ألقى حال الاستقطاب الذي يعشيه المجتمع التونسي بعد شهر على اغتيال المعارض السياسي شكري بلعيد بظلاله على أجواء مناظرة حرة سجلت هنا مساء الثلاثاء وانتهت بتصويت 68 في المئة من الحضور مع عنوان الحلقة ''هذا الحضور يعتقد بأن تونس تتجه للخروج عن السيطرة''. واختلطت أصوات الغالبية الشبابية التي شاركت في جلسة نظمّتها ''المناظرات العربية الجديدة'' في تونس بتأييد أو انتقاد المتحدثين الرئيسيين؛ تارة بالتصفيق الحاد وتارة بالمقاطعة والاستهجان في حلقة تفاعلية أدارتها الإعلامية المصرية المعروفة مي الشربيني. وساهمت حدة النقاشات التي دارت بين المتحاورين أنفسهم وبينهم وبين الجمهور المنفعل في تحول أراء الضيوف بنسبة كبيرة مقارنة مع مواقفهم قبل بدء المناظرة حيث دل تصويت الكتروني أخذ قبل بدء النقاش أن 54 في المئة منهم يؤيد فكرة المناظرة. انتقادات للطبقة الحاكمة ووجه الجمهور انتقادات للطبقة السياسية الحاكمة (الأغلبية) والمعارضة اليسارية والعلمانية لغياب برامج واضحة للتعامل مع المرحلة الانتقالية منذ الإطاحة بنظام زين الدين عابدين بن علي بداية 2011. وانقسموا حول دورها بما آلت اليه الاوضاع السياسية، الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وفي احتواء العنف بينما يواصل رئيس الوزراء المكلف على العريض من حركة النهضة الاسلامية التي فازت بالأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي وضع اللمسات النهائية على حكومة تحالف جديدة مصغرة ستحيد الوزارات السيادية وتسير بالبلاد صوب انتخابات نهاية العام حسب برنامج توافقي بعد الانتهاء من إقرار الدستور بحد أقصى هذا الصيف. التوانسة ''مفجوعين'' وقالت عضو الحزب الجمهوري التونسي آمال بلخيرية التي وقفت الى جانب فكرة النقاش ان ''تونس تعيش اليوم حال انعدام رؤيا في الشارع وفي اماكن العمل ويسأل المواطنين الى أين نسير ولا أحد يستطيع الاجابة أكثر من ان تونس داخلة في الحائط!''. وقالت إن التوانسة ''مفجوعين'' من انعدام الأمن والاستقرار وتخزين السلاح ويعانون من ''مجموعات مسلحة تقتل، تسرق وتكفر ولا أحد يستطيع ان يوقفها وكل ذلك باسم الدين'' ومن ''سماع دعوات العنف والقتل والتكفير والكره من على منابر المساجد، الإعلام والمجلس التأسيسي ومن الاغتيال السياسي'' ومن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وانعدام ثقة المستثمر. وتابعت ''النساء تخشى على مكانتها وغالبية الشباب مهمشة وشككت بنجاح الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية بقيادة الوزير الأسبق ورئيس الوزراء المكلف علي العريض في السيطرة على العنف بالرغم من موجة اعتقالات طالت أكثر من 800 سلفي''. وانتقدت دور ''رابطات حماية الثورة وما تنشره من عنف وتكفير في المجتمع تحت غطاء ودعم سياسي من حركة النهضة''. مخاض ثوري الأكاديمي الصحبي عتيق، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب النهضة التونسي في المجلس التأسيسي، والذي وقف ضد تيمة الحلقة قال بأن ''ما تمر به تونس، نتيجة طبيعية لمخاض الثورة بعد تراكمات نصف قرن من الاستبداد والقمع والاستبداد''. وناشد الموضوعية في تقييم المعارضة قائلا: ''بعد كل ثورة في العالم هناك ارتدادات أمنية اجتماعية سياسية ومحاولات للإرباك وإشاعة الفوضى.. وطبيعي أي حكومة وطنية جديدة تفرز من الثورة ستجد صعوبات كبيرة''. وقال عتيق إنه وبالرغم من ان الاوضاع ليست مثالية لكن ليس هناك خطر على تونس ''بفضل نساءها ورجالها وأحزابها ومعارضتها. وهناك أمن واستقرار، وهناك اعتقالات ومحاكمات ومنسوب حريات مرتفع جدا وسيطرة للدولة على غالبية المساجد ولم يتغير نمط حياة المواطن التونسي سواء كان شاب او شابة ، اسلامي ام يساري''. وأضاف عتيق ''أننا نؤسس لدولة قانون ومؤسسات وتداول سلمي للسلطة وأن تونس ستمضي نحو انتخابات حرة وشفافة وان البلاد لن يحكمها طرف واحد بل كل الاطراف في وحدة وطنية جامعة وبتوافق وطني يعمل لمستقبل تونس''. اتهامات للمعارضة والنهضة بعض الحضور أتهم المعارضة بالتحامل على حركة النهضة والإسلاميين وقال أن الإعلام يجيش المشاعر وأن الجريمة والاغتيالات السياسية تحصل حتى في الديمقراطيات المستقرة. في المقابل قالت شابة أن ''حركة النهضة أثبتت أنها من أصحاب الكراسي وتتمسك بالحكم وتدخل البلاد في حالة غموض وعنف'' وشككت أخرى في مغزى و''حيادية'' التعينات الاخيرة في مناصب عليا في الدولة وبخاصة في وزارة الداخلية. وعبر عشرات الشباب عن استهجانهم وقاطعوا عتيق بهمهمات عالية عندما دافع عن ''رابطات حماية الثورة'' قائلا ان أحدا ''لا ينكر انها ساهمت في حماية الثورة''. ودشنت هذه المناظرة عودة برنامج المناظرات العربية الجديدة إلى تونس بعد أن علّقت أنشطتها هنا في مايو الماضي، احتجاجا على استحواذ أفراد من الشرطة على لائحة بأسماء من شاركوا في آخر مناظرة أجريت هناك. لكن برنامج المناظرات أفاد بأن وزارة الداخلية رحّبت بعودة أنشطته في البلاد مؤكدة أن المناظرات ستعقد بحرية دون أي تدخل. ومن المقرر أن تبث المناظرة – بنسختيها العربية والإنجليزية- للعام الثاني عبر تلفزيون دويتشه فيليه الألماني وشبكات بث دولية مرتبطة معه.