بهذه الصورة المكثفة والقاتمة، يبدأ مراسل صحيفة الإندبندنت في الشرق الأوسط، روبرت فيسك، مقاله التحليلي اليوم على صفحات الرأي من عدد الصحيفة البريطانية الصادر اليوم الثلاثاء والذي يسلط فيه الضوء على التناقص الكبير في أعداد مسيحيي المنطقة وأسباب هجرتهم منها والمستقبل الذي ينتظرهم فيها. بداية، يأخذنا فيسك إلى الوسط التاريخي للعاصمة اللبنانية بيروت، حيث كنيسة القديس جورج المارونية تشمخ إلى جانب مسجد محمد الأمين، وكأن الكاتب يريد أن يعيدنا إلى الجدل القديم والطويل الذي سببته فكرة بناء الجامع منذ ظهورها للمرة الأولى أواسط القرن الماضي وحتى تنفيذها وافتتاح المبنى في السابع عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2008. ورغم دخوله في التفاصيل الدقيقة لدى وصفه للمكان وأجوائه، ومنها التنافس في رفع صوت الآذان في المسجد وقرع الأجراس في الكنيسة، إلاَّ أن فيسك يرمي من خلال اختياره لذلك الموقع الرمزي إلى أمر آخر أعم وأشمل، إذ يسارع مباشرة إلى اختصار القضية بجملة واحدة جد مقتضبة: لكن المسيحيين يرحلون. ومن وسط بيروت التاريخي (التجاري) ينطلق بنا فيسك إلى الدائرة الأوسع، إلى خريطة الشرق الأوسط برمتها، حيث يرى أن مرارة الصراع ذاتها تتكرر: أقليات مسيحية خائفة وهجرة جماعية تصل تقريبا إلى حد محاكاة الأبعاد التوراتية. يقول فيسك إن نصف مسيحيي العراق قد فروا من بلادهم منذ حرب الخليج الأولى عام 1991، ومعظمهم غادر بعد غزو تلك البلاد عام 2003. ويضيف قائلا إن ذلك ربما كان بمثابة التحية الغريبة التي يوجهها الدين المسيحي إلى الرئيسين بوش (أي الرئيسين الأمريكيين السابقين جورج بوش الأب وابنه جورج دبليو بوش) اللذين خاضا حربي العراق، وما وراءها حقيقة تقول إن عدد المسيحيين في تلك البلاد انخفض بسببهما إلى 550 ألف نسمة، أي بالكاد إلى حد ال 3 بالمائة من عدد سكان تلك البلاد. وبالعودة إلى لبنان، نرى مع فيسك أن أكثر من نصف مسيحيي تلك البلاد يعيشون الآن في الخارج. يقول الكاتب: ربما يشكل مسيحيو لبنان، البالغ عددهم حوالي مليون ونصف مليون نسمة، ومعظمهم من الكاثوليك الموارنة، 35 بالمائة من عدد اللبنانيين، وذلك بعد أن كانوا ذات يوم يشكلون أغلبية سكان تلك البلاد . أمَّا في مصر، فيجد فيسك أن الأقباط، وعددهم حوالي ثمانية ملايين نسمة، يمثلون أقل من 10 بالمائة من إجمالي عدد السكان في البلاد. ولمقاربة أكثر موضوعية للقضية، يقر فيسك بأن تناقص عدد مسيحيي الشرق ليس دوما نتيجة حتمية للهروب الناجم عن الخوف والرعب، بل هو تأريخ لموت جرى التنبؤ به . يقول فيسك: على كل حال، الأغلبية المسلمة من السكان تتفوق من حيث التناسل والتكاثر في بلدانهم على المسيحيين المقسمين إلى حد ميؤوس منه . ويدلل الكاتب على ذلك بما هي عليه الحال في مدينة القدس التي تحتضن 13 كنيسة مختلفة وثلاثة بطاركة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مسلما هو من يحمل مفاتيح كنيسة القيامة، وذلك لمنع القساوسة الأرمن والأرثوذوكس من الاقتتال فيما بينهم في عيد الفصح . ومن القدس إلى روما، حيث اجتمع الأسبوع المنصرم أكثر من 200 عضو يمثلون 14 كنيسة مختلفة وثلاثة بطاركة في سنودس بابوي لمناقشة تناقص عدد المسيحيين في مهد المسيحية، ينتقل بنا فيسك ليحدثنا عن أجواء الملل والضجر التي قابل بها الناس أنباء ذلك اللقاء، ويحدثنا أيضا عن تجاهل الصحافة الغربية للحدث تماما. وبينما ينهمك فيسك برسم خيوط تلك الصورة القاتمة لمستقبل مسيحيي المنطقة، وذلك من خلال الانتقال السريع من لبنان إلى العراق فمصر فالأراضي المحتلةفروما فأماكن أخرى، يتوقف الكاتب أيضا عند عبارات التنديد والشجب التي يجود بها الغرب المسيحي عادة كلما سقط عدد من الضحايا من مسيحيي الشرق الأوسط في أتون الصراعات والأحداث الدامية التي تشهدها المنطقة. ويضيف الكاتب في وصفه لمواقف مسيحيي الغرب: تميل زياراتهم إلى المنطقة إلى التركيز على الحج إلى الأماكن المقدسة أكثر من لقاء المسيحيين على الطرف الآخر . ومن بين مسيحيي الغرب هؤلاء، يتوقف فيسك بنا مع الأمريكيين منهم، والذين يقول عنهم إنهم مهووسون بأساطير صراع الحضارات بين الغرب والشرق منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. ويختتم بالقول: يبدو أنهم يعتبرون المسيحية على أنها دين غربي أكثر من كونها ديانة شرقية. وهم يفصلون بعناية الجذور الشرق أوسطية لدينهم عن أرض الإسلام، وهذا بحد ذاته ضياع للعقيدة. وكان لحادثة إلقاء أحد المتظاهرين ضد حرب العراق لحذائه على رئيس وزراء استراليا السابق جون هوارد نصيب من تعطية صحف الثلاثاء. ففي صحيفة الجارديان، نطالع اليوم تحقيقا عن الموضوع يروي لنا كيف ألقى بيتر جراي بحذائه باتجاه هوارد خلال مشاركته برنامج تلفزيوني على الهواء مباشرة. وقال التقرير إن الحادثة تعيد إلى الأذهان ما كان قد تعرض له الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في بغداد قبل نحو عامين على يد الصحفي العراقي منتظر الزيدي. يقول تقرير الجارديان إن جراي ألقى بحذائه باتجاه هوارد، وهو من أبرز حلفاء بوش خلال حرب العراق، وذلك بعد أن كان رئيس الحكومة الاسترالية السابق قد دافع عن قراره بإرسال 2000 عسكري لدعم قوات التحالف التي غزت العراق بقيادة الولاياتالمتحدة عام 2003. أمَّا صحيفة الديلي تلجراف، والتي رصدت أيضا حادثة إلقاء الحذاء على هوارد، فقد اهتمت أيضا بالشان العراقي من جانب آخر، فأفردت مساحة للمزيد من تسريبات موقع ويكيليكس عن العمليات العسكرية الأمريكية في العراق وضحاياها من العراقيين. يقول تقرير الديلي تلجراف إن طاقم طائرة أمريكية من طراز أباتشي، كانت على علاقة بقتل صحفيين في العراق، متورطون أيضا بهجمات دامية أخرى في تلك البلاد. وأضاف التقرير، الذي أعده مراسل الصحيفة لشؤون الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر، إن تسجيل الفيديو الذي سربه موقع ويكيليكس في عام 2007 وأظهر طاقم الطائرة الأمريكية يطلقون الرصاص على العراقيين، قد أُعيد فحصه مؤخرا من قبل مجلة دير شبيغل الألمانية وقناة الجزيرة الفضائية. وأضاف التقرير قائلا إن نتيجة فحص التسجيل أظهرت أن طاقم طائرة من الطراز المذكور ضالع أيضا بسلسلة هجمات أخرى قضى فيها العديد من العراقيين.