''سيتم رفعه.. بل سنقوم بترشيده.. لا لن يكون هناك مساس به''، فى هذا الفلك المتناقض، يتواصل حديث المسئولين عن ''الدعم'' في مصر، ووسط هذا الجدل والتضارب في التصريحات يقف المواطن حائراً، متخوفاً وقلقاً علي مصيره مصير عائلته إذا تم رفع الدعم عنهم. وحول قضية الدعم تتزايد حالة الجدل الاقتصادي، فهناك من يري خطورة في رفعه في ظل تردي مستوي معيشة المواطنين، وأخرين يروا ضرورة رفع الدعم أو تخفيضه لكي يتجاوز الاقتصاد المصري أزمته، وهو ما سينعكس إيجابياً علي مستوي معيشة المواطنين. جدل شعبي تعود سياسات الدعم في مصر إلي عام 1941، حيث قامت الحكومة المصرية آنذاك بتطبيق برنامج الدعم للتخفيف من الآثار السلبية التي لحقت بالبلاد عقب الحرب العالمية والتقليل من حدة ارتفاع الأسعار، وكان ذلك من خلال توفير بعض السلع والخدمات الأساسية وطرحها في الأسواق بأسعار مخفضة، لكي تكون في متناول الجميع واستخدام نظام بطاقات التموين لتوزيع بعض المواد الغذائية شهرياً علي المواطنين. وقد توسعت الدولة في دعم السلع عقب ثورة 1952، واستمر هذا الأمر، حتي جاء قرار الرئيس السادات بزيادة أسعار عدد من السلع الأساسية في مقدمتها الدقيق والسكر والأرز في إطار حزمة إصلاحات اقتصادية اتخذت لتنفيذ لشروط صندوق النقد الدولي آنذاك، ولكن هذا القرار لم يدخل حيز التنفيذ، حيث ثار عليه الشعب بشكل سريع فيما عرف بانتفاضة 18 – 19 يناير 1977. وفي بداية الثمنينات شعرت الحكومة بضرورة تطبيق سياسة تدريجية لرفع الدعم، وبالفعل تم حذف بعض السلع من قائمة الدعم، وفي التسعينيات خفضت الحكومة عدد المستحقين لبطاقات التموين. الترشيد ويري الدكتور حازم الببلاوي، وزير المالية السابق، أن الدعم بشكله الحالي أصبح يمثل عبئاً كبيراً علي الدولة وعلي الاقتصاد المصري. وأوضح الببلاوي ل''مصراوي''، أن الظروف المالية الحالية تؤكد استحالة استمرار الدعم بهذا الشكل، فلا يمكن لشخص أن يظل ينفق أكثر من دخله ويستطيع أن يتقدم علي الصعيد الاقتصادي. وأضاف وزير المالية السابق أن مشاكل الاقتصاد المصري كثيرة ومشكلة الدعم مشكلة رئيسية ولذلك لابد من ترشيده وليس رفعه. القضاء علي الفساد وأكد الدكتور حمدي عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد ورئيس أكاديمية السادات السابق، علي ضرورة ترشيد الدعم في هذه الفترة وأن يتم رفعه عن الأغنياء علي أن يبقي كما هو للفقراء. وأوضح عبد العظيم ل''مصراوي'' أن ترشيد الدعم يكون من خلال القضاء علي الفساد في منظومة الدعم كالمتاجرة بالسلع المدعومة مثل الدقيق والوقود والبوتجاز، وايضاً من خلال وجود آلية تضمن وصول الدعم لمستحقيه. آليات ترشيد الدعم ويؤيد عبد العظيم رفع الدعم عن المصانع كثيفة الطاقة مع ضرورة وضع حد أقصي لأسعار منتجاتها، كي لا تقوم بتحميل فاتورة رفع الدعم عنها للمستهلك البسيط، علي أن يعاقب قانوناً أي مصنع يقوم برفع الأسعار عن الحد الأقصي المسموح به. واقترح أستاذ الاقتصاد أن تُوزع أنابيب البوتجاز المدعمة علي المواطنين من خلال بطاقات التموين أو بكبونات مستحقة للفقراء ومحدودي الدخل ويجرم بيعها في السوق السوداء، كما اقترح رفع الدعم علي البنزين 95 و97، وأن يتم توزيع البنزين 80 و 90 و 92 بكبونات مثلما يحدث في إيران علي أن تمنع حافلات المدارس الخاصة من الحصول علي البنزين المدعم لأن هذه المدارس لديها القدرة علي شراء البنزين بدون دعم. رفع الدعم = ثورة جياع أعتبر محمود العسقلاني، منسق حركة مواطنون ضد الغلاء، أن ما يقال عن رفع الدعم الآن ما هو إلا ''إرهصات ما قبل صدام تيتانك بالصخرة'' أي أن رفع الدعم في هذه الفترة سيعجل بغرق الدولة المصرية وسيؤدي إلي خروج الشعب في ثورة جياع وهذه الثورة ستكون أكثر حدة من ثورة يناير. وأضاف ل''مصراوي'' أن وضع مصر الاقتصادي قبل الثورة كان يسمح برفع الدعم لأن مشاكل الشعب لم تكن بهذه الحدة وكان الوضع مُهيء لرفعه تدريجياً، أما الآن فسيكون من الصعب رفع الدعم. اقتراحات وبدائل ويري العسقلاني أن هناك بدائل أخري تُغني عن رفع الدعم وتُخفض نسبياً من عجز الموازنة وهي تطبيق نظام الضرائب التصاعدية وهذا الإجراء يكون بالتوازي مع تشكيل جهاز لتحديد الحد الأقصي للأسعار المسموح به، مشيراً إلي أن الدولة تفعل الكثير للأغنياء ورجال الأعمال ولكنهم لا يقدمون أي شيء للفقراء. وأضاف أنه لابد من وجود رقابة علي الأسواق من خلال وجود حزمة تشريعات تعمل علي ضبط السوق وتحديد الأسعار، فضلاً عن رفع الدعم عن المصانع كثيفة الطاقة وعلي بنزين 95 وتحريك الأسعار في بعض السلع. جدل شعبي أما علي المستوي الشعبي، فلم يختلف الجدل كثيراً حول الدعم، فهناك من يؤيدون رفع الدعم لكي تتحرك الدولة اقتصادياً، وأخرين يعارضون رفع الدعم خوفاً من ارتفاع الأسعار. فتقول أميرة –مدرسة- ''أنا عايزة الدعم العيني ودعم نقدي كمان''، بينما تتساءل أمال –موظفة- كيف يتم رفع الدعم في هذه الظروف؟ فجميع السلع زاد سعرها حتي الخضروات والموصلات. ويضيف أحمد –موظف متقاعد- جميع الأسعار ارتفعت الآن فماذا لو تم رفع الدعم؟ وكيف سيعيش الفقراء؟. آما هديل –مدرسة- فتؤيد رفع الدعم العيني مع إعطاء الشعب دعم نقدي، وتؤكد أن الدعم النقدي سيلزم الشعب علي ترشيد استهلاكه. وتقول هالة –باحثة- الأمر محير فإذا استمر الدعم فلن تخرج مصر من كبوتها الاقتصادية وإذا تم رفعه كاملاً سينهار الفقراء ولذلك لابد من رفعه تدريجياً مع إقرار سياسات أخري تضمن للفقراء العيش بكرامة.