شيع الاثنين في مسجد السيدة نفيسة بوسط القاهرة في اجواء من الغضب والتوتر ثلاثة من الشيعة الاربعة الذين قتلوا مساء الاحد في هجوم قرب القاهرة فيما شيع القتيل الرابع في محافظة البحيرة شمال البلاد. وكان القيادي الشيعي حسن شحاتة وشقيقه واثنان آخران ينتمون جميعا للمذهب الشيعي قتلوا مساء الاحد وأصيب خمسة شيعة اخرين في قرية زاوية ابو مسلم في اعتداء جماعي نفذه بحقهم أهالي القرية الواقعة في الجيزة (جنوبالقاهرة) بسبب انتمائهم للمذهب الشيعي. ورفض الاهالي وجود المصورين وحاولوا بغضب شديد منعهم من التقاط صور لهم او للجثامين. وصاح احدهم بحرقة "احنا مش كفرة يا مصريين"، واتهم اخرون الاعلام بالتحريض عليهم. وعكست مشاعر الغضب شعور الشيعة العميق بالتضييق والتحريض الواقع ضدهم، وهو ما يعزونه دائما للسلفيين. وحضرت قوة صغيرة من الشرطة الى مكان الجنازة لكنها ظلت بعيدة عن قلب الحدث. وداخل مسجد السيدة نفيسة، ادى عشرات الشيعة صلاة الجنازة على الجثامين الثلاثة وفق الطريقة الشيعية حيث صلوا خمس ركعات وبلا إمام متقدم وهو مخالف لصلاة المذهب السني الذي تنتمي اليه الاغلبية الساحقة من المسلمين المصريين. ثم ادى المشيعون الشيعة طقوسا خاصة بهم وابتهالات وادعية في المسجد، حملوا بعدها الجثامين الثلاثة نحو ضريح السيدة نفيسة بالمسجد مرددين ابتهالات غاضبة واغلبهم يبكون. ثم قاموا مرة اخرى باداء ابتهالات وادعية بحضور النساء في المقابر المتاخمة للمسجد. وانفجرت النساء المتشحات بالسواد في نوبات من البكاء والنحيب اكثر من مرة. وقال الشاب شريف شحاتة، وهو ابن اخ القيادي الشيعي القتيل حسن شحاتة، بينما كان خارجا من المسجد "اشعر بالظلم، بالقهر... قتلوهم غدرا". واضاف مترحما على عهد الرئيس السابق حسني مبارك وقد اجهش بالبكاء "والله ما كان يحصل لنا هذا ايام مبارك". وقال الناشط الشيعي عمرو عبد الله لفرانس برس ان "ما يتعرض له الشيعة في مصر ارهاب وتحريض منظم تتحمله الدولة ويتحمله السلفيون"، مضيفا "نطالب بحقوقنا، كمواطنين مصريين لنا حقوق وواجبات". واكد عبد الله ان "الحادث سيزيد الشيعة في مصر تمسكا بحقوقهم وعقيدتهم". وقال الناشط الشيعي ضياء محرم ان "القتيل الشيعي الرابع جرى تشييع جثمانه في محافظة البحيرة (شمال البلاد) التي ينتمي اليها". وحضر عدد من الشباب المنتمين لحركة شباب من اجل الحرية والعدالة الجنازة. كذلك حضر المرشح الرئاسي السابق خالد علي. وقال علي لفرانس برس ان "الحادث نتيجة لسياق عام من التحريض والخطاب الديني والسياسي الذي يحرض علي العنف والكراهية ضد المواطنين بعضهم البعض"، معتبرا ان "الدولة والمجتمع يتحملان مسؤولية الحادث.. مصر لا بد ان تكون ارضا للتعايش السلمي بين الجميع". ويتهم الشيعة الدولة في مصر بعدم توفير الحماية لهم خاصة من مضايقات وتحريض السلفيين مذهبيا ضدهم. كما يشكون تعرضهم لتحريض مذهبي علني في القنوات الدينية السلفية. وكان عدد من اهالي قرية زاوية ابو مسلم عبروا ليل الاحد لمراسل فرانس برس عن شعورهم بالفخر بعدما اقدم المئات من سكان قريتهم على الاعتداء على ضرب الشيعة الاربعة حتى الموت وسحلهم بسبب انتمائهم المذهبي. وقال شهود عيان ومصادر امنية لوكالة فرانس برس ان مئات من اهالي قرية زاوية ابو مسلم في مركز ابو النمرس في محافظة الجيزة (نحو 30 كيلومتر جنوب العاصمة القاهرة) حاصروا واعتدوا على منزل احد شيعة القرية بعدما علموا بتواجد القيادي المصري الشيعي حسن شحاتة فيه برفقة اخرين. وحاول الاهالي حرق المنزل المتواجد في حارة ضيقة بزجاجات المولوتوف لكنهم فشلوا في ذلك. واسفر الاعتداء عن مقتل شحاتة وشقيقه واثنين آخرين وجميعهم من خارج القرية، بالاضافة الى اصابة خمسة اشخاص آخرين. ويعد الشيخ حسن شحاتة (66 عاما) احد ابرز القيادات الشيعية في البلاد، وقد سجن مرتين خلال عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك بتهمة ازدراء الاديان، بحسب ما اكد عدد من اتباع هذا المذهب لوكالة فرانس برس. وقال الشيعي ضياء محرم باكيا ان "شحاتة كان يحضر احتفالا دينيا مع شيعة القرية بمناسبة ليلة النصف من شعبان". وقال النجار ياسر يحيى لفرانس برس "عندما علم الاهالي ان حسن شحاتة في القرية طلبوا من صاحب المنزل تسليمه لهم، لكنه رفض ما جعلهم يهاجمون المنزل". واضاف ان "الاهالي احضروا مطارق ضخمة وهدموا جزءا من حائط المنزل واخرجوا الشيعة واحدا تلو الاخر ثم قتلوهم ضربا في تلك الساحة"، مشيرا الى ساحة كبيرة امام ورشته شهدت واقعة السحل والقتل. وقال مصمم الاثاث سامح المصري "حاولت انقاذهم لكن الاهالي كانوا مصممين على قتلهم"، وتابع "سحلوهم حتى مدخل القرية.. لقد كانت لحظات بشعة". وقال شهود عيان لفرانس برس ان مئات الاهالي كانوا يرددون "الله اكبر.. الله اكبر" و "الشيعة كفار" اثناء الاعتداء على الشيعة وسحلهم في الشارع. وسحل الاهالي الجثث الى خارج القرية حتى سيارات الامن المركزي التي نقلت الجثث الاربع الى المشافي، بحسب شهود عيان. وهناك نحو عشرين اسرة شيعية في قرية ابو مسلم. ويتهم الاهالي القيادي الشيعي شحاتة بنشر المذهب الشيعي بين اهلها. وقال احد اهالي القرية لفراني برس طالبا عدم ذكر اسمه ان "الغضب كبير ضد شحاتة لانه تسبب في اعتناق عدد من شباب القرية للمذهب الشيعي مؤخرا". واستخدم اهالي القرية، ومعظمهم لا تبدو عليهم مظاهر التدين، كلمة "كفار" لوصف الشيعة اثناء حديثهم عنهم امام مراسل فرانس برس الذي زار القرية. ولم يظهر الاهالي اي ندم او خجل من الواقعة، لا بل ان شباب القرية راحوا يتبادلون في ما بينهم مقاطع فيديو لسحل الشيعة الاربعة بفخر وحماس واضح. وقال المدرس محمد اسماعيل وهو يجلس امام منزله "نحن سعداء بما حدث. وكنا نتمنى ان يحدث منذ زمن". وعادة ما يجد العنف الطائفي والمذهبي بمصر ارضا خصبة في المناطق القروية خارج المدن مثل قرية ابو مسلم الفقيرة والعشوائية. ويتهم الشيعة الدولة في مصر بعدم توفير الحماية لهم خاصة من مضايقات وتحريض السلفيين مذهبيا ضدهم. كما يشكون تعرضهم لتحريض مذهبي علني في القنوات الدينية. وخلال مؤتمر حاشد للاسلاميين عقد قبل اسبوع ل"نصرة سوريا" بحضور الرئيس محمد مرسي، تحدث احد قيادات الحركة السلفية الشيخ محمد عبد المقصود، واصفا ب"الانجاس من يسبون صحابة النبي" محمد، في اشارة واضحة الى الشيعة. وقال بهاء أنور، المتحدث باسم شيعة مصر لفرانس برس "احمل الرئيس مرسي المسؤولية كاملة لما حدث لان هناك تحريضا طائفيا مستمرا ضد الشيعة في زاوية ابو مسلم منذ اسبوعين ولم يتدخل احد رغم ابلاغنا السلطات". وقال أنور "الدولة تتخاذل مع دعوات التحريض ضدنا بل وتتبناها. ما حدث نتيجة لتحريض منظم ضد الشيعة في مصر وتشترك فيه الدولة"، واضاف ان "الشرطة لم تحم الشيعة المحاصرين رغم تواجدها في القرية". وقال بائع الطيور عبد الله حجازي ان "الشرطة كانت موجودة خلال الاعتداء لكنها لم تتدخل لمنعه". لكن اللواء عبد العظيم نصر الدين، نائب مدير أمن الجيزة، قال لفرانس برس "حاولنا التدخل لكن التجمهر الكبير للاهالي والشوارع الضيقة منعتنا من التقدم لتفريق الحشود". وتابع وهو جالس بين قواته خارج القرية "الاهالي هاجمونا بالشوم والسنج (السكاكين) ما اضطرنا للانسحاب". واكد اللواء نصر الدين ان "الشرطة نجحت في اخراج 25 شيعيا من المنزل المحاصر وهو ما قلل من عدد الضحايا". ولا يوجد احصاء دقيق معلن لعدد الشيعة في مصر. وبحسب تقرير الحريات الدينية الذي اصدرته الخارجية الاميركية في العام 2006 فان الشيعة يشكلون أقل من 1% من عدد سكان مصر البالغ في حينه 74 مليون نسمة اي نحو 740 الف شخص. وظهرت بوادر تشدد مذهبي في مصر مع الصعود السياسي للحركات السلفية التي حصلت على اكثر من 20 في المئة من مقاعد البرلمان المصري في اول انتخابات تشريعية بعد اسقاط حسني مبارك عام 2011. وانتشر اخيرا توزيع سلفيين لمنشورات وكتيبات تحذر من الخطر الشيعي ومحاولة الشيعة نشر مذهبهم في مصر.