''السلاح الاقتصادي''.. الوسيلة التي تستخدمه الدول الغربية كبديلاً عن السلاح العسكري لمواجهة إيران وإدارة الصراع معها، من أجل الضغط عليها لكي تتراجع عن برنامجها النووي، وعلى الرغم من تأكيد إيران أنها تستحدم هذه الطاقة من أجل أغراضة سلمية إلا أن هذه الدول مازالت تصر على سعي إيران لإمتلاك قنبلة نووية. وهددت إسرائيل - التي تمتلك عشرات من الأسلحة النووية -، بتوجيه ضربة عسكرية لإيران لمنعها من حيازة مستوى معين من القدرة النووية، ودعت المجتمع الدولي على إرغام طهران على التخلي عن برنامجها النووي وسعيها لصنع القنبلة، على الرغم من تأكيد إيران من سلمية برنامجها تاريخ العقوبات الغربية على إيران بدأت الدول الكبرى في فرض هذه العقوبات عام 2006 بعد أن فشلت محادثات عديدة مع ايران ووكالة الطاقة الذرية في ثنيها عن تخصيب اليورانيوم، حيث أصدر مجلس الأمن في ديسمبر2006 كل الدول الأعضاء لمنع إمدادات وبيع أو نقل كل المواد والمعدات والبضائع والتكنولوجيا التي يمكن أن تساهم في الأنشطة المتعلقة بالتخصيب أو المياه الثقيلة. وفي مارس2007 أصدر المجلس منع التعامل مع البنك الإيراني الحكومي ''سيباه'' و28 شخصًا ومنظمة أخرى معظمها مرتبط بالحرس الثوري الإيراني، ونصت قرارات مجلس الأمن كذلك على منع واردات الأسلحة إلى إيران وتقييد القروض الممنوحة لها. وفرضت الولاياتالمتحدة خلال الشهر الجاري 2012 حزمة إضافية كبيرة من العقوبات على إيران تطال وزارتي الاتصالات والثقافة، فيما فرضت في 13 يناير عقوبات ضد مؤسسات صينية التي وصفتها واشنطن بأنها أكبر مزوّد لإيران بالمنتجات البترولية. كما شدد الاتحاد الأوروبي عقوباته ضد إيران مستهدفاً التعاملات المالية وقطاعي الاتصالات والطاقة بشكل خاص، حيث قرر الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعه في الشهر الماضي استهداف قطاع الاتصالات لأول مرة، وفرض حظر مبدئي على التعاملات المالية بين المصارف الأوروبية والإيرانية. وحظر كمية محدودة من واردات الغاز الإيراني يضاف إلى الحظر الكامل على استيراد النفط الإيراني المطبق منذ يوليو، كذلك تم حظر تصدير المواد التي يمكن أن تستخدم في برامج نووية وبالستية إيرانية مثل الألومينيوم وتجميد أصول حوالي 30 شركة جديدة خاصة في المجال المصرفي والقطاع النفطي، ويعتبر حظر استيراد النفط وفقاً للعيديد من الخبراء هو الأشد من بين هذه العقوبات. النفط الإيراني: يعتمد اقتصاد إيران بشكل كبير على تصدير النفط والغاز، وتحتل إيران المرتبة الثانية في العالم في احتياطي الغاز الطبيعي، والمركز الثالث في احتياطي النفط، وكان الاتحاد الأوروبي يستورد قبل تنفيذ الحظر الكامل 20% من النفط الإيراني، بينما يحتل السوق الآسيوي أكثر المستخدمين للنفط الإيراني بنسبة 70%. وبعد فرض العقوبات لمحاصرة إيران نفطياً خفضت أكبر مشتري لنفط إيران وهي الهند 38% من استيرادها للنفظ، والصين 20% واليابان 46% وتركيا 10% . تأثير العقوبات على إيران: تشير العديد من التقارير أن الاقتصاد الإيراني تضرر بشدة جراء العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة بسبب البرنامج النووي الإيراني، حيث أدت العقوبات إلى تراجع صادرات النفط الخام في يونيو إلى أدنى مستوى لها خلال 20 عاماً، كما هوى سعر الريال الإيراني إلى مستوى منخفض عند حدود 25 ألف ريال مقابل دولار واحد، أي أقل من نصف القيمة التي سجلها قبل عام. وقال صندوق النقد الدولي في بيان له، إن الاقتصاد الإيراني عرف انكماشاً ضئيلاً في 2012 بفعل الحظر الغربي على صادرات خام طهران والذي شملت آثاره العديد من القطاعات، وسط ضغوط تضخمية داخل إيران. وتشير بيانات النقد الدولي للشهر الماضي إلى أن اقتصاد إيران انكمش بنسبة 0.9% خلال 2012، ويتوقع أن يسجل نمواً طفيفاً العام المقبل بنسبة 0.8%، وكان هذا الاقتصاد قد نما العام الماضي بنسبة 2% وبنسبة 5.9% في 2010، ويرجع هذا التراجع إلى انخفاض إنتاج إيران للنفط وامتدت تداعيات هذا التأثير لباقي القطاعات الاقتصادية. وتوقع صندوق النقد أن صادرات إيران النفطية تقلصت إلى 1.25 مليون برميل يومياً خلال العام الجاري مقابل 2.14 مليون برميل العام الماضي. واعتبر أن الاقتصاد الإيراني يظل متنوعاً ولا تشكل فيه حصة النفط نسبة كبيرة جداً مقارنة بمصدرين آخرين للنفط، حيث تسهم الزراعة بنسبة 10% في الناتج المحلي الإجمالي والصناعة بما فيها النفط بنسبة 40% ويحتل قطاع الخدمات نسبة 40%. كما أوضح تقرير آخر أن الاقتصاد الإيراني يتكبد خسائر تتجاوز 3 مليارات دولار شهرياً بسبب العقوبات. رد إيران على هذه العقوبات اعترف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بتأثير العقوبات الدولية على الاقتصاد قائلاً: ''إن التراجع الكبير للعملة الإيرانية حالياً سببه العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على طهران''، مضيفاً ''هناك حرب نفسية تواكب الضغوط الدولية الخارجية''، فيما نفى نجاد وجود نقص في العملة الصعبة في السوق الإيراني''. فيما تشير بعض البيانات الاقتصادية أن إيران تحقق في المقابل نتائج إيجابية وكأنها تعكس حالة من التكيف مع هذه العقوبات، حيث أوضحت وكالة الأنباء الإيرانية ''فارس،'' أن إيران حققت خلال ال7 أشهر الماضية تبادلات تجارية وصلت قيمتها إلى 56 مليار دولار، وذلك رغم العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية. كما قال مندوب إيران الدائم في منظمة أوبك محمد علي خطيبي إن صادرات بلاده من النفط ظلت مستقرة في الأشهرالأخيرة نافيا تقريرا من وكالة الطاقة الدولية بأن إيران تواجه صعوبات لاحتواء انخفاض في مبيعاتها من الخام، وكانت الوكالة قدرت في تقرير أن صادرات إيران النفطية قد تراجعت إلى مستوى منخفض جديد. وعلى الرغم من التأكيدات أن الاقتصاد الإيراني يتعرض لحالة من الانكماش والتضخم نتيجة العقوبات المفروضة، إلا أن السياسة الخارجية الإيرانية ظلت كما هي ولم تتراجع عن برنامجها النووي، حيث توقع تقرير صادر عن المعهد الدولي للعلوم والأمن، بأن تتمكن إيران من حيازة سلاح نووي بعد حوالي عام، وقال إن إيران قادرة على تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لامتلاك قنبلة نووية بمجال شهرين إلى 4 أشهر وستكون بعدها بحاجة إلى 8 إلى 10 أشهر لصنع السلاح النووي. كما أن لهجة الخطاب الإيراني لم تتغير، فنجد أن وزير النفط الإيراني رستم قاسمي قال أمس الأربعاء، أن العالم لا يمكنه أن يستغنى عن نفط إيران بسبب جودته وتأثيره المباشر على أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية، وأنه يتمتع بتأثير متميز في الاقتصاد العالمي. وشدد وزير النفط الإيراني على أن العقوبات المفروضة على بلاده ستخلق مشاكل للجميع، قائلاً ''إن الغرب يعمل على فرض العقوبات على إيران بصوره مبرمجة، ولكن رغم مرور عدة أشهر على فرض العقوبات النفطية الغربية إلا أننا نعيش أجواء أفضل من ذي قبل. يأتي هذا وسط تأكيد آية الله خامنئي أن بلاده أصبحت أقوى من ذي قبل، قائلاً: ''الأمة الإيرانية وقفت أمام كل المؤامرات والعقوبات وتقدمت إلى حد أننا أصبحنا اليوم أقوى 100 مرة مقارنة بما كنا عليه قبل 30 عاماً''. خبير يقول أحمد قورة، خبير اقتصادي، ورئيس البنك الوطني السابق، ''حتى الآن يتضح أن إيران ستتحمل فرض العقوبات، بالإضافة إلى ذلك أن هناك مبالغة في كلام الإعلام، فالدبلوماسية فن الكذب وظاهر القول غير باطنه، فإلى الآن النظام الإيراني الحاكم شبة قادر على عبور الأزمة ولم يتراجع''. وأرجع قورة ذلك إلى أن إيران من الدول المصدرة للنفط، ومن الممكن أن تفتح لها أبواب خلفي للتصدير سواء إلى الصين أو غيرها، قائلاً'' فلن يستطيع عمل حصار مع وجود موارد لديها، الناس تلهف على البترول وسيتم ايجاد مخارج غير معلنة''. وأضاف أنه من الواضح أن المجتمع الدولي وخاصة أمريكا يسعيان إلى التهدئة مع غيران في الوقت الحالي، بعد تصريحات الرئيس الأميركي باراك اوباما أمس الأربعاء، التي اكد فيها أن الولاياتالمتحدة لن تسمح لإيران بتطوير سلاح نووي، ولكنه قال إنه يعتزم الدفع بصورة أقوى لحل دبلوماسي لتلك الأزمة، قائلاً''إنه يجب أن تكون هناك وسيلة لإيران لاستخدام الطاقة النووية السلمية وأن تعيد التاكيد للمجتمع الدولي إنها لاتسعى لإنتاج سلاح نووي''. وأضاف:''ولكنني أعتقد إنه من العدل أن نقول إننا نريد حل هذه المسالة وإن التفاصيل الدبلوماسية أو البروتوكولات لن تكبلنا، فإذا كانت إيران جادة بشأن رغبتها في حل هذه المسألة فإنها ستكون في موضع يمكنها من حلها''. الخطوط الخلفية لإيران: قال تجار أوروبيون إن المؤسسة الإيرانية الحكومية لتجارة الحبوب اشترت سراً نحو 400 ألف طن من قمح الطحين معظمها من الاتحاد الأوروبي ومنطقة بحر البلطيق ومنطقة البحر الأسود. وفيما يتعلق بتصدير النفط، تقول تقارير إعلامية أن إيران تلجأ إلى طرف التفافية للوصول إلى الأسواق العالمية مثل تغير أسماء ناقلتها النفطية وتسجيلها في دول إفريقية، كما تشير التقارير أن شركات خاصة غامضة تقوم ببيع النفط الخام الإيراني بخصومات كبيرة إلى تجار نفط أوروبيين، ويقول التجار الذين يشترون النفط الخام لحساب المصافي الأوروبية إنهم يتلقون يوميا اتصالات هاتفية تعرض عليهم الخام الإيراني وأحيانا تصاحبها وعود بتقديم وثائق مزيفة تظهر أن الخام من منشأ مختلف. وأوضحت بعض التقارير أن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني وضعت مشروع قانون في شهر يوليو الماضي، يدعو إيران إلى محاولة منع مرور شحنات النفط الخام من مضيق هرمز إلى الدول التي تدعم العقوبات المفروضة عليها. يذكر أن بداية العقوبات الأميركية على إيران، كانت عقب اقتحام الطلاب الإيرانيين سفارة الولاياتالمتحدة في طهران واحتجازهم دبلوماسيين رهائن عام 1979، وتوالت العقوبات الأمريكية منذ ذلك الوقت إلى الآن.