من دون موقف واضح من المؤسسة العسكرية، التي أكدت أنها تدرس حيثيات قرار الدستورية بالسماح لرجال الجيش والشرطة التصويت بالانتخابات، فإن الانقسام بات سيد الموقف ما بين مؤيد ومعارض بين الجميع. وخلاف امتدت آثاره للخبراء العسكريين أنفسهم الذين تباينت آراؤهم حول قرار الدستورية، والمصاعب التي تواجه تطبيق هذا النص على أرض الواقع. إذ أكد اللواء عادل سليمان الخبير بالشئون العسكرية ومدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية أن قرار الدستورية بمثابة عودة صحيحة لما كانت عليه الأمور قبل 1976 عندما تم إلغاء تصويت العسكريين بالانتخابات بعد قرار الرئيس الراحل السادات البدء بالتعددية الحزبية وتجربة المنابر، منعًا لتسييس المؤسسة الأمنية. ومن ثم تم إعفاؤهم تماما من المشاركة بالانتخابات بعد هذا التوقيت، منعهم من ممارسة حق من حقوقهم. وتأكيد الشورى على هذا الحق ليس ابتكارا موضحًا أنه حق يمارسه الأفراد بصفتهم الشخصية كمواطنين عاديين ولا يوجد أحد يحق لهم حرمان أفراد الجيش والشرطة من هذا الحق. وأضاف أنه كانت هناك دعوي مقامة أمام الدستورية بالثمانينيات بعدم دستورية منع أفراد الجيش والشرطة من التصويت بالانتخابات، إلا أنها ظلت حبيسة الأدراج منذ ذلك التاريخ، ما يؤكد تسييس المحكمة خلال تلك الفترة. واتفق مع هذا الرأي، اللواء محسن نعمان محافظ سوهاج ووزير التنمية المحلية الأسبق بقوله أن إدلاء رجال الجيش بأصواتهم بالانتخابات يعتبر حقًا أصيلا لهم فهم جزء من الشعب والمواطنين الذين لهم حقوق وعليهم واجبات. وأضاف في تصريحات خاصة ل"بوابة الأهرام" أن عضوية رجال الجيش والشرطة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة أو المجلس الأعلى للشرطة لا ينتقص من حقوقهم الدستورية التي أيدتها المحكمة الدستورية في قرارها الأخير. وأوضح أن رجل القوات المسلحة أو الشرطة مواطن ويتمني أن يرسم مستقبل بلاده من خلال مشاركته بالانتخابات، مشددًا علي أنه لا يستطيع أي فرد مهما كان إملاء رغباته علي العسكريين. وأيدهما الفريق حسام خير الله المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، مؤكدًا أنه أمر طبيعي والحرمان في العهد السابق كان غير طبيعي، مشددا علي أن رجال القوات المسلحة في النهاية مواطنون وجزء من المجتمع لهم نفس الحقوق والواجبات. وقال خير الله بتصريحاته ل"بوابة الأهرام"، إن جميع دول العالم تحاول توسيع قاعدة الانتخابات لتعكس جميع آراء وفئات الشعب واختيار من يمثلهم. مشيرًا، إلى أن العاملين بالمخابرات العامة كان معظمهم أساسا مدنيين قبل انضمامهم للجهاز وبعضهم من رجال القوات المسلحة والشرطة موضحا أن الشرطة أصلا هيئة مدنية نظامية فلا داعي لحرمانهم من مباشرة الحقوق السياسية. وفجر خير الله مفاجأة حيث أكد أنه علي الرغم من أنه من رجال القوات المسلحة، إلا أنه يمتلك بطاقة انتخابية يدلي بها بصوته في الانتخابات. واختتم تصريحاته متسائلا: لماذا لا نعطي الحق لرجال الجيش والشرطة في اختيار من يمثلونهم بالبرلمان أو اختيار الرئيس القادم ليشاركوا في رسم مستقبل بلادهم مثلما يحدث في معظم الدول في العالم. واتفق معه اللواء سيد هاشم المدعي العسكري السابق، قائلا :إن قرار الدستورية أعاد حق قد غُيب بغير سبب حسب وصفه، عن هواجس البعض من التأثيرات السياسية لهذا الحق، أكد هاشم أن الدعاية الانتخابية لها ضوابطها ومحاذيرها التي ينظمها القانون والذي ينص على عدم ممارستها داخل الأبنية الحكومية موضحًا أن القوات المسلحة شأنها شأن النقابات والهيئات التي تمارس حقها في انتخاب أعضائها، وما يميز القوات المسلحة أنها منضبطة كما أن قيد المجندين بالجداول الانتخابية سيكون طبقًا لموطن قيدهم لا يمكن التأثير عليهم. فيما اعتبر اللواء عادل القلا رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي القرار صفعة للمستشار حاتم بجاتو وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية، الذي اعترض على ترشيح سامي عنان للرئاسة وأبلغ المشير حسين طنطاوي أن القوات المسلحة ليس من حقها المشاركة السياسية بالتصويت والترشح بالانتخابات. وأعتبر أن التخوف من انخراط العسكريين بالعملية السياسية تدل على هلع الإسلاميين من قدرتهم على التأثير بالانتخابات. في الجانب الآخر، رفض العديد من العسكريين هذا الحق بوصفه إبعادًا للمؤسسات الأمنية عن السياسة وصراعاتها. فمن جانبه، أكد اللواء حسام سويلم الخبير العسكري أنه ضد تصويت رجال القوات المسلحة بالانتخابات لكونه عمل من أعمال السياسة والأفضل حاليا ولكل الأطراف إبعاد الجيش عن السياسة. وقال سويلم في تصريحات ل"بوابة الأهرام" إن مشاركة الجيش بالانتخابات ستدفع به للصراعات السياسية والحزبية المحتقنة حاليًا، ما ينعكس تاليًا بالسلب علي المؤسسة العسكرية، بالطبع وهي في منأى عن ذلك والأفضل أن تتفرغ القوات المسلحة لحماية الحدود والأمن القومي للبلاد بعيدا عن مهاترات السياسة. واختتم سويلم تصريحاته لبوابة الأهرام قائلا: إن الدفع بعودة الجيش من جديد للدخول في حلبة السياسة أكبر خطر علي الأمن القومي المصري مشيرا إلي أن الانتخابات عبارة عن صراعات بين سياسيين وتيارات وأحزاب لا يجب توريط الجيش والشرطة فيها مع احترامنا لقرار المحكمة الدستورية العليا. واتفق مع هذا الرأي أيضا اللواء محمد عبد الفضيل شوشة محافظ شمال سيناء الأسبق حيث قال: إنني شخصيا ضد تلك المشاركة. وأكد في تصريحات ل"بوابة الأهرام": أنه من الأفضل ألا يتم إقحام الجيش في هذا المعترك السياسي لأنه بالطبع من الممكن أن يؤثر هذا علي المؤسسة العسكرية بالسلب مشددا علي ضرورة ترك الجيش لمهمته الأساسية وهي حفظ وحماية الحدود والأمن القومي للبلاد. وأيد اللواء عادل المرسي رئيس القضاء العسكري السابق وعضو مجلس الشورى هذا الموقف المعارض بتحفظه على مشاركة الجيش والشرطة بالتصويت بالانتخابات، وقال: إن قانون مباشرة الحقوق السياسية لعام 1956 كان يسمح لهما الأداء بأصواتهم بالانتخابات، استمر هذا الحق حتى عام 1976، بعد التعددية السياسية. وأضاف أن مبادئ المساواة وحقوق المواطنة مكفولة للجميع، ولكن على أرض الواقع هناك صعوبة في تنفيذ تلك المبادئ وتحديدًا وأن للجيش واجبات نص عليها الدستور الجديد، إلا أن ما يحول دون مشاركة بالتصويت بالانتخابات قانون الخدمة العسكرية الذي يمنع ممارسة السياسية طوال فترة الخدمة العسكرية. ومن ثم يجب تغيير القوانين العسكرية التي منعت ممارسة السياسة بهدف فرض الانضباط وعدم التحزب السياسي داخل الوحدات العسكرية. وأضف المرسي لذلك كيفية المواءمة بين فترة خدمة هؤلاء العسكريين بمختلف الرتب مع عملية التصويت، هل يعطي للجميع الحق في إجازة يتنقل بعدها لموطن المولد للإدلاء بصوته، ويترك وحدته العسكرية أو حتى تأمين عملية الانتخابات ذاتها. أنه لو أجاز التصويت بالوحدات العسكرية فهل نخصص قاضي لكل صندوق ونسمح بدخول مندوبي المرشحين ومنظمات المجتمع المدني لمراقبة عمليات التصويت والتواجد داخل وحدات عسكرية ومن ثم تتحول لأماكن للدعاية الانتخابية..؟ كما أشار إلى أنه لابد من تسجيل هؤلاء في قاعدة الناخبين، ومن ثم حق المرشحين في الحصول عليها وفقًا للقانون طبقًا لدوائرهم الانتخابية ما يمثل خطرًا على الأمن القومي وكشف عددهم والوحدات التي يعملون داخلها..! واختتم تصريحاته بأنه يرى أن الظروف الحالية لا تسمح بمثل هذا الحق، والذي يمكن تطبيقه بعد عودة الاستقرار والهدوء داخل مصر.