تباينت آراء الخبراء العسكريين حول قرار المحكمة الدستورية العليا الصادر بالأمس والذى يقضى بمنح أفراد وضباط القوات المسلحة والشرطة حق التصويت في الانتخابات البرلمانية. وقال اللواء متقاعد عادل سليمان رئيس المركز الدول للدراسات السياسية والاستراتيجية إن القرار جاء إعمالاً لأحكام الدستور وهو حق للقوات المسلحة كانت تمارسه حتى عام 1972 حيث أصدر الرئيس الراحل أنور السادات في ذلك الوقت قانون بإعفاء أفراد القوات المسلحة من هذا الحق لأسباب وظروف سياسية معينة كانت تمر بالبلاد فى هذا الوقت. وقال ''إن كلمة إعفاء دليل على إقرار الرئيس السادات بهذا الحق كما أن الإعفاء لا يعنى المنع''. وأضاف سليمان، في تصريحات ل''أصوات مصرية''، أن هذا الحق كان واضحاً وثابتاً للقوات المسلحة في دساتير 1956 و1971 و2012 إلا أن القانون هو الذى كان يعفيها من هذا الحق. وأشار سليمان إلى أنه من هنا جاء التناقض وأنه كانت هناك قضية منظورة في المحكمة الدستورية منذ عام 1986 لحل هذا التناقض إلا أنها تركتها تحت ضغوط سياسية إلى أن إرتأت الآن إعمال الدستور. وأكد أن هذا القرار ليس له أي تبعات سلبية على الجيش وأفراده لأن الانتخابات لها ضوابط ونظام محدد في إطار الدوائر الانتخابية و مرشحيها مشيراً إلى أنه لن يؤثر كذلك على تأمين العملية الانتخابية التي يقع على الجيش جزء من عبئها في هذه المرحلة الاستثنائية لأن المجندين في الوحدات و الضباط ليسوا جميعاً من دائرة واحدة كما أنه ليس من المعقول أن تنزل كل قوات الجيش للتأمين وإنما عدد قليل منها فقط كما أن هذا يتم وفقاً لمراحل العملية الانتخابية. واعتبر سليمان أن القرار ليس في صالح المؤسسة العسكرية وليس ضدها لكنه حق لأفرادها كمواطنين طالما أنهم غير فاقدين للأهلية وطالما أن الدستور المصرى ينص على أنه يحق لكل مصري تجاوز الثمانية عشر عاماً ممارسة هذا الحق. وقال ''الأمر لا يعتبر اقحاماً للجيش في السياسة لأن الجيش ليست له علاقة بالسياسة أو العمل السياسي وإنما هو يقوم بمهمة قومية لكن من حق أعضائه أن يمارسوا حقهم السياسي و الدستوري''. وتابع سليمان ''المهم الآن وما يجب أن تتم مناقشته هو كيفية تنفيذ هذا الحق وتطبيقه بحيث لا يؤثر على القوات المسلحة وحرية أفرادها في ممارسته''. بينما اعتبر العميد متقاعد صفوت الزيات أن ''القرار صنع مشكلة لا ترتبط فقط بالجيش ولكنها ترتبط أكثر بالبيئة السياسية العامة المحتقنة التي نعيشها ويعيشها معنا الجيش''. وقال ''نعانى الآن من حالة من الاضطراب السياسي لدى النخب المعارضة التي لجأت لدعوة القوات المسلحة للانقلاب على الحكم لذلك لا يمكننا القول في ظل هذا المناخ بأن هناك نوعا من التوحد في الدولة المدنية الحديثة فيما يتعلق بدور الجيش والمؤسسة العسكرية التي باتت المعارضة تعتبرها أعلى قدراً من مؤسسة الرئاسة ومن قائدها الأعلى لدرجة أن الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب الدستور طلب في إحدى المرات مقابلة الرئيس محمد مرسى في حضور وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي نكاية في مؤسسة الرئاسة. وتابع الزيات ''أتفهم تقبل هذا الوضع في الولاياتالمتحدةالأمريكية لأن مفهوم الدولة الحديثة راسخ لديهم كما أن الرئيس بالنسبة لهم هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وله فى ذلك كامل الاختصاصات ويتوارى من خلفه كل قيادات الجيش هناك، لكن عندنا في مصر هذا المفهوم ليس راسخاً''. وقال ''إذا كان هناك من يستدعى القوات المسلحة للانقلاب على النظام وكأنه يريد العودة إلى ما قبل عام 1952 فهذا الحكم ساعدهم على إخراج القوات المسلحة إلى زخم الحياة السياسية فى مصر''. وأكد الزيات أن القوات المسلحة لا تتحمل فكرة التحزبات الداخلية، خاصة وأن الشخصية السياسية المصرية غير مكتملة كما أنه ليس من المعقول أن نسمح بوجود فرق إخوانية داخل الجيش وأخرى ليبرالية وأخرى سلفية خاصة وأن الجميع لا يتعاملون بديناميكيات السياسة الحرة، على حد وصفه. وأشار إلى أن أحكام المحكمة الدستورية تأتى في بعضها لصالح المواءمات السياسية وكان عليها في هذا الإطار ألا تحكم بهذا القرار لأنه لا يحقق الصالح العام للبلاد، ''لكننى أتصور أن هذا القرار جاء في إطار الصراع الحالي الدائر ما بين السلطة القضائية والمحكمة الدستورية من جهة ومؤسسة الرئاسة من جهة أخرى وأن المحكمة الدستورية رأت به أن تقلب الطاولة على الآخرين فحاولت في ذلك أن تورط الجيش المصري''. وقال ''الضباط الذين مارسوا هذا الحق في الجيش المصري قبل ثورة يوليو 52 هم أنفسهم من قرروا بعد ذلك ألا تدخل السياسة في الجيش فقد كان هذا الأمر سائداً بموجب الدستور حتى عام 67 لكنه لم يكن يمارس لأن نظام الحكم كان ديكتاتورياً شمولياً بكل أبعاده ولم يكن حكماً سياسياً صحيحاً''. ووصف الزيات القرار بأنه يهدد وحدة المؤسسة العسكرية، وقال ''في ظاهره الرحمة وفى باطنه العذاب لأن العسكريين لا يتحملوا أن تكون بينهم خلافات فى الرأي''. وعن إمكانية المطالبة بتمثيل سياسي قال ''القوات المسلحة والعسكريون أعقل بكثير مما نتصور وليس من الممكن أن يطالبوا بتمثيل نيابى لهم فمهمة الجيش عسكرية ومحددة وهو يعلم أن عصر الانقلابات العسكرية قد انتهى في العالم أجمع''. ورحب اللواء متقاعد أحمد عبد الحليم بالقرار مؤكدا أنه كان وقت وجوده في الجيش يمارس هذا الحق ثم أعفى منه عقب 1967، مشيراً إلى أنه لا يعد إقحاماً للجيش فى السياسة لأن الجيش لاتهمه السياسة ولا يرغب في الانقلاب على الحكم لأنه عنصر من عناصر الدولة. وقال ''لكنني لا أعرف ما إذا كان هذا القرار سيمارس بالطريقة التي كان عليها في السابق أم لا''. وأكد عبد الحليم إن القرار لا يؤثر إطلاقاً على ما يفعله الجيش الآن من تحمله مهمة تأمين العملية الانتخابية لأن جزءا ضئيلا من القوات هو من سيقوم بهذه المهمة بينما يكون بإمكان الآخرين ممارسة الحق في الانتخاب مع الأخذ في الاعتبار بمواعيد المراحل الانتخابية، مستبعداً ان يكون الأمر اقحاماً له فى السياسة. وقال اللواء علاء عز الدين مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالقوات المسلحة سابقاً إن ''ما أقره قضاة المحكمة الدستورية هو حق دستورى لاغبار عليه لكن الصالح العام كان يقتضى بعض الاستثناءات لتحقيق مصلحة الدولة العليا والمصلحة كانت تقضى عدم اتخاذ هذا القرار ''فهو قرار صحيح لكنه فى غير محله''. وأضاف ''كان على المحكمة الدستورية عدم اتخاذ هذا القرار حفاظاً على حياد أفراد الجيش الذين من المفترض أن يكونوا على مسافة واحددة من كافة الأطراف ولا يتبعون جماعة أو حزبا سياسيا معينا''. وتابع ''رأينا في مؤسسة القضاء أن بروز بعض الأشخاص الذين يحملون انتماءات سياسية معينة أضر بالمؤسسة القضائية ككل وأدخلها فى صراع مع السلطة وهو الذى نأمل أن ينأى الجيش بنفسه عنه''. وقال ''إذا كانت المحكمة الدستورية منحت الجيش حق التصويت فمن حقه أيضاً أن يمنح حق الترشح''. وشدد عز الدين على أن حق التصويت يضر بالجيش وبالعملية الانتخابية على حد سواء، وقال ''قد يكون قائد إحدى الوحدات مرشحاً في إحدى الدوائر وهو نفسه الذى يرأس الوحدة المسؤولة عن تأمين الانتخابات في ذات الدائرة ومن الممكن أن يؤثر على الناخبين فيها كما أن التعارض في الآراء والتباين في الرؤى بين أفراد الوحدة وقائدهم سيؤدى إلى تصادم حتمي ومن الممكن أن يقوم رئيس الوحدة بإقصاء المعارضين له وقد يكونوا من الأكفاء'' على حد قوله. وتابع ''القرار سيحدث شقاقاً وتوترا في العلاقات بين أبناء القوات المسلحة الذين يختلفون على مرشحي انتخابات الرئاسة كما أنه يفتح المجال للتشكيك في حياد القوات المسلحة والشرطة لأنهم منوط بهم تأمين العملية الانتخابية إذا ما أعلنوا انحيازهم لمرشح ضد الآخر، كما أن هذا يجرنا إلى التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية وصحة نتائجها''، على حد وصفه. وأضاف ''إذا كنا نسعى من وراء ذلك إلى تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين فهناك ما هو أفضل من ذلك وأسمى وهو أن رجل القوات المسلحة الذى يعيش حالة استعداد دائم للتضحية بنفسه وروحه من أجل وطنه لن يكون من الصعب عليه أن يضحى بحقه فى التصويت لأجله أيضاً خاصة وأن هذه التضحية مؤقتة وتنتهى بإحالته للتقاعد''.