ترشيد الدعم أو إلغاؤه.. تلك هى المسألة التى تشغل بال ملايين المواطنين فى الوقت الحاضر، خاصة بعد الحديث عن قرب رفع الدعم أو ترشيده عن المنتجات البترولية.. وفى الوقت الذى أكد فيه المواطنون على عدم ممانعتهم فى ترشيد الدولة للدعم إلا أنهم أكدوا فى الوقت نفسه عدم المساس بالأسعار، بينما اعتبر خبراء ورجال اقتصاد أن ترشيد الدعم سيكون خطوة حقيقية نحو الإصلاح الاقتصادى، وطالب بعضهم بالتحول لنظام «الدعم النقدى» لضمان الوصول إلى الفئات المستهدفة.«أكتوبر» ناقشت عددا من المواطنين والخبراء حول السياسات الجديدة التى تطرحها الحكومة حول الإصلاح الاقتصادى وترشيد الدعم. فى البداية يؤكد مصطفى السيد «موظف» استحالة موافقة المواطن المصرى على إلغاء الدعم خاصة فى ظل ارتفاع معدلات الفقر، وارتفاع الأسعار، ولذا فإنه يؤيد سياسات ترشيد الدعم لكنه يحذر من إلغائه. ويشاركه الرأى صالح عبد الرحمن «محام» بقوله: إن ترشيد دعم المنتجات البترولية سوف يساعد على تقليل عدد السيارات ومن ثم الحد من الازدحام المرورى حيث يؤدى انخفاض أسعار البنزين والسولار إلى زيادة الإقبال على شراء السيارات. بينما ترى منال عبد الله «موظفة» أنه يجب تحديد الفئات المستحقة للدعم قبل اتخاذ أية إجراءات لتخفيضه، وذلك حتى لا يجد محدودو الدخل أنفسهم أمام أعباء إضافية وهو ما يزيد من التوترات الاجتماعية. وتقول سهام أبوالفتوح «ربة منزل»: إن الأسرة المصرية لا تستطيع تحمل أية زيادة فى الأسعار ولذلك فإنها تؤيد سياسات الإصلاح الاقتصادى بشرط عدم المساس بالأسعار ومراعاة الرفق بالأسرة المصرية. ويؤكد يحيى أحمد «طبيب» أن محاربة الوسطاء وضبط حركة السوق هى العامل الأهم فى إعادة هيكلة منظومة الدخل مشيرًا إلى أن الدعم موجود على مستوى جميع الدول المتقدمة لكنه يوظف بصورة تخدم الفئات المستهدفة. ومن جانبه يرى الخبير المصرفى «فتحى ياسين» رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى سابقا أن السياسات الاقتصادية فشلت على مدار أكثر من 20 عامًا فى توصيل الدعم لمستحقيه وهو ما ترتب عليه أن الدعم الذى أصبح يزيد على 80 مليار جنيه يذهب للوسطاء وينعش السوق السوداء مطالبا بضرورة إلغاء الدعم بشكل تدريجى على أن يتم استهداف الفئات الأكثر ثراءً وعلى سبيل المثال يتم إلغاء الدعم عن البنزين 95 ثم 92 ثم 90 وذلك لتفادى بعض التأثيرات السلبية لإلغاء الدعم. ومن ناحية أخرى، أوضح الخبير الاقتصادى د. محسن خضيرى أنه من الناحية الاقتصادية لا يوجد ما يسمى بمصطلح الدعم إنما التوصيف العلمى هو أنه توجه سياسى يخدم مصالح النظام الحاكم فى التدخل فى آليات السوق مشيرًا إلى أن النظام السابق فى مصر وظف الدعم لتحقيق مصالحه، وهو ما أدى إلى عدم وجود برامج حقيقية للإصلاح الاقتصادى، وانطلاقًا من ذلك أكد على ضرورة إعادة النظر فى حزمة الدعم بمختلف أشكاله والإلغاء التدريجى للدعم. ويصف الخبير المصرفى د.أحمد قورة رئيس مجلس إدارة البنك الوطنى المصرى سابقًا توجه الحكومة الجديدة لإلغاء الدعم بأنه يعد البداية الحقيقية للإصلاح الاقتصادى، موضحًا أن السياسات الاقتصادية التى تبناها النظام السابق كانت تعتمد على المسكنات وليست الحلول الجذرية فى مواجهة التحديات الاقتصادية لذا فإنها أبقت على الدعم بنا يخدم مصالحها. ويرى د. يسرى طاحون أستاذ الاقتصاد بجامعة طنطا أنه يجب ترشيد الدعم وتحويله إلى دعم نقدى ضرورة حتمية لتوصيل الدعم للفئات المستهدفة والقضاء على الوسطاء ممن ينهبون المال العام تحت مظلة الدعم، ويقترح تقسيم فئات المجتمع إلى ثلاث شرائح، الأولى ممن يقل دخلها الشهرى عن 2000 جنيه تحصل على دعم كامل ، والثانية ممن يتراوح متوسط دخلها الشهرى من 2000 حتى 5000 جنيه تحصل على دعم جزئى، والثالثة التى يزيد دخلها الشهرى على 5000 جنيه لا تحصل على الدعم، مؤكدًا أن الدعم النقدى هو الأفضل للمواطنين حيث يمكنهم من الحصول على سلع وخدمات أفضل. وتأتى رؤية د. ماجدة قنديل المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية متفقة مع هذه الرؤية، حيث ترى أن تزايد نسبة الدعم من الإنفاق العام حتى وصل إلى 33% من شأنه تناقص الموارد التى يتم توجيهها إلى قطاعات مثل الاستثمار أو الصحة والتعليم. «وليس من العدل أن تتناقص نسبة دعم الغذاء من إجمالى الدعم بمقدار 10% خلال العام الأخير لتصل إلى 14% خلال العام المالى الحالى، بينما تزيد نسبة دعم المنتجات البترولية من 66% إلى 72% خلال نفس الفترة، وعلاوة على ذلك فإن تزايد قيمة دعم المنتجات البترولية إلى ما يزيد على 95.5 مليار جنيه يهدد بتزايد العجز فى الموازنة. كما يزيد من احتمالية رفع نسبة العجز عن المقدر وهو 8.6% من الناتج المحلى لتصل إلى حدود 10% فى العام المالى الحالى»، على حد تقديرها. وتتبنى قنديل اقتراحا يقضى بتعديل أسعار المنتجات البترولية وتحويل 50% مما يتم توفيره للشريحتين الأكثر فقرا (40%) من السكان مع استهدافهما فى الريف والحضر. أى إحلال نظام التحويلات النقدية أو العينية محل دعم الأسعار. على أن يبدأ رفع الأسعار من المنتجات التى يستخدمها الأغنياء مثل بنزين (95) وكيروسين الطائرات، على أن يتم رفع أسعار المنتجات التى يستخدمها الفقراء فى نهاية الفترة مثل بنزين (80) والكيروسين الأقل جودة. ورأت أن هذا سوف يحقق نموذجا عادلا فى توزيع الدعم بين الفقراء والأغنياء خاصة فى حالة التفكير فى تطبيق ضريبة على استخدام الوقود، مؤكدة أن ذلك يستدعى فى ذات الوقت برنامجًا واضحًا لإعادة تخصيص ما يتم توفيره من إلغاء الدعم فى الموازنة لصالح التعليم والصحة والبنية التحتية».