قرر البنك المركزي الاوروبي الخميس توجيه ضربة قوية للمشككين في قابلية منطقة اليورو والعملة الاوروبية الموحدة للحياة، معلنا برنامجا غير محدود لشراء ديون الدول الاكثر ضعفا مثل اسبانيا او ايطاليا. وهذا البرنامج الجديد الذي وضعت له شروط واطلق عليه "التعاملات النقدية المباشرة"، سيحل محل البرنامج الذي اطلق في ايار/مايو 2010 اثناء الازمة اليونانية الاولى، وهو برنامج الانقاذ النقدي. وبدا ان هذا الاخير عاجز عن تفادي تفاقم ازمة الديون لانه محدود في الزمن وخصوصا في الراسمال. والبرنامج الجديد تبرره "التقلبات الخطيرة التي سجلت في سوق السندات العامة والناجمة عن مخاوف لا اساس لها من جانب المستثمرين بشان قابلية سقوط اليورو"، كما اعلن رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي في مؤتمره الصحافي الشهري في ختام اجتماع مجلس حكام المؤسسة المالية في فرانكفورت. ويبقى هذا البرنامج مع ذلك مرهونا بشرط صارم يلزم الدول الراغبة في الاستفادة منه بتقديم طلب مساعدة مسبق للصندوق الاوروبي للاستقرار المالي المؤقت او آلية الاستقرار الاوروبية التي ستخلفه في المستقبل، ما يفترض من الدول التي تطلب المساعدة ان تبذل جهودا كبرى لتصحيح ماليتها العامة. وبوضوح، سيتعين على بلد مثل اسبانيا متحفظ جدا حتى الان، ان يطالب رسميا بالحصول على هذه المساعدة قبل ان يتم تطبيقها. واستقبلت الاسواق الاوروبية التي كانت تخشى ان يراوغ البنك المركزي الاوروبي بعدما وعد في الصيف بعمل واسع النطاق، هذا القرار بالترحيب واقفلت على ارتفاع كبير. وقفزت الاسواق المالية الخميس ترحيبا بقرار البنك المركزي الاوروبي اطلاق برنامج جديد لشراء السندات في اسواق الديون. وكان رد البورصات في اوروبا على اولى اعلانات البنك المركزي الاوروبي بطيئا في بادىء الامر قبل ان تتسارع وتيرته بعدما بدأ المستثمرون يشعرون باتساع نطاق القرارات. ولدى انتهاء جلسات التداول الخميس، اقفلت بورصة فرانكفورت على ارتفاع بنسبة 2,91 بالمئة، وميلانو قفزت بنسبة 4,31 بالمئة في حين ارتفعت بورصة مدريد بنسبة 4,91 بالمئة. وكانت بورصة باريس سجلت قفزة بنسبة 3 بالمئة. وراى هولغر شميدينغ الاقتصادي في بنك برنبرغ ان دراغي "وفى بكلامه". واضاف "بعد سنة ترك خلالها البنك المركزي الاوروبي الضجة في اسواق السندات تحول دون نقل سياسته النقدية، يعالج الان لب مشكلة الازمة في منطقة اليورو"، ويقول انه لن "يدع اي عضو يتمتع بملاءة في منطقة اليورو يعلن افلاسه". وراى ان المستثمرين الذين تعلموا ان لا يعترضوا طريق البنك المركزي الاميركي، الاحتياطي الفدرالي، سيتحققون من الان فصاعدا انه لم يعد يتعين مهاجمة البنك المركزي الاوروبي. وفي اسبانيا حيث استقبل رئيس الوزراء ماريانو راخوي المستشارة الالمانية انغيلا ميركل في الوقت نفسه، رفض المسؤولان التعليق على قرارات البنك المركزي الاوروبي. وفي حين كان يفترض ان تستفيد مدريد الواقعة ضحية هجمات الاسواق، من عمل البنك المركزي الاوروبي، اكتفى راخوي بالقول "عندما يكون لدي اي جديد، ساعلنه لكم". وترفض اسبانيا التي تبنت اجراءات تقشف مؤلمة، في الوقت الحالي طلب مساعدة اوروبية شاملة - بعد تلك التي حصلت عليها لمصارفها - طالما انها لا تعرف ما هي التضحية التي ستطلب منها في المقابل. وطرحت ميركل هي الاخرى السؤال: "ان مؤتمر دراغي يجري الان"، كما قالت، في حين كان اعلان البنك المركزي الاوروبي عن البرنامج الجيد لشراء الديون قد تم نشره. لكنها اضافت ان "البنك المركزي الاوروبي يعمل في اطار استقلاليته ونظامه"، بينما اكد البنك المركزي الالماني الخميس معارضته لشراء ديون عامة والذي يشبهه بانه طريقة التفافية لتمويل العجز العام، وهو امر محظور على البنك المركزي الاوروبي القيام به. من جهته، اعتبر رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو اثناء لقاء في روما مع رئيس الوزراء ماريو مونتي ان البنك المركزي الاوروبي تحرك "ضمن صلاحياته الكاملة" و"بملء استقلاليته". في حين وصف مونتي قرارات المؤسسة المالية الاوروبية بانها "خطوة مهمة الى الامام". واعلن دراغي انه تم التصويت باجماع اعضاء مجلس حكام البنك على البرنامج الجديد باستثناء صوت واحد هو بالتالي صوت ينس فايدمان رئيس البنك المركزي الالماني. وجدد البنك المركزي الالماني في بيان بعد الظهر انتقاداته لقرارات البنك المركزي الاوروبي. وقال "اذا كان هذا البرنامج يقود الدول الى رفض الاصلاحات الضرورية، فهذا سيقوض مجددا الثقة في قدرة المسؤولين السياسيين على حل الازمة". وابدى صندوق النقد الدولي "استعداده للتعاون" مع البنك المركزي الاوروبي حول البرنامج الجديد، كما اعلنت المديرة العامة للصندوق كريسستين لاغارد في بيان الخميس. وقالت لاغارد "نرحب بقوة بالصورة الجديدة لتدخل البنك المركزي الاوروبي في سوق الديون للدول (...). ان صندوق النقد الدولي مستعد للتعاون في حدود صلاحياته". وقال دراغي ايضا ان "مشاركة صندوق النقد الدولي مرغوبة لوضع الشروط المحددة التي ستطلب من الدول والسهر على تطبيق هذا البرنامج". وسيركز البرنامج على السندات القصيرة والمتوسطة الامد "بين سنة وثلاث سنوات"، كما اعلن دراغي موضحا ان ثلاثة اعوام تشكل "الاستحقاق الاكثر فاعلية لبلوغ الاهداف". وخلافا للسيناريو الذي اوردته الصحافة، لن يستهدف البنك المركزي الاوروبي مستويات محددة بشان الفوارق في معدلات فوائد الاقتراض بين دول منطقة اليورو والتي سيتدخل تلقائيا عندما يتم تجاوزها عبر شراء سندات ديون. وسيقوم البنك المركزي الاوروبي من جهة اخرى بتخفيف معاييره مجددا بشان الضمانات (الهامشية) التي تطالب بها مصارف في منطقة اليورو مقابل قروض تمنحها عبر عمليات اعادة تمويل. وترك معدل فائدته الرئيسية في المقابل عند 0,75 بالمئة، وهو ادنى مستوى تاريخي. وكان عدد قليل من المحللين يتوقعون تخفيضا جديدا لمعدل فائدة التسليف في منطقة اليورو في حين لم يكن للمعدل السابق في تموز/يوليو سوى القليل من التاثير بحسب اعترافات مسؤولي البنك المركزي انفسهم.