فيينا (رويترز) - تجنبت منظمة البلدان الصدرة للبترول (أوبك) في اجتماعاتها الواحد تلو الآخر مناقشة مسألة قد تكون مثيرة للخلاف تتعلق بكيفية اعادة توزيع حصص مستويات الانتاج المستهدفة للمنظمة. ولم يكن اجتماع أوبك السابع والخمسين بعد المئة الذي عقد هذا الاسبوع في فيينا استثناء من ذلك حتى بعدما أعلن العراق أوائل الشهر الجاري أن احتياطياته أعلى بنسبة 25 بالمئة من التقديرات السابقة وهو ما دفع ايران الى تفنيد هذا الزعم لاستعادة مركزها كصاحبة ثالث أكبر احتياطيات في أوبك. ومازال العراق يجري مسوحا وقد يرفع تقديره للاحتياطيات مرة أخرى. وقالت ايران أيضا ان من المرجح أن ترفع حجم ثروتها النفطية. وتسلط الاسئلة التالية الضوء على مسائل رئيسية. ما أهمية مراجعة احتياطيات العراق في اطار أوبك؟ شكك المحللون مرارا في تقديرات دول أوبك لحجم احتياطياتها النفطية على أساس أن لها مصلحة في رفعها الى أعلى ما يمكن لتصير مؤهلة لحصص انتاجية أعلى. وبعد خلافات سابقة أصبح نظام المستويات المستهدفة للانتاج الحالي قائما على الانتاج الفعلي للدول الاعضاء بدلا من الاحتياطيات. غير أن زعم العراق بشأن احتياطياته يعتبر ترسيخا لمكانته مع بدء انتعاش انتاج البلاد بعد سنوات من الحرب والعقوبات. وينبغي النظر اليه أيضا في سياق العقود المبرمة مع الشركات العالمية العام الماضي التي قد ترفع طاقة العراق الانتاجية الى 12 مليون برميل يوميا في غضون سبع سنوات مما يرفعها الى مصاف السعودية أكبر مصدر للخام. والعراق هو الدولة الوحيدة من دول أوبك الاثنتي عشرة التي لا تلتزم بسقف انتاج في الوقت الراهن. وقال وزير النفط العراقي انه ينبغي ألا يبدأ النقاش بشأن وضع سقف لانتاج العراق قبل أن يصل الانتاج الى أربعة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2013 تقريبا ارتفاعا من نحو 2.5 مليون برميل يوميا في الوقت الراهن. هل يمكن التعجيل بإثارة المسألة؟ مازال العراق يواجه تحديات ضخمة تتمثل في غياب الحكومة والمشكلات الامنية لكن الشركات العالمية تريد العمل بسرعة لتحقيق عوائد في أقرب وقت ممكن بينما يرى محللون أن استغلال بعض امكانات البلاد يمكن أن يؤثر تأثيرا كبيرا على سوق النفط. وسار اجتماع أوبك هذا الاسبوع بسلاسة نظرا لضعف الدولار الامريكي الذي يدعم سعر النفط المقوم بالدولار في الوقت الذي تدرس فيه الولاياتالمتحدة تحفيز اقتصادها من خلال تيسير كمي اضافي مما يعزز سوق النفط بالدرجة التي تحول دون أن يصبح انخفاض الالتزام بسقف امدادات أوبك مشكلة. ويرى البعض أن تأثير الدولار سيواصل تعزيز أسعار النفط لكن اخرين يرون أن احتمال ضخ العراق امدادات أكثر مما تستوعبه السوق في ظل استمرار بطء الانتعاش الاقتصادي سيؤدي الى اضعاف الطلب وسيجعل مستويات المخزونات مرتفعة. وقال ديفيد كيرش من بي.اف.سي انرجي "مسألة الاحتياطيات لم تعد مشكلة لان الحصص لم تعد تستند الى الاحتياطيات لكن العراق سيضخ بالتأكيد امدادات جديدة." وتابع "في نهاية المطاف لن يكون هناك طلب كاف لاستيعاب الانتاج الاضافي." ما أهمية الخلافات؟ كانت التوترات بشأن الاحتياطيات وحصص الانتاج من العوامل الاضافية التي تسببت في غزو العراق للكويت في عام 1990 بعدما أدت مراجعة كبيرة لاحتياطيات الكويت الى اندلاع جولة مزايدة على حجم الاحتياطيات وأثارت غضب العراق من زيادة الامدادات الكويتية. وعدل العراق احتياطياته مؤخرا الى 143 مليار برميل بينما عدلت ايران احتياطياتها الى 150.31 مليار برميل. وفي وقت سابق من هذا العام قالت فنزويلا ان احتياطياتها تبلغ 211 مليار برميل وقالت السعودية ان احتياطياتها تتجاوز 260 مليارا. وتتضمن احتياطيات فنزويلا خاما ثقيلا يصعب استخراجه ويأتي انتاجها بعد انتاج كل من ايران والسعودية أكبر منتجين في أوبك في الوقت الراهن. ويختلف السياق الحالي كثيرا عما كان عليه الحال في أواخر الثمانينات لكن المحللين مازالوا يرون احتمالات للتوتر. وبالرغم من أن الاحتمال الاكبر هو حدوث خلاف مع ايران الا أن السعودية قد تشعر بالغضب أيضا. وعندما كان العراق ملتزما بحصة انتاجية في أوبك قبل 1990 كان انتاجه مساويا لانتاج ايران لكن بغداد أوضحت عقب جولة التراخيص العالمية التي نظمت في العام الماضي ان طموحها أن تبلغ مستوى انتاج السعودية. وقال مندوب ايران الذي يجاور مندوب العراق على طاولة اجتماع أوبك وفقا للترتيب الابجدي للصحفيين يوم الخميس "ليست هناك منافسة مع العراق." واستفادت السعودية من العوائد المرتفعة من أسعار النفط القوية بينما يواجه انتاج العراق معوقات بسبب الحرب وقد تقبل المملكة السماح بفترة ينمو فيها العراق بقوة بينما يبقى انتاجها مستقرا. لكن محللين يقولون ان من غير الواضح ان كانت السعودية ستعارض فقدان جانب من مكانتها التي تستمدها من كونها القائد الفعلي لاوبك وصاحبة طاقة انتاجية فائضة تمكنها من رفع أو خفض الامدادات الى السوق وفقا للطلب. وقال صامويل ستشوك من اي.اتش.اس للاستشارات "نفوذ السعودية داخل أوبك وجانب كبير من مكانتها السياسية العالمية مستمد من احتفاظها بطاقة انتاجية فائضة." وأضاف "اذا حذا العراق حذوها في امتلاك طاقة فائضة كبيرة فان تأثيره العالمي على الاسعار سيقل بشكل كبير." في الوقت نفسه ستتراجع ايران الى المركز الثالث داخل أوبك بافتراض أنها حتى اذا عدلت احتياطياتها مجددا بالرفع فان انتاجها لن يرتفع بالمثل. ما مدى اهتمام الدول الاخرى في أوبك؟ دعت دول أخرى في أوبك أيضا الى رفع حصص الانتاج. وأصدرت فنزويلا العام الماضي بيانات النفط الخام وصادرات المنتجات المكررة في محاولة لتوضيح مستويات انتاجها بعدما قالت الحكومة ان بعض المصادر تورد بيانات أقل مثل وكالة الطاقة الدولية التي تمثل البلدان المستهلكة. ونتيجة للخلافات السابقة بشأن مستويات الانتاج التي تعلنها الدول الاعضاء فان أوبك لا تقدم بيانات رسمية للانتاج وتستخدم مصادر بديلة لمراقبة انتاجها. واجتذبت أنجولا التي تنفض عن نفسها اثار سنوات من الحرب مثل العراق شركات عالمية لتطوير حقول بحرية مرتفعة التكلفة وتحتاج الى ضخ أكبر قدر ممكن من الامدادات لتحقيق عوائد سريعة. وتجاوز انتاج نيجيريا اثار عنف الجماعات المسلحة وهي من أبرز دول أوبك التي تتخطى سقف الامدادات. وقالت وزيرة النفط النيجيرية انها تريد أن تحصل بلادها على سقف انتاج أعلى. وتمتلك نيجيريا مثل أنجولا مشروعات مشتركة مع شركات أجنبية تحرص على تحقيق عوائد سريعة من الاستثمار وتحجم عن ابقاء طاقة انتاجية غير مستغلة. كيف ستحسب أوبك تخفيضات الانتاج في المستقبل؟ تميل أوبك الى تجنب الافصاح عن منهجها في تحديد أهداف انتاج الدول الاعضاء لكن مندوبيها أقروا في عام 2007 بأن المنظمة تحولت الى نظام يحدد أهداف الانتاج بناء على الانتاج الفعلي بدلا من الاحتياطيات. وقال وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني انه قد يتم تغيير النظام مجددا. وقال للصحفيين هذا الاسبوع "في الماضي كانت الحصص تقوم على الطاقة الانتاجية وعلى الاحتياطيات وعلى الاحتياجات الاقتصادية للدولة. "في المستقبل.. نحتاج الى تعديل هذه المعايير وتحديد الوزن الذي نمنحه لكل من هذه المحددات." هل يمكن ألا تثار المسألة مطلقا؟ بعد مناقشات ساخنة في الماضي أرجأت أوبك مسألة تعديل تخفيضات الانتاج أطول فترة ممكنة ويقول البعض انها قد لا تضطر الى مناقشتها مطلقا اذا زاد النمو الاقتصادي وتناقصت الاحتياطيات النفطية بأكثر مما تشير اليه مزاعم دول أوبك الطموح. ويعتقدون أن الدول داخل وخارج أوبك على السواء ستضطر الى ضخ أكبر انتاج ممكن لسد الطلب. وقال كولين كامبل أحد أنصار نظرية الذروة النفطية التي تقول ان احتياطيات النفط التقليدية في العالم عند ذروتها "أوبك تفقد أهميتها لان الطبيعة تقوم بعملها نيابة عنها." وقال مرارا ان بيانات احتياطيات أوبك غير حقيقية. ماذا يحدث اذا أنتجت أوبك حسب رغبتها.. اذا ضخ كل المنتجين كل امداداتهم الممكنة فان هذا سيحرم أوبك التي تضخ حاليا أكثر من ثلث النفط في العالم من نفوذها العالمي. وقال ستشوك من اي.اتش.اس "سيعني ذلك فعليا أنها فقدت قدرتها على تشكيل السوق وأنها فقدت قدرتها على التحكم في الاسعار." وأضاف "لكن عندما يمتلكون طاقة انتاجية فائضة يمكنهم تقييد (الانتاج).. والتحكم في السعر العالمي."