قررت فرنسا الاربعاء تبديل سفيرها في تونس بيار مينا الذي يدفع ثمن اخطاء الدبلوماسية الفرنسية في تعاطيها مع هذا البلد وتقييم اوضاعه عند قيام الانتفاضة الشعبية فيه. واعلن المتحدث باسم الحكومة الفرنسية فرنسوا باروان ان السفير الفرنسي في بغداد منذ ايار/مايو 2009 بوريس بوالون (41 عاما) سيحل محل مينا (60 عاما)، مشيرا الى ان مجلس الوزراء صادق على تعيينه خلال جلسته الاربعاء. وتابع المتحدث ان بوالون المستشار السابق للرئيس نيكولا ساركوزي "يتمتع بالحكمة التي تتناسب مع العهد الجديد الذي يبدا في العلاقات الفرنسية التونسية". وتعرضت الحكومة الفرنسية لانتقادات شديدة لتاخرها في ادانة قمع المتظاهرين التونسيين وفي دعم "ثورة الياسمين". ولم تعرب فرنسا عن دعمها الصريح للانتفاضة الشعبية الا غداة سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/يناير. واقر ساركوزي علنا الاثنين بخطأ فرنسا معترفا بان بلاده "اساءت تقدير توق الشعب التونسي للحرية". وقال انه كان هناك في تونس "يأس واحساس بالاختناق نقر باننا لم نقدر حجمهما الفعلي". وكانت وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال آليو-ماري عرضت قبل 15 يوما على نظام بن علي مساعدة "امنية" في وجه الاحتجاجات، وذلك بعد اسابيع من الارتباك في الدبلوماسية الفرنسية ازاء تصاعد التحركات الشعبية في تونس، ما حمل اعضاء في المعارضة الى دعوتها للاستقالة. وبات من المؤكد في الايام الماضية ان فرنسا ستعمد الى تغيير السفير ليكون الضحية الاولى لاخفاقات الجهاز الدبلوماسي. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية اكسيل بونياتوفسكي متحدثا للشبكة الثالثة في التلفزيون الفرنسي ان "السبب خلف رحيله السريع، هو بالطبع اننا نعتبر في الحكومة ان المعلومات لم تصل" الى باريس. وتابع ان "البرقيات الدبلوماسية الاخيرة في الايام التي سبقت رحيل بن علي لم تعكس قدرا من القلق ولم تتضمن وصفا للوضع كما كان عليه". وقد اعتبرت برقية دبلوماسية فرنسية بتاريخ 14 كانون الثاني/يناير ارسلت من تونس الى باريس قبل ساعات من فرار بن علي الى السعودية، ان الرئيس السابق استعاد السيطرة على الوضع الى حد ما، بحسب ما كشفت الاسبوعية "لو كانار انشينيه" وصحيفة لوموند. غير ان مصدرا مطلعا على البرقية لفت الى ان السفير يشير في نهاية رسالته الى انه "لم يحسم شيء" بعد، موردا امكانية سقوط بن علي تحت ضغط الشارع. غير ان المآخذ الفعلية في الكواليس على بيار مينا هي انه لم يقم قدرا كافيا من العلاقات والروابط مع المجتمع المدني التونسي منذ تعيينه في منصبه عام 2009. ويرفض بعض الدبلوماسيين ان يتحملوا وحدهم مسؤولية اخطاء فرنسا ويعيدون الكرة الى ملعب الطبقة السياسية وقد سلطت الاضواء مرارا خلال الاسابيع الماضية الى العلاقات الوثيقة التي كان السياسيون يقيمونها مع نظام بن علي. واكد سفير فرنسي سابق في تونس الاربعاء في مقالة نشرتها صحيفة ليبيراسيون ان السلطات السياسية الفرنسية كانت "على اطلاع تام بتجاوزات نظام بن علي" وبتطور اوضاع المجتمع ولا سيما "شعور الضيق الذي كان يسيطر على الشباب التونسي". وقال ايف اوبان دو لا ميسوزيير الذي عين في تونس بين 2002 و2005 انه "لم يؤخذ" بتقييم الدبلوماسيين للوضع. وكتب السفير السابق ان "التحليل الدبلوماسي كان يعطي الاولوية لمخاطر قيام تحركات اجتماعية على الخطر الاسلامي"، مذكرا بان ساركوزي اعرب خلال زيارة لتونس عام 2008 عن ارتياحه "للتقدم في مجال الحريات العامة". وكان المسؤولون الفرنسيون من اليسار واليمين على السواء يؤكدون باستمرار ان بن علي هو "حاجز في وجه النزعة الاسلامية".