلك سينعكس علىَّ بشكل مباشر». وفى المنطقة الملاصقة للهرم الأكبر كان هناك «جَمَال» أربعينى، نحيل، قمحى اللون، اسمه عادل محمد، قال دون تردد «من ساعة الثورة الانفلات الأمنى فى كل اتجاه، مفيش شغل ومفيش سياحة، ومعظم الجمالين والخيالة معاهم ترخيص للعمل هنا من محافظة الجيزة وهو ترخيص سهل يصدر دون رسوم». وينفعل «عادل» قليلا ثم يتابع: «فيه ناس كتير شغالة هنا من غير ترخيص لكن لو عملوا أى غلطة الشرطة بتجيبهم»، ويتعجب الرجل كثيرا لدى سؤاله عن كيفية دخول هؤلاء إلى هنا دون ترخيص، ويقول «دول بيدخلوا بالبطايق ومفيش شغل هيأكلوا عيالهم إزاى.. يسرقوا؟». وينظر «الجمّال» إلى ساحة الهرم الأكبر قائلا: «المرشدين بيتهمونا إننا بنسرق الزباين وبنبتزهم، بس الحقيقة إن المرشد اللى بييجى هنا بيكون بايع الزبون» ويفسر جملته هذه بقوله: «المرشد بياخد رقم تليفونى وقبل ما ييجى بيتصل بيّا وبيقولى جهز جملين ياعم عادل وبيتفق معايا على النص، لو أخدت من الزبون 20 دولار بياخد هو 10 دولارات». ويقطع حديثنا شاب ثلاثينى يرتدى جلبابا مهندما وعلى وجهه نظارة شمسية قائلا «إنتو كدا هتودونا فى داهية وهتخربوا بيوتنا وهتوقفوا حالنا» ثم يسأل «إنت مين؟». ويختفى الشاب لمدة دقائق عن العيون ثم يحضر برفقة أحد أفراد مباحث شرطة الآثار، تحدث الرجل بلطف خلال سيرنا إلى مكتب الشرطة وقال «الخرتية دول كتير ودى شغلتهم الأساسية وعددهم كبير زى ما إنت شايف حوالى 3 آلاف بس إحنا هنا مسيطرين على المنطقة زى ما إنت مش شايف»! ويتابع «لقد حضر إلى هنا وزير الداخلية نفسه بصحبة مدير الأمن منذ يومين، لتفقد الأوضاع بعد تحذير السفارة الأمريكية لرعاياها من زيارة المنطقة»، ثم تظهر عليه علامات الضيق ويصمت قليلا قبل أن يضيف: «اللى بيحصل من البياعين دى حاجات عادية ما يقدرش أى خيال يسرق سايح، نجيبه فى ثانية، لكن المشكلة فى الشارع اللى بيطلع على هنا من عند فندق مينا هاوس فيه سرقة وبلطجة كتيرة، آخرها سرقة تليفون واحد مغربى بالإكراه، وأنا نزلت تحت وجبته بنفسى وسلمته للسايح بالإضافة إلى سرقة تليفون أمريكى آخر». وصلنا إلى مكتب شرطة الآثار، وتحدث أحد القيادات الأمنية «رفض ذكر اسمه» عن «السيطرة على مجريات الأمور وعدم التقصير» قائلا «إن تحذير السفارة الأمريكية لا معنى له، فنطاق عملنا آمن تماما وحرم الأهرام به وجود كثيف للشرطة لكن ليس لنا سيطرة على البلطجية خارج إطار هذا السور، لأنه يقع ضمن إطار خدمة قسم شرطة الهرم». وأثناء الخروج من منطقة الأهرامات رصدت «الوطن» وقوف عدد من الأشخاص أمام بوابة الأهرامات بجوار أفراد الشرطة المكلفين بحراستها ليعترضوا طريق الزائرين. وقف أحدهم أمام سيارة ملاكى محاولا اعتراضها إلا أن صاحب السيارة لم يبال به ودنا منه وصدمه بالسيارة صدمة خفيفة فانحرف جانبا ولم يتأثر بالاصطدام. «الوطن» رصدت أيضاً توقف عدد من الشبان على ناصية الشارع بجوار بوابة فندق «مينا هاوس»، توقف هذه المجموعة كل من يريد الدخول وتحاول إجباره على ركوب الخيل والجمال ب«العافية». وعلى يمين الشارع عند النزول من منطقة الأهرامات، حيث يوجد قسم شرطة السياحة، تصطف أكثر من 5 سيارات «بوكس»، وعلى الرغم من هذا الوجود المكثف بالشارع فإن أحدا منهم لا يتحرك ضد هؤلاء كأن لديهم حصانة ضد المساءلة.