عاش حياة الأمراء، وعلى الرغم من أصوله التي تمازجت فيها دماء قوميات مختلفة، إلا أنه عشق العربية حتى الثمالة، وأبدع في التعبير بها عن طريق شعر يعيش بيننا لأكثر من قرن من الزمان .. اليوم تمر الذكرى الثمانين على وفاة أمير الشعراء ''أحمد بك شوقي''. ولد ''أحمد شوقي علي أحمد شوقي'' في أكتوبر 1868 لأب تركي شركسي و أم ذات أصول يونانية، و بحكم عمل جدته لأمه ببلاط القصر الخديوي ك''وصيفة''، اختلط الطفل ''أحمد'' ببشر يموج بهم القصر الكبير، و عهده الخديوي بتربية و عناية فائقة على يد معلمي الأمراء، فنشأ مثلهم فكريا و ثقافيا .. و اجتماعيا أيضا. تربية القصر لم تمنعه من الإلتحاق ''بالكُتّاب'' و حفظ القرآن الكريم كما كان سائدا في وقته بين كل الأطفال الغني منهم و الفقير على حد سواء، كذلك تعلم مبادئ القراءة و الكتابة و الحساب على أيدي معلمي القصر، لكنه ألتحق بمدرسة ''المبتديان الإلزامية – الإبتدائية''، و ظهر نبوغه منذ نعومة أظافره، و أعفي من مصاريف التعليم نظيرا لتفوقه. انكب على القراءة في فنون اللغة و آدابها، إلا أن الشعر إستأثر على قلبه، و أجاد السباحة في بحوره المختلفة في سن صغيرة، و كتقليد لأبناء المجتمع الراقي وقتها إلتحق ب''مدرسة الحقوق''، و سافر على نفقة الخديوي توفيق مع مجموعة طلاب لدراسة القانون بفرنسا، فتأثر بالإحتكاك مع الثقافة الشرقية و التقدم الإجتماعي الغربي، و تفتق تفكيره السياسي بالمشاركة في تكوين ''جمعية التقدم المصري'' المشتغله بمناهضة الإحتلال الإنجليزي لمصر، و عند عودته كان ''الخديوي عباس حلمي الثاني'' تولى حكم مصر، و اشتهر برفضه للتدخل الإنجليزي، فأسبغ ''شوقي'' في مدحه شعرا و كلاما. موقفه السياسي الموال لحاكم رافض للإحتلال، دفع السلطات الإنجليزية لنفيه إلى ''أسبانيا'' عام 1915، و هناك أبدع في وصف لوعة شوقه و حرمانه الوطن، فشارك بكثافة في تنظيم مؤتمرات و حلقات شعر لعرض القضية بطريقته الشعرية و الادبية، حتى عاد عام 1920 بعد اشتعال ثورة 1919 الشعبية و الإندفاع في طريق مطالب الإستقلال. بخلاف إبداعه الأشهر على الإطلاق ''ديوان شوقيات'' صاحب الأجزاء الأربعة، يعد شوقي أول من أنتج ''المسرحية الشعرية – الأوبرا'' بشكلها الناضج الحالي،فكانت ''مصرع كليوباترا، مجنون ليلى، قمبيز، عنترة''، و المسرحية الهزلية الكوميدية ''الست هدى''، و برع في اختيار الجمل الكلامية المتوائمة مع الجمل الموسيقية، كما كانت له تجارب مبدعة في الروايات النثرية، فكتب ''عذراء الهند، لا دياس، أسواق الذهب''، كذلك نشرت له عدة مقالات ، و شملت موهبته ''الكتابة للأطفال'' بتأليف قصص شعرية على لسان الحيوانات، و هو أيضا أشهر من مدح ''الرسول محمد'' في قصائده متأثرا بتربيته الدينية و القومية الإسلامية تحت مظلة الخلافة العثمانية. في عام 1927 بايعه الشعراء ''أميرا للشعر العربي''، و عاش متوجا على عرش الشعر و الحياة الأدبية و الثقافية في مصر و الوطن العربي، يجمع في صالونه نخبة مفكري و فناني و مثقفي مصر، كما تعهد موسيقار الاجيال ''محمد عبد الوهاب'' بالرعاية في شبابه. تأتي النهاية في 13 ديسمبر 1932، و يفارق الحياة في هدوء عن عمر 64 عاما، و يشيع في جنازة مهيبة بين دفئ وسط ثقافي راقٍ أحبه، و نخبة سياسية احترمت آراءه، و جماهير عشقوا شعره و كتاباته.