القاهرة (رويترز) - لم يصدق المصريون أعينهم حين ظهر رئيسهم السابق حسني مبارك العام الماضي في القفص بمحكمة جنايات القاهرة متهما بالتآمر لقتل متظاهرين لكن من أطاحوا به لا يعتقدون أن الحكم الذي سيصدر يوم السبت سيحقق العدالة بشأن مقتل نحو 850 متظاهرا. ومن غير المتوقع أيضا أن يكون الحكم مناسبا بالمقارنة بأفعال حاكم مطلق أدار دولة بوليسية سحقت حقوق الإنسان لمدة 30 عاما إلى أن انفجر الغضب الشعبي. وقال أحمد الفقي الذي عميت عينه اليسرى خلال الاحتجاجات ضد مبارك "العدالة لن تأخذ مجراها." ويترقب المصريون بقلق الحكم الذي قال رئيس المحكمة المستشار أحمد رفعت قبل أكثر من ثلاثة أشهر إنه سيصدر في الثاني من يونيو حزيران خاصة وأنه يأتي بين جولتي أول انتخابات رئاسية تنافسية حقيقية تشهدها البلاد. وأنهى رفعت المحاكمة يوم 22 فبراير شباط. وإذا أُدين مبارك (84 عاما) فإنه يواجه عقوبة تتراوح بين السجن ثلاث سنوات والإعدام شنقا. ويستبعد كثيرون أن يواجه مبارك الذي كان قائدا للقوات الجوية في حرب عام 1973 مع إسرائيل الإعدام بسبب كبر سنه وما يقال عن ضعف مرافعة النيابة. ومن الممكن أن تستمر المحاكمة سنوات أخرى في حالة الطعن على الحكم من قبل مبارك إذا صدر ضده أو من قبل النيابة العامة إذا صدر بالبراءة. وإذا صدر الحكم بالبراءة أو مخففا يمكن أن يكون رد الفعل عنيفا في الشارع بسبب غضب مصريين حاليا من أن "الثورة" التي قاموا بها لم تحقق التغيير الذي كانوا يطمحون إليه. وكثيرون ممن نزلوا إلى الشوارع خلال الثورة محبطون لأن الإصلاح لم يصل إلى الجيش والشرطة المكروهة والقضاء وغير ذلك من المؤسسات التي اعتمد عليها النظام. وأثارت أحكام بالبراءة نالها معظم الضباط الصغار في قضايا اتصلت بقتل متظاهرين مخاوف من أن أحدا لن يُدان بهذه التهم. وفي جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة التي ستجرى يومي 16 و17 يونيو حزيران سيكون على المصريين أن يختاروا بين أحمد شفيق قائد القوات الجوية الاسبق والحليف لمبارك ومحمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين التي تعرضت للقمع من جانب الدولة على مدى عشرات السنين. وأي عنف بعد صدور الحكم يمكن أن يفيد شفيق الذي يبني برنامجه على أنه سيعيد الأمن. لكنه كأحد رموز عصر مبارك يمكن أن يتعرض لمتاعب إذا تسبب حكم بالبراءة في إثارة غضب شعبي واسع من مؤسة الحكم التي يهيمن عليها الجيش. ومن الممكن أيضا أن يقرر القاضي تأجيل النطق بالحكم في القضية التي حوكم فيها مبارك أيضا بتهم تتصل بالفساد المالي. ويحاكم مع مبارك بالتهم التي تتصل بقتل المتظاهرين وزير داخليته حبيب العادلي وستة من كبار ضباط الشرطة السابقين. ويحاكم معه بالتهم التي تتصل بالفساد ابناه علاء وجمال وصديقه المقرب رجل الأعمال حسين سالم المحبوس في اسبانيا على ذمة قضية غسل أموال هناك. ومبارك أول زعيم عربي يقدمه شعبه للمحاكمة. وحوكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي غيابيا بعد نفيه الاختياري في السعودية. لكن منظمات تراقب حقوق الإنسان تقول إن فرصة أن تصبح المحاكمة سابقة في مجال محاسبة المسؤولين في أكبر الدول العربية سكانا يمكن ألا تكون قوية. وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقرير عن المحاكمة "ليس هناك جهود جادة لمحاسبة المسؤولين عن موت أشخاص قيد الاحتجاز والاعتقال المخالف للقانون والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان المنتظمة في عصر مبارك." وقالت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها إن ذلك "يسيء لسمعة الحكومة الحالية ويلقي بالشكوك على التزامها بالعمل بتعهداتها في شأن حقوق الإنسان وسيادة القانون." ويحاكم مبارك والمتهمون الآخرون في القضية أمام محكمة عادية لكن أكثر من 12 ألف مدني حوكموا أمام محاكم عسكرية منذ انتشار الجيش في البلاد يوم 28 يناير كانون الثاني العام الماضي. والاتهامات الموجهة لمبارك والعادلي وضباط الشرطة والمتصلة بقتل المتظاهرين تغطي ستة أيام فقط من بدء الثورة يوم 25 يناير كانون الثاني العام الماضي. ويقول القاضي فكري خروب الذي يرأس دائرة في محكمة استئناف الإسكندرية "المحاكمة (هي) عن آخر شيء ارتكبه (مبارك) وليس ما يريد الشعب محاكمته عليه." ومضى قائلا لرويترز "الشعب المصري لن يرضى بمحاكمة غير عن جريمة الخيانة العظمي. أنا واثق أن الشعب لن يهدأ له بال غير بمحاكمة عادلة (ترد الحقوق) لهم ولثورتهم." وخلال جلسات المحاكمة ظهر مبارك في القفص على سرير طبي متحرك. ولم يقل شيئا تقريبا خلال الجلسات سوى إنه حاضر أو إنه ينفي المنسوب إليه. ويقول الفقي (24 عاما) والذي يعمل مهندسا ميكانيكيا إن البراءة أو حكما مخففا على مبارك سيكون خيرا وبركة على الثورة. ومضى قائلا "هذا سيكون فرصة كبيرة للعودة للميدان والعودة لطريق الثورة الصحيح ولتوحيد الجميع الذين تفرقوا أو تعرضوا للاستقطاب." وتنحى الحماس الذي واكب ظهور مبارك في القفص للمرة الأولى في الثالث من أغسطس آب جانبا لصالح التثاؤب مع طول مضى الوقت في المحاكمة التي تجرى على أساس قوانين لم تدركها يد الإصلاح والتي صار الارتباك الذي شهدته رمزا للفترة الانتقالية المتعثرة بقيادة الجيش. وبدت النيابة العامة التي كان مبارك قد عين رئيسها حين كان رئيسا للدولة عاجزة عن تقديم دليل قاطع واتهمت وزارة الداخلية التي هي متهم ومحقق في القضية بعدم التعاون معها في جمع الأدلة. وحين تخلى مبارك عن منصبه طار إلى منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر ولم يسمح المجلس العسكري بالمضي في المحاكمة إلا بعد شهور من المظاهرات الحاشدة. وشابت المشاهد الفوضوية للمحامين وهم يصرخون داخل القاعة ومشاجرات بين المؤيدين والمعارضين لمبارك خارج مقر المحاكمة الجلسات الأولى ولم يتحقق الهدوء إلا بعد أن أمر القاضي بوقف البث التلفزيوني المباشر. ويغضب مصريون كثيرون من مبارك بسبب عشرات السنين التي رسخ فيها المؤسسة الأمنية وأجرى إصلاحات اقتصادية أفادت فيما يبدو قلة مختارة فقط. لكن هناك آخرين يشعرون بالاستياء من تعطيل الأعمال والنكسات الاقتصادية على مدى 15 شهرا ويحنون للماضي القديم والرجل الذي قاده. وقال عمر عبد اللطيف وهو فلاح عمره 59 عاما "مبارك لم يفعل شيئا سيئا أبدا لكن الحاشية التي حوله هي التي فعلت هذه الأشياء." ويردد مصريون كثيرون نفس القول. وقال فريق الدفاع إن مبارك ووزير داخليته بريئان من كل الجرائم. وقال المحامي عصام البطاوي الذي دافع عن العادلي "أنا واثق في براءة حبيب العادلي ومبارك من الكلام المنسوب إليهما." وأضاف "الحكم أقرب للبراءة من الإدانة. القضاء لا يهمه الرأي العام أو الشارع المصري. القضاء هو العدل." وبحسب القانون في مصر يمكن للقاضي أن يبني حكمه على الظروف المحيطة بالجريمة وليس على الدليل فقط وهو ما يعني أنه يمكن أن يدين مبارك على أساس مسؤوليته السياسية. لكن الحكم في قضية مبارك الذي قضى وقت التحقيق والمحاكمة في مستشفيين فاخرين تشرف عليهما القوات المسلحة يمكن أن يترك المصريين في شوق للإحساس بالعدل. وقال المحامي خالد أبو بكر الذي ترافع عن ضحايا للانتفاضة "سيتحول هذا إلى كراهية عمياء للنظام وشك في القضاء." وأضاف "أي أحد يرى التحقيقات ضد مبارك سيرى أنها غير مقنعة وغير كافية. بالنسبة للمواطن العادي كانت هذه محاكمة شكلية." وتابع "لا يوجد شك أن حكما بالبراءة سيكون انتكاسة كبرى للثورة." (إعداد محمد عبد اللاه للنشرة العربية - تحرير مصطفى صالح)