تطالب إسرائيل مواطنيها بالكثير، فهي تلزم رجالها بأداء الخدمة العسكرية في صفوف الجيش لمدة ثلاثة أعوام وتلزم النساء بالخدمة عامين، ثم يؤدي الرجال شهرا من التدريبات العسكرية ضمن قوات الاحتياط سنويا وذلك حتى سن 42 عاما. كما أن الأعباء الضريبية على المواطن الإسرائيلي ثقيلة بسبب النفقات العسكرية المرتفعة، غير أن إعفاء جزء من المجتمع من هذه الالتزامات الوطنية، اليهود الأصوليين، يثير غضبا في صفوف المواطنين. الكثير من هؤلاء المتشددين دينيا المعروفين في إسرائيل بالحريديم، يفضل التخصص في دراسة التوراة، وهذا هو السبب وراء إعفائهم من الخدمة العسكرية عام 1948. غير أن هناك أسبابا عملية أخرى وراء هذا الإعفاء حيث يخجل الحريديم على سبيل المثال من التعامل في الجيش مع النساء الأجنبيات اللائي لا تربطهم بهن علاقة زواج أو قرابة. كما أنه من الصعب الالتزام بقواعد دينية أخرى في ظل الحياة العسكرية اليومية. ولكن هناك على الجانب الآخر مثال ناجح لانضمام المتدينين اليهود لصفوف الجيش الإسرائيلي حسبما أثبتت كتيبة ناحال التي تعني "شباب الطليعة المقاتلة" والتي تجمع بين الخدمة العسكرية وإنشاء مستعمرات زراعية ويخدم فيها أكثر من ألف يهودي أصولي. ويرى الصحفي الإسرائيلي أموتس أسايل، مدير معهد هارتمان الإسرائيلي، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) أن "إعفاء الأصوليين اليهود من الخدمة العسكرية هو بالدرجة الأولى انتهاك للعدالة والمساواة الاجتماعية..". أصبح عدد الشباب الإسرائيلي الذين يفضلون الدراسة في منح حكومية بدلا من الدفاع عن البلاد يبلغ نحو 54 ألف شاب، كما أن دراسة المتدينين اليهود للتوراة والتلمود يزيد من تقوقعهم بعيدا عن المجتمع. يضاف إلى ذلك أن نسبة الإنجاب مرتفعة بين الحريديم ''جمع حريدي وتعني التقي'' حيث كثيرا ما يصل عدد الأبناء بينهم إلى خمسة أو ستة أطفال وهم يعيشون على المساعدات الاجتماعية وهو ما يثقل أيضا كاهل الأغلبية من المعتدلين والعلمانيين. لذلك يحذر الجنرال الإسرائيلي السابق ايلزار شترن من العوائق الاقتصادية للدراسة الجماعية للتلمود والتي رأى أنها تكون على حساب القدرات الوظيفية مضيفا في تصريح للألمانية:"عدم أداء الحريديم الخدمة في صفوف الجيش لا يمثل مشكلة عسكرية بل اقتصادية، سنفقد القدرة على تحمل أعباء المجتمع إذا ظل المتشددون غير منتجين". قضت المحكمة العليا في إسرائيل في حكم تاريخي لها في يناير الماضي بأن المعمول به حاليا بشأن إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية مخالف للأساس الذي تقوم عليه الدولة اليهودية. ورأى قضاة المحكمة أن القانون الذي يعفي دارسي التوراة من الخدمة الإلزامية يتعارض مع الدستور. ولكن صناع القرار السياسي في إسرائيل يجدون صعوبة في إيجاد خيار آخر، وستظل هذه القضية مجمدة إلى أن يتم انتخاب برلمان آخر في يناير المقبل. وشدد وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك على ضرورة أن يستدعى شباب الحريديم لأداء الخدمة العسكرية، ولكن مجموعات يسارية وعلمانية تمارس ضغوطا على الحكومة مطالبة إياها بأن يشمل هذا الاستدعاء جميع القادرين على أداء الخدمة العسكرية. هناك قضية هامة أيضا عند التحدث عن العدالة العسكرية وهي قضية متعلقة بكيفية إخراج الحريديم من عزلتهم التي فرضوها على أنفسهم، فلابد ألا تهينهم هذه الخدمة وألا تزيد من إقصائهم عن المجتمع حسبما حذر الجنرال أسايل مضيفا:"الحكومة لا تريد إلحاق هزيمة بهم بل دمجهم في المجتمع". ودعا الجنرال السابق إلى التدرج في ضم هؤلاء لصفوف الجيش. ولكن شترن يحذر من التكاليف قائلا:"تكلفة هؤلاء الجنود أعلى مرتين ونصف من تكلفة الجنود العلمانيين لارتفاع المصاريف التي تتلقاها أسرهم من الدولة وتنفقها عليهم". وتقدم شترن باقتراح مفاجئ يريد من خلاله السماح لشباب الحريديم باختيار ما يريدون فعله والسماح لهم بعدم دراسة التلمود مع تجنب الخدمة العسكرية وتوقع أن يبحث أغلب هؤلاء عن عمل إذا سمح لهم بذلك وأن يصبحوا على المدى البعيد مستعدين لأداء الخدمة في صفوف الجيش. ربما لم يكن هذا الحل عادلا ولكنه على أية حال أقل تكلفة للدولة العبرية.