بعد أربع سنوات من إطلاق ''مشروع علاء الدين'' من قبل منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، يعتقد خبراء أن المشروع الذي يهدف إلى إقامة جسور بين الثقافات والأديان ونبذ ظاهرة معاداة السامية، ربما تواجهه بعض الصعوبات بسبب تنامي تيارات دينية متشددة في دول الربيع العربي. فرغم الخطوات التي يقطعها مشروع علاء الدين في ترسيخ قيم التسامح ونبذ ظاهرة اللاسامية في العالم الإسلامي وأوروبا، يعتقد خبراء أن العقبات التي تواجه المشروع ربما تكون ذات أبعاد مركبة.
فهو من ناحية، يركز على العالم العربي والإسلامي حيث توجد محاولات مستمرة للتشكيك في الهولوكوست، المحرقة التي تعرض فيها ملايين اليهود للإبادة، إبان الحرب العالمية الثانية على يد الحكم النازي.
ومن ناحية أخرى، يلقي الصراع العربي الإسرائيلي بتداعياته السلبية على مثل هذه المشاريع ويؤجج النزعات المتشددة بدلا منها.
ويعتبر تنامي نفوذ التيارت الإسلامية المتشددة في دول الربيع العربي تحديًا جديدًا أمام القائمين على مشروع علاء الدين، سواء الأممالمتحدة أو الدول والشخصيات والمؤسسات غير الحكومية النشيطة في هذا الحقل.
وفي حوار مع (دويتشه فيله) يرى منصف وناس، عالم الاجتماع التونسي، أن "المرحلة الانتقالية التي تعيشها دول الربيع العربي، مثل تونس ومصر، تتسم بكثير من الارتباك والتوتر وعدم الاستقرار، وهو مناخ يشجع ربما على ظهور تعبيرات متشددة وعدم التسامح أحيانًا".
لكن الخبير التونسي يعتقد أن الأحزاب الاسلامية الحاكمة في تونس ومصر مثلًا، لا يبدو في أجندتها ما يبعث على القلق بخصوص تشجيع مظاهر اللاسامية، بيد أنه أشار في نفس الوقت إلى تنامي أنشطة جماعات سلفية متشددة في هذه المجتمعات.
وبرأي آبيه رادكين، مدير مشروع "علاء الدين"، فإن حراك الربيع العربي يشكل زخمًا للديمقراطية والتقدم في العالم العربي.
وأوضح رادكين في حوار مع (دويتشه فيله) أن "حراك الربيع العربي لن يكون عائقًا حقيقيًا أمام تحقيق مشروع علاء الدين لأهدافه". "المشروع حقق إنجازات" يقوم مشروع علاء الدين على فكرة التقريب بين الثقافات والأديان ودعم قيم احترام الآخر والتسامح في برامج التعليم والثقافة، من خلال التركيز على نبذ مظاهر التطرف والتعصب والعنصرية ومعاداة السامية.
وقد شهد مقر البرلمان الفرنسي في باريس هذا الأسبوع، تظاهرة سياسية ثقافية ضخمة سعت لإعطاء زخم جديد للمشروع الذي أطلق من قبل اليونسكو، بدعم كل من الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك والعاهل المغربي الملك محمد السادس والمستشار الألماني السابق غيرهارد شروودر والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، والأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي في الأردن والأميرة البحرينية هيا.
ورغم قصر مدة تنفيذ المشروع فقد جمع حوله، كما يؤكد مدير المشروع، آلاف المثقفين وصناع القرار واستقطب اهتمام حوالي 400 ألف من مستخدمي الانترنت.
ويتم تجسيد مشروع علاء الدين في ميادين التعليم والثقافة، عبر نشر مؤلفات وترجمة أعمال أدبية مثل "دفاتر آنا فرانك" التي كتبت في أيام محنة اليهود في الهولوكوست خلال الحرب العالمية الثانية بألمانيا، بالإضافة إلى أعمال فنية مثل الأفلام والمعارض الثقافية في عشرات المدن في العالم الإسلامي وأوروبا.
وتجرى الاستعدادات لإقامة فعاليات ثقافية في السابع والعشرين من يناير العام لمقبل، لتخليد ذكرى واقعة الهولوكوست، وسيتم خلالها التركيز على قيم التسامح بين الإسلام واليهودية.
وخلال العام المقبل سيتم توسيع فعاليات مشروع علاء الدين عبر المشاركة في معارض دولية للكتب بالقاهرة والدار البيضاء واستنبول ولندن وأبوظبي وتونس، وستنظم بموازاة مع تلك المعارض لقاءات فكرية وحوارات بين مثقفين ومؤرخين من مشارب ثقافية متعددة.
تحديات الربيع العربي وتتباين آراء الخبراء حول حقيقة التحديات والصعوبات المطروحة أمام هذا المشروع في الدول العربية وخصوصًا تلك التي يتنامى فيها نفوذ التيارات الإسلامية.
فبينما تسجل هيئات إنسانية أوروبية ودولية حوادث اعتداءات في أوروبا والعالم العربي، تحركها نزعات عنصرية وتعصب ومعاداة للسامية.
يقلل عالم الاجتماع التونسي منصف وناس، من حجم تلك الظواهر رغم اعترافه بخطورتها، وبرأيه يمكن تفسير أسبابها في سياق المرحلة التي يجتازها حاليا العالم العربي.
إذ يعتقد ونَاس أن "العالم العربي يجتاز فترة انتقالية فيها الكثير من التوتر والارتباك وعدم الاستقرار وهو مناخ يشجع ربما ظهور بعض التعبيرات المتشددة، وعدم التسامح أحيانا، وعدم قبول الآخر والميل إلى عدم احترام الغيرية (الآخر)". ويبدي وناس شكوكه حول حقيقة انتشار ظاهرة معاداة السامية في المدارس قائلًا "على الأقل لم ألمس ذلك في تونس".
وفي رده على سؤال حول الصعوبات التي قد تواجه مشروع علاء الدين بالنظر لبعض مظاهر التشدد في سياق الربيع العربي، قال آبيه رادكين مدير مشروع علاء الدين باليونسكو "نحن رحبنا وأشدنا بالحركات السياسية المطالبة بالحرية التي شهدها جزء كبير من العالم العربي، وبتطلعات شعوب هذه الدول للديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم".
وشدد الخبير الدولي على أهمية "الدور الذي لعبه الشباب في هذا الحراك، وأنه سيكون عاملًا أساسيًا في أن تجد هذه المجتمعات مسارها نحو مستقبل أفضل".
وقال رادكين إن أهداف مشروع علاء الدين، المتمثلة في إقامة السلام والتعايش بين الشعوب من ثقافات ومعتقدات مختلفة، "ستتحقق على المدى الطويل فقط عبر التربية ونشر المعرفة المتبادلة بين العوالم المتباينة".
وأعرب عن اعتقاده بأن "كل بلد وكل مجتمع سيجد طريقته الخاصة به لتحقيق التقدم، لهذا فنحن لا نعتبر أن تغيرات سياسية من هذا النوع قد تشكل عائقًا حقيقيًا أمام تحقيق أهدافنا".
وحول رأيه بخصوص تأثير صعود أحزاب إسلامية للحكم بعد الربيع العربي على تزايد ظاهرة معاداة السامية، أوضح منصف وناس، إن "منطقة الشرق الأوسط تشهد غليانًا وتوترًا وظروفًا صعبة وعدم تسامح، وهي بيئة ترافق الفترات الانتقالية، بما تحمله من تشدد وميل للعنف والتوتر". وقارن هذه التطورات بمراحل الانتقال الديمقراطي التي اجتازتها كل من إسبانيا وفرنسا والبرتغال، ولكنه أعرب عن أمله بأن "لا يطول و أن لا ينتج ظواهر متشددة مثل معاداة السامية والسلفية المتشددة وغيرها".
واستبعد ونَاس أن يكون لصعود الإسلاميين للحكم في مصر وتونس "تأثيرًا كبيرًا على انتشار ظاهرة معاداة السامية".
وأوضح عالم الاجتماع التونسي أن تلك الحكومات تواجه تحديات ومشاكل كبيرة "إنها تواجه توترات واحتجاجات واعتصامات وإضرابات يومية لذا فلا أعتقد أن هذه الحكومات مشغولة بمسألة معاداة السامية، إنها غارقة في تسونامي من المشاكل والاحتجاجات لا تعطيها فرصة لمسألة المعاداة ربما هناك فئات اجتماعية مسيَسة ومتشددة لكن الحكومات لا".
عائق النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ويعتقد الخبير التونسي، أن النزاع العربي الإسرائيلي يغذي التطرف وعدم التسامح في المنطقة، ويرى أن المشروع والفكرة "في عمومها وفي إطارها النظري جيدة، ولا أعتقد أن هناك من يرفضها".
وأضاف أن المشكلة تكمن في "الواقع المعيشي للفلسطينيين الذي يمر بظروف صعبة، فحقوقهم تنتهك، وهذه بيئة لا تساعد على التسامح" موضحًا أن "التسامح يأتي بالدرجة الأولى من المحتل بينما الأخير لا يعطي أدنى فرصة أو علامة بسيطة عن هذا التسامح".
وبرأي المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، فإن "تجفيف منابع التعصب، يمر عبر إقامة أمن سياسي واجتماعي وثقافي ومادي في العالم، وأن نبذل كل ما بوسعنا من أجل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط".
وفي خطاب ألقاه أمام مئات من المثقفين وصناع القرار و نشطاء المجتمع المدني في مقر الجمعية الوطنية (البرلمان) في باريس الأسبوع الحالي، شدد شرودر على ضرورة "إيجاد حل دائم للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني"، معتبرًا أن هذا الصراع يشكل "أكبر معضلة عالمية" ويلقي بتداعياته السلبية على بلدان أخرى مثل العراق و أفغانستان وإيران وسوريا.
وأضاف أن "تسوية هذا النزاع سلميًا مهم جدًا لنا كأوروبيين لأنه يجري في منطقة مجاورة ويشكل تهديدًا مباشرًا على أمننا".
وأبرز المستشار الألماني السابق، في هذا الصدد، أن لألمانيا مسؤولية تاريخية تحتم عليها الاضطلاع برسالة خاصة، ولأجل ذلك يعتبر "حق إسرائيل في الوجود كدولة ذات سيادة وحدود آمنة وموثوقة، يشكل حجر زاوية في السياسة الخارجية الألمانية" مضيفًا أن "أي تسوية سلمية تقتضي الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة".
ومن جهته، يرى عالم الاجتماع التونسي منصف وناس، أن "أول شرط من شروط إنجاح ثقافة التسامح هو العمل على نزع فتيل التوترات وخلق بيئة مستقرة".
وأوضح أن "العالم العربي برمته مغربًا ومشرقًا شمالًا و خليجًا يمر اليوم بتوترات وصراعات كبيرة نأمل أن لا تنعكس على التسامح ونتمنى أن ينتصر منطق التسامح والتعايش على منطق الصراع و التوتر".