لا تقلق.. لن يصلك الضرب بعد الآن؛ فأنت بعيد عن محيط شارع ''محمد محمود''؛ حيث تحدث المناوشات بين الشرطة والمعتصمين بميدان التحرير، وكلما ابتعدت عن محيط ''محمد محمود'' واتجهت ناحية ميدان التحرير ومسجد "عمر مكرم"، اطمأنت نفسك أكثر أنك بعيد عن بطش "قنابل الغاز" و"الطوب" . بعد قليل من السير باتجاه "عمر مكرم"، قد تجد قليل من الهرج والمرج قريبا من ميدان "سيمون بوليفار"، لكنك لا تعبأ بهذا، معتقدا أنها "خناقة " أو شيء من هذا القبيل، حتى تسمع صوت ارتطام عالي وترى سحابة "الدخان" والناس تجري باتجاهك فتفهم على الفور أن المناوشات انتقلت "بقدرة قادر" إلى ميدان " سيمون بوليفار" . وأن " قنابل الغاز" على كثرتها أحيانا وقلتها أحيان أخرى؛ فهي تجعل الناس يركضون تجاه ميدان التحرير، حتى أن المصلين في مسجد "عمر مكرم" لم يسلموا من الغاز المسيل للدموع، ولكنك تسأل نفسك من هو "سيمون بوليفار" الذي أصبح الميدان المسمى باسمه المعقل الثاني للثوار بعد "محمد محمود". "سيمون بوليفار".. هو الرجل الذي أنشأ دولة "كولومبيا الكبرى" التي لم تعد موجودة الآن، وساهم في تحرير العديد من دول أمريكا الجنوبية مثل "كولومبيا" و"فنزويلا" و"الإكوادور"، بعد أن احتل الاستعمار الإسباني هذه الدول في القرن السادس عشر. "بوليفار" الذي وُلد في مدينة "كاراكاس" عاصمة " فنزويلا " عام 1783، تأثر خلال دراسته العسكرية بالفلسفة التي تركت أثرا عميقا فيما بعد بشخصيته؛ حيث سافر إلى "فرنسا" واقتنع بآراء بعض العلماء الذين قالوا له أن المستعمرات الإسبانية مستعدة للتحرر، فراقت له الفكرة وقرر أن ينفذها. عاد "بوليفار" إلى "فنزويلا" وتآمر على السلطة الإسبانية الحاكمة آنذاك واستطاع بعدها أن يقصي السلطة الإسبانية عن الحكم ويحرر "فنزويلا" ويقيم فيها حكما عسكريا . في العام 1811 أعلن المجلس الوطني استقلال "فنزويلا" فانخرط "بوليفار" في الجيش تحت قيادة "فرانسيسكو ميراندا" وأصبح عقيداً ثم عميداً، إلا أن " إسبانيا" لم تعتبر نفسها مهزومة فقامت بهجوم مضاد على "فنزويلا" مما دفع "ميراندا" إلى توقيع الهدنة معها عام 1812. خرج "بوليفار" من بلده بعد الهدنة ذاهبا إلى "غرناطة " أو كولومبيا حاليا، وأعدّ مجموعة أخرى من الجنود لتحرير "فنزويلا" من الاستعمار الإسباني، و بالفعل استطاع تحريرها مرة أخرى ودخل "كاراكس"، وتم تلقيبه ب"المحرر"، ولكنه أقام حكم صارم قائم على العنف ضد المعارضة؛ فحدثت حرب أهلية و استغلت "إسبانيا" ذلك واستعمرت "فنزويلا" للمرة الثالثة، فيما هاجر "بوليفار" إلى "غرناطة" مرة أخرى. بمجرد ذهابه إلى "غرناطة " التي كانت محتلة أيضا آنذاك من قبل "إسبانيا"، فقد كوّن جيشا ثوريا صغيرا واستطاع به أن يحرر "غرناطة"، واستسلمت له الجيوش الإسبانية وتم إعلان دولة جديدة اسمها "كولومبيا" وتم إعلانه حاكما عسكريا ديكتاتورا لها. إلا أن "الإكوادور" و"فنزويلا" ظلتا تحت يد الأسبان؛ فقاد حملات أخرى ما بين عامي 1821 و 1822 لتحريرهما من سيطرة "إسبانيا" واستطاع ذلك بالفعل عدا "بيرو" التي ظلت في يدهم حتى حررها "بوليفار" عام 1824، ولم يتبق من "بيرو" إلا منطقة واحدة غير محررة؛ حيث استطاع مساعد "بوليفار" تحريرها بعد أقل من عام وتم تسميتها "بوليفيا" نسبة إلى "بوليفار". "بوليفار" الذي تُوفي عام 1830، اسمه يتردد حتى الآن في أمريكا الجنوبية على أنه "المحرر" و"الثوري" الذي لولاه ما كانت أمريكا الجنوبية قد قامت كما نعرفها الآن.