يقيم أحمد شوقي اليوم في السابعة مساءً احتفالية كبرى برعاية د/ صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية بمناسبة مرور ثمانين عامًا على رحيل أمير الشعراء أحمد شوقي و يشارك في الحفل الشعراء الكبار فاروق شوشة ، حسن طلب ، أحمد عبد المعطي حجازي ، أحمد سويلم ، محمد عبد المطلب و محمد سليمان بجانب فقرة إلقاء للطفل عبد الرحمن شوقي و فقرة غنائية لأشرف علي يغني فيها روائع شوقي. ولد أحمد شوقي بحي حنفي بالقاهرة يوم 16 أكتوبر 1868 لأصول كردية و يونانية و شركسية ما بين الأب و الأم و كانت جدته لأمه إحدى وصيفات الخديوي إسماعيل و هي يونانية ورث عنها شوقي البلاغة و الفصاحة و حسن التذوق و التي جعلته ينشد في الطفولة قصيدته الشهيرة: مصر العزيزة لي وطن و هي الحمى و هي السكن و هي الفريدة في الزمن و جميع ما فيها حسن لسمائها الصيت البعيد و لأرضها الخصب المزيد و لنيلها الوافي السعيد كل الآيادي و المنن. ألتحق شوقي في الرابعة من عمره بكتاب الشيخ صالح فحفظ قدرًا من القرآن و تعلم مباديء القراءة و الكتابة ثم ألتحق بمدرسة المبتديان الإبتدائية التي أظهر فيها تفوقًا و نبوغًا ملحوظًا كوفيء عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة و أخذ ينهل من دواوين كبار الشعراء ليبدأ نهره الشعري في الجريان. ألتحق شوقي بمدرسة الحقوق و هو في السابعة عشر من عمره عام 1885 و ألتحق بقسم الترجمة التي أنشئت حديثًا في تلك المدرسة و بدأت قريحته الشعرية تتوهج حينما تبناها أستاذه الشيخ محمد بسيوني الذي تنبأ ببزوغ شمس شاعر كبير في المستقبل. سافر شوقي إلى فرنسا على نفقة الخديوي توفيق و التي تعد بمثابة نقطة تحول في قريحة الشعر لدى شوقي و التي دعمها بجانب التراث العربي بالإطلاع على التراث الغربي في فرنسا بلد ألفريد دي موسيه و لامارتين و فيكتور هوجو و فولتير و التي أكسبت شوقي ثقافة واسعة ساهمت في أن يكون رائدًَا من رواد مدرسة (الإحياء و البعث) التي تأسست على يد رب السيف و القلم الشاعر الكبير محمود سامي البارودي و نضجت تلك المدرسة بوفود شوقي و حافظ إبراهيم و عائشة التيمورية و مصطفى صادق الرافعي و علي الجارم حيث قاموا بالمزج بين الشرق و الغرب شعرًا و ساهموا في إيقاظ الشعر العربي من سبات قرنين من الزمان في العصرين المملوكي و العثماني. ساهم شوقي مع زملاء البعثة الطلابية بباريس بتأسيس (جمعية التقدم المصري) التي تعتبر أحد أشكال العمل الوطني ضد الإنجليز وكانت تجمعه صداقة وطيدة بالزعيم مصطفى كامل حيث جمعت بينهما الأقدار ليكونا أمل الأمة في مشروع النهضة المصرية سياسةً و أدبًا. عند عودة شوقي من فرنسا كانت قصائده تتجه نحو الخديوي عباس حلمي الثاني بالمدح و الإطناب أولاً لأنه ولي نعمته و ثانيًا الأثر الديني الذي وجه الشعراء نحو الخلافة العثمانية بأنها خلافة إسلامية تستوجب الدفاع عنها و هذا ما كان يدعو إليه أيضًا الزعيم مصطفى كامل. بسبب هذا الإنتماء للخديوي قام الإنجليز عام 1914 بعد نشوب الحرب العالمية الثانية بعزله من الحكم و حل محله عمه السلطان حسين كامل و نُفي الخديوي عباس حلمي الثاني في جنيف و نُفي شوقي عام 1915 بما أنه من الحاشية بأسبانيا حيث أختار منفاه لكي يكون بين أطلال الحضارة العربية هناك و لكي ينهل من ماضيها الغابر أريحية الشعر و الإبداع حيث أطلع على كنوز الأدب العربي و الحضارة الأندلسية إلى جانب تعلمه للغة الإسبانية و إطلاعه على الآداب الأوروبية التي أثقلت فيضه الشعري و أنضجت من قصائده التي ترنم بها في مناسبات مختلفة تمر بها البلاد ما بين صعود و هبوط ، إنتصار و إنكسار من خلال تعلق قلبه بالوطن و أحواله في منفاه عبر القصيدة الشعرية. عاد شوقي من منفاه عام 1920 و أستقبله الشعب استقبالاً حافلاً في ميناء الأسكندرية مما أدى إلى أن يتحول عبر هذا الاستقبال من شاعر للقصر إلى شاعر للشعب و ليكون رمزًا من رموز النهضة المصرية التي ولدت بربيع ثورة 1919 و ليخرج لنا أروع القصائد التي تشدو بمصر و تاريخها الحافل عن رؤية واضحة و فهم عميق للتاريخ و اعتزاز قوي بدين الله الحنيف الإسلام. ساهم أحمد شوقي في اكتشاف محمد عبد الوهاب الذي وضعه على السلم من بدايته حيث كان بمثابة البوصلة نحو الخلود بالتثقيف و التدقيق في اختيار المناسب من الكلمات و الأشعار الهامة التي تضع عبد الوهاب قرينًا و ندًا لزملائه في المجال الموسيقي و سافر معه لباريس لكي يضطلع على الفنون الأوروبية و أحضر له معلمًا علمه الفرنسية ليزيد من إدراكه الفني و الإنساني ، كتب شوقي القصيدة العامية من أجل عبد الوهاب مثل: النيل نجاشي التي غناها في فيلم (الوردة البيضاء) عام 1933 و (بلبل حيران). في عام 1927 كانت هناك مبايعة من نوع خاص قام بها شعراء العربية باختيار (أحمد شوقي) أميرًا للشعراء و أنشد صديقه شاعر النيل (حافظ إبراهيم) قصيدة (أمير القوافي) تحية و تهنئة لشوقي على تلك البيعة التاريخية. أسس شوقي المسرح الشعري في الأدب العربي حيث أنتج مسرحيات شعرية تعد كنوزًا زاخرة في المكتبة العربية مثل (قمبيز – عنترة – علي بك الكبير – مجنون ليلى – الست هدى – البخيلة – شريعة الغاب) و ألف مسرحية نثرية بعنوان (أميرة الأندلس) و قيل أنه كان يخطط لعمل رواية عن محمد علي باشا و لكن لم يمهله القدر. أختير أحمد شوقي رئيسًا لجماعة أبولو الشعرية التي أسسها د/ أحمد زكي أبوشادي في سبتمبر 1932 و عُقدت أول جلسة للجماعة لوضع أسسها يوم 10 أكتوبر 1932 بمنزل أحمد شوقي (كرمة ابن هانيء) بالجيزة و كان الاجتماع الأول و الأخير لشوقي حيث وافته المنية فجر الجمعة يوم 14 أكتوبر 1932. رحل شوقي بجسده و لكنه باقٍ بأعماله و قصائدة و دواوينه الرائعة التي مجدت لمصر في الفترة الفرعونية و الإسلامية و الحديثة ك(أسواق الذهب – دول العرب و عظماء الإسلام – الشوقيات في أربع أجزاء) إلى جانب ضم الشاعر محمد السربوني قصائده التي لم تضم في شوقياته و صنع منها ديوانًا من مجلدين باسم (الشوقيات المجهولة) إلى جانب أعماله الروائية التي كتبها في شبابه (عذراء الهند – لادياس آخر الفراعنة – ورقة الآس – شيطان بنتاءور – دل و تيمان) إلى جانب ريادته في شعر الأطفال حيث القصص الشعرية التي تروى على لسان الحيوانات و التي أقتبسها من شعر الأطفال على لسان الحيوانات للشاعر الفرنسي (ألفريد دي موسيه). توفي شوقي يوم 14 أكتوبر من عام 1932 بعد انتهائه من نظم قصيدة وطنية عن مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر لإحداث نهضة صناعية و كانت وفاته قبل عيد ميلاده بيومين اثنين لتذهب روحه للسماء و يدفن بجسده و يبقى بشعره ليظل عن جدارة أميرًا للشعراء.