ابوظبى - التعاقد على وحدة سكنية مناسبة بإيجار معقول في أبوظبي في طريقه إلى أن يصبح حقيقة وواقعا يعيش سوق أبوظبي اليوم إرهاصاته. ويشهد السوق حاليا حالة حراك سكني ترصدها مكاتب وشركات السمسرة والتطوير العقاري، يقودها مستأجرو الشريحة الأغلب من السكان (الطبقة المتوسطة)، حيث يقومون باستبدال وحداتهم السكنية الضيقة والقديمة التي استأجروها أيام ذروة الإيجارات في عام 2008 بإيجارات مرتفعة وصلت إلى ثلاثة أضعاف قيمتها الإيجارية الحقيقية، بوحدات سكنية جديدة وبإمكانيات أفضل وبقيمة إيجارية تزداد تراجعا يوما بعد يوم، الامر الذي يعطي المزيد من الاستقرار والطمأنينة للمستأجرين والسوق. ووفقا لمستأجرين ومكاتب وشركات للوساطة والتطوير العقاري التقتهم البيان الاقتصادي فقد تراجعت الإيجارات السكنية في أبوظبي خلال الشهور الثلاثة الماضية بصورة لم تشهدها من قبل، ووصلت نسبة التراجع داخل المدينة 30% بينما كان التراجع أكبر خارج المدينة وخاصة في مدن خليفة أ ومحمد بن زايد والشهامة ومصفح حيث وصلت نسبته إلى 45%، وتراجعت إيجارات الفيلات إلى 50%. وعلى الرغم من أن هذا التراجع يعتبر إيجابيا للسوق إلا أنه مازال غير مرض للمستأجرين، حيث ان هذا التراجع وفقا لأسعار إيجارات 2008 وليس لإيجارات عام 2006. حيث كانت الوحدات السكنية غرفتين وصالة وثلاث غرف وصالة تؤجر بقيمة تتراوح بين 45 ألف درهم و75 ألف درهم بينما تؤجر حاليا بقيمة تتراوح بين 90 ألفاً و120 ألف درهم على الترتيب، ومن المتوقع أن تتراجع الإيجارات خلال الفترة القليلة المقبلة مع بدء تسليم مشاريع أبراج جزيرة الريم والكورنيش والخالدية. ويجزم المستأجر عاطف عبد الحليم، الموظف في إحدى شركات التأمين الصحي الكبرى في أبوظبي، بأن سوق الإيجارات السكنية في مدينة أبوظبي اختلف جذريا عن عام 2008. مشيرا إلى أنه اضطر إلى استئجار وحدة سكنية مكونة من غرفتين وصالة في بداية عام 2008، وهو عام ذروة ارتفاع الإيجارات في منطقة النادي السياحي بقيمة 170 ألف درهم، لافتا إلى أن مساحة الوحدة السكنية كانت صغيرة جدا ولم تسع أولاده الأربعة. وسببت له مشكلات نفسية واجتماعية، خاصة مع تهالك مبناها، وقد تركها منذ أربعة أشهر بعد أن تراجعت الإيجارات جزئيا حيث استأجر شقة مشابهة لها في منطقة شارع المطار بقيمة 105 آلاف درهم ويقوم حاليا بالبحث عن شقة بإيجار أقل ومساحة أكبر. وقال: بكل تأكيد سأجد بسهولة مطلبي، حيث ان المعروض من الوحدات اليوم كثير كما أنه جديد. ويضيف: إيجار الوحدة السكنية المكونة من غرفتين وصالة في بناية جديدة يصل حاليا إلى 110 آلاف درهم وفي القديمة 95 ألف درهم، وإيجار ثلاث غرف وصالة «جديد» بقيمة 130 ألف درهم وقديم بقيمة 120 ألف درهم. وغرفة وصالة جديد 65 ألف درهم وقديم 60 ألف درهم، واستوديو 55 ألف درهم، وهي أسعار خيالية مقارنة بعام 2008 حيث تراجت بنسب تصل إلى أكثر من 35%. وتراجع الإيجارات في أبوظبي أصبح حقيقة ترصدها بدقة مكاتب السمسرة والوساطة العقارية في أبوظبي، ووفقا لعبد الرحمن الشيباني، المدير العام لمكتب الغانم للعقارات، أكبر المكاتب العقارية في مدينة أبوظبي، فإن لدى المكتب حاليا معروضا كبيرا من الوحدات السكنية والفيلات داخل وخارج المدينة. وهو ما كان أمرا نادرا منذ عام، ولديه اليوم نحو 400 فيلا في مدينتي خليفة أ ومحمد بن زايد لاتجد مستأجرين لها، وذلك على الرغم من تراجع قيمة إيجاراتها إلي 160 ألف درهم بعد أن كانت تؤجر سابقا بنحو 310 آلاف درهم. ويؤكد الشيباني أن الإيجارات في مناطق مصفح ومحمد بن زايد وخليفة أ والشهامة تراجعت بنسب لاتقل عن 45%، الأمر الذي دفع الموظفين العاملين في شركات البترول والسياحة والخدمات الطبية إلي الانتقال من بنايات مدينة أبوظبي إلي هذه المناطق للسكن في فيلات مستقلة بحدائق. حيث أن مخصصاتهم السكنية من جهات عملهم تتناسب مع إيجارات هذه الفيلات، والطلب اليوم يتزايد على الفيلات المتوسطة والصغيرة التي تتراوح إيجاراتها بين 150 ألف درهم و180 ألف درهم خارج المدينة بينما مازال الطلب أكبر على الوحدات السكنية المكونة من غرفتين وصالة داخل المدينة، لكن المعروض مازال قليلا للغاية ولذلك لم تنخفض الإيجارات داخل المدينة كما حدث خارجها. ويشير الشيباني إلي أن مكاتب العقارات لاحظت خلال الشهرين الماضيين تزايد ظاهرة استبدال المقيمين لوحداتهم السكنية، لافتا إلي أن جانبا كبيرا من السكان الوافدين. وبصفة خاصة العاملين في شركات القطاع الخاص، اضطروا إلي الإقامة في وحدات سكنية ضيقة أثناء ذروة الإيجارات حتى يستطيعوا مواكبة حركة الارتفاع الكبيرة لدرجة أن قيمة إيجار استوديو في أبوظبي زادت على 100 ألف درهم والوحدة السكنية المكونة من غرفتين وصالة إلي أكثر من 170 ألف درهم والوحدة ثلاث غرف وصالة إلي نحو 300 ألف درهم، وهذه الأسعار للوحدات القديمة حيث إن الوحدات الجديدة لم تكن متوفرة كما هو الحال الآن. ويجزم الشيباني بأن الشهور المتبقية من العام الجاري قد تشهد تراجعا في الإيجارات بنسبة إضافية قد لا تقل عن 20%، خاصة للوحدات السكنية المكونة من غرفتين وصالة وثلاث غرف وصالة، لافتا إلى وجود عدة أبراج سكنية ضخمة في مناطق الخالدية وشارع المطار وإلكترا والكورنيش دخلت مراحل التشطيب النهائية. إضافة إلي أبراج جزيرة الريم الشاهقة والمقرر تسليمها قبل نهاية العام الجاري بعد إنجاز البنية التحتية للجزيرة واستكمال مشروع تطوير شارع السلام، ومن المعروف أن غالبية هذه الأبراج عبارة عن وحدات من غرفتين وثلاث غرف. ويلفت الشيباني إلى النواحي الإيجابية لتراجع الإيجارات، مؤكدا أن هذا التراجع سيقضي بصورة نهائية على ظواهر سلبية عاشتها المدينة خلال العامين الماضيين بسبب ارتفاع الإيجارات، مثل ظاهرة تقسيم الفيلا الواحدة بين أكثر من خمس أسر للعيش فيها. وظاهرة إقامة أكثر من أسرة في وحدة سكنية واحدة، أو ظاهرة إقامة عشرات العزاب والعاملين في فيلا أو وحدة سكنية كبيرة، وقد تلاشت معظم هذه الظواهر خارج المدينة لكنها مازالت داخل المدينة، وذلك على الرغم من محاربة شرطة وبلدية أبوظبي لها. أما خالد جلمود الشامسي، رئيس مجلس إدارة شركة الرواد الخمسة لتطوير وإدارة العقارات، فيرى أن شركات التطوير العقاري الكبري في أبوظبي لن تتضرر كثيرا من تغير متطلبات سوق الإيجارات في الوقت الحالي، حيث يتزايد الإقبال على الوحدات المكونة من غرفتين وصالة وثلاث غرف وصالة، لافتا إلى أن غالبية مشاريعها هي مشاريع للسكن العائلي بصفة خاصة وبمساحات كبيرة. ويلفت إلى أن بعض المستثمرين، الذين راهنوا على السوق العقاري في أبوظبي خلال العامين الماضيين، لا تسرهم أخبار تراجع الإيجارات السكنية في مدينة أبوظبي حاليا، علما بأن المستفيد الأكبر من التراجع الحالي هم المستأجرون، الذين يجدون اليوم وحدات سكنية جديدة وبإمكانيات أفضل بإيجارات قليلة، ويزداد اليوم حراكهم لاستبدال وحداتهم السكنية بوحدات أكبر وأرخص. ويشير الشامسي إلي أن أحد ملاك البنايات السكنية، التي تديرها شركة الرواد الخمسة، وافق على تأجير بناية سكنية جديدة له منذ أربعة أشهر بقيمة 160 ألف درهم للوحدة المكونة من غرفتين وصالة. إلا أنه مع عدم وجود طلب عليها اضطر إلى تخفيض القيمة الإيجارية عدة مرات حتى وصلت أخيرا إلى 120 ألف درهم، ورغم ذلك فإن الطلب عليها ضعيف للغاية، وقد يضطر خلال أيام إلى عرضها بنحو 110 آلاف درهم أو أقل. ويلفت الشامسي إلى إن الإيجارات في أبوظبي شهدت تراجعا خلال الشهور الثلاثة الماضية بشكل لم تشهده طيلة العامين الماضيين، ومن خلال بيانات شركته وشركات أخرى فإن الإيجارات داخل المدينة تراجعت بنسبة لا تقل عن 30%، والمثير للدهشة أن التراجع مستمر. لكن الشامسي يجزم بأنه لا يوجد في أبوظبي هيئة أو جهة أو شركة أو مكتب للعقارات لديها أرقام دقيقة عن نسب التراجع خلال الشهور المقبلة، ويقول: نعتقد أنه من المستحيل أن تعود الإيجارات إلى الصعود مرة أخرى مثلما حدث في عام 2008 لأن هناك عوامل خارجية تتعلق بتداعيات الأزمة المالية العالمية. وعوامل داخلية تتعلق بكثرة المعروض تحول دون ذلك، لكن قد تستقر الإيجارات على مستوياتها الحالية حتى آخر العام لأن أبوظبي قد تفاجئ العالم بمشاريع ضخمة كبيرة، وهذه المشاريع تحتاج إلى عمالة، الأمر الذي يزيد من حركة الطلب على السكن. وفي أكتوبر من كل عام نرصد تزايدا كبيرا في الطلب بينما يقل هذا الطلب مع بداية الصيف من كل عام، وبكل تأكيد فإن الأيام المقبلة قد تكون حبلى بمفاجآت لا يعلمها إلا الله. ومن جهته يشير الدكتور حسن إسماعيل عبيد المستشار الاجتماعي في أبوظبي إلى أن التراجع الحالي في الإيجارات، والذي تصل نسبته إلى ما لا يقل عن 20%، يرجع إلى الحملات المكثقة التي تقوم بها شرطة وبلدية أبوظبي لإخلاء المدينة من العزاب والعمال، خاصة بعد أن وفرت الحكومة وشركات القطاع الخاص لهم مدنا عمالية بمساكن ذات إمكانيات ممتازة. ومع زيادة المعروض من الوحدات السكنية داخل المدينة، وهو متوقع خلال الشهور القليلة المقبلة، فإن ظواهر مثل تقسيم الفيلات أو إقامة أكثر من أسرة في وحدة سكنية واحدة ستختفي، وبالتالي ستختفي جرائم وأمراض وانحرافات ومشاكل سلوكية ونفسية شهدتها المدينة بسبب البيئة الاجتماعية غير السوية التي خلقتها ظاهرة ارتفاع الإيجارات. ولفت المستأجر عاطف عبد الحليم، الموظف في إحدى شركات التأمين الصحي الكبرى في أبوظبي، إلى أن غالبية أصدقائه الذين يعملون في أبوظبي واضطروا خلال العام الماضي للسكن في دبي يعودون حاليا للسكن في منطقة مصفح بعد أن تراجعت قيمة إيجار الوحدة السكنية المكونة من غرفتين وصالة فيها إلى 65 ألف درهم، فضلا عن أن هناك إقبالا كبيرا على السكن في فيلات مدينتي خليفة أ ومحمد بن زايد بعد أن تراجع إيجار الفيلا الواحدة فيهما إلى 140 ألف درهم للفيلا الصغيرة و160 ألف درهم للفيلا الكبيرة، وأن لديه أصدقاء آخرين يفضلون حاليا ترك المباني الشاهقة في العاصمة للسكن في فيلات مستقلة بنفس القيمة الإيجارية الحالية لسكنهم في المدينة. ومن جانب آخر يؤكد المستأجر فاروق حامد أن الإيجارات داخل المدينة مازالت مرتفعة، لافتا إلى أنه انتقل منذ سبعة أيام من وحدة سكنية قديمة مكونة من غرفة وصالة في منطقة بين الجسرين خارج مدينة أبوظبي إلى وحدة سكنية جديدة بمساحة أكبر وإمكانيات أفضل بجوار كارفور المطار بقيمة إيجارية متساوية وهي 65 ألف درهم. لافتا إلى أن إيجار الوحدات الصغيرة مثل الاستوديو، وغرفة وصالة، أو غرفتين وصالة مازالت مرتفعة، وأن تراجع الإيجارات فيها لا تتعدى نسبته 10% للغرفة وصالة و20% للغرفتين وصالة. لكن الملاحظ أن هناك تراجعا مستمرا في الإيجارات خلال هذا الصيف عكس الصيف الماضي، ومن المتوقع حدوث تراجع أكبر بعد افتتاح أبراج جزيرة الريم القريبة جدا من مدينة أبوظبي والتي تتسع لأكثر من 5 آلاف وحدة سكنية.