يهدد الارتفاع الكبير في اسعار البنزين الانتعاش الاقتصادي الطفيف الذي حققه الاقتصاد الاميركي ما يمكن ان يبدد امال الرئيس الاميركي باراك اوباما في الاحتفاظ بمنصبه لفترة ثانية. وقد تمكن الاقتصاد الاميركي الذي اخذ في الانتعاش الضعيف بعد اربع سنوات من الركود، من تفادي الانعكاسات السلبية للزلزال والتسونامي اللذان ضربا اليابان، والثورات العربية وازمة الديون الاوروبية المستمرة. والان وبعد ان بدأت معدلات البطالة في الانخفاض، وبدأ الاقتصاد في تحقيق نمو، يمكن ان يوجه ارتفاع اسعار النفط ضربة اخرى للاقتصاد الاميركي الذي يعد الاكبر في العالم. وفي العام الماضي ارتفعت اسعار النفط الخام والبنزين بسبب عدة عوامل من بينها التوتر في ايران وسوريا وليبيا ونيجيريا وجنوب السودان، والضغط على مصافي النفط وتزايد الطلب العالمي على الوقود. وبالنسبة للاميركيين فان ذلك تترجم في ارتفاع اسعار البنزين بنسبة 12,5% - اي من 3,17 دولار للغالون العام الماضي الى 3,57 دولار للغالون اليوم، مما يعني ضغطا ماليا على العائلات الاميركية. ويرى الاميركي جوزيف لافورغنا كبير الاقتصاديين في بنك دويتشه ان ارتفاع اسعار الوقود هو "واحد من المخاطر الكبيرة على الاقتصاد هذا العام". ويقدر لافورغنا وفريقه انه مقابل كل سنت من الزيادة في سعر البنزين، فان كلفة الوقود المستخدم منزليا تزداد بنحو 1,4 مليارات دولار. ويذهب معظم هذا المبلغ الى الخارج بدلا من ان يصب في الاقتصاد الداخلي. وبدأت مؤشرات تظهر على ان ارتفاع اسعار النفط بدأ يهز ثقة المستهلكين. وطبقا لمعهد غالوب وغيره من معاهد استطلاعات الراي، فان الثقة في الاقتصاد بدأت تتراجع بعد سلسلة من المكاسب المشجعة. ويتوقع ان تتراجع اسعار النفط في الاشهر القليلة المقبلة مع دخول النصف الشمالي من الكرة الارضية فترة يقل فيها استهلاك النفط بين فصلي الشتاء والصيف، ولكن فترة الانخفاض هذه من المرجح ان تكون مؤقتة. وطبقا لاتحاد السيارات الاميركي، فان اسعار البنزين يمكن ان ترتفع الى 4,25 دولار للغالون بنهاية ايار/مايو، وهو ما يزيد كثيرا عن عتبة 4,00 دولار الرمزية التي يعتبرها العديد من الاميركيين مرتفعة. ومن المفارقات ان قوة الاقتصاد هي التي يمكن ان تكون مسؤولة عن ذلك. واوضح محللون في شركة جاي بي مورغان الثلاثاء ان "تسارع الاقتصاد .. يمكن ان يدفع اسعار النفط الى الارتفاع خلال الاشهر ال12 الى 24 المقبلة". واذا شكل ارتفاع اسعار النفط اخبارا اقتصادية سيئة للبلاد، فانها بلا شك تشكل اخبارا سيئة كذلك بالنسبة للرئيس اوباما من الناحية السياسية. وفي بعض الاحيان يرتبط الرضى عن اداء الرئيس بشكل قوي مع ارتفاع اسعار البنزين، كما حدث مع سلف اوباما الرئيس السابق جورج بوش. وفي حالات اخرى فان هذه العلاقة لا تكون بنفس القوة. الا ان القلق بدا على البيت الابيض. ويتوقع ان يعود اوباما الى التطرق الى مسالة سياسة الطاقة في خطابه في ميامي بولاية فلوريدا يوم الخميس. وعلى اقل تقدير، فقد منح ارتفاع اسعار النفط اعداء اوباما السياسيين ذريعة لمهاجمته حتى مع انتعاش الاقتصاد، كما ادى الى اخماد تاثير الخفض الضريبي بمقدار 40 دولار في الشهر والتي دار خلاف كبير حولها. وسعى الجمهوريون ميت رومني وريك سانتوروم ونيوت غينغريتش، الراغبون في الحصول على ترشيح حزبهم لخوض سباق الرئاسة، الى القاء اللوم في ارتفاع اسعار النفط على اوباما. واشاروا الى معارضة اوباما للحفر البحري للتنقيب عن النفط، ومد خط انابيب من كندا، اضافة الى دعمه وقف الخفض الضريبي لشركات النفط، وقالت ان هذه عوامل ساهمت في ارتفاع اسعار النفط. حتى ان غينغريتش وعد بخفض سعر البنزين الى 2,50 دولار للغالون. ويامل جميع المرشحين الجمهوريين في ان يؤدي موقفهم بشان الطاقة الى اغداق شركات النفط بالاموال عليهم مع مواصلتهم حملاتهم الانتخابية المكلفة. ورد البيت الابيض على ذلك الهجوم، حيث قال المتحدث الرئاسي جاي كارني الثلاثاء بانه "لا توجد حلول سحرية لارتفاع اسعار النفط". كما اتهم البيت الابيض الجمهوريين بالانتهازية السياسية. وقال كارني ان "الرئيس مدرك تماما .. لتاثيرات اسعار النفط العالمية على العائلات (الاميركية)، وهذا ليس امرا اكتشفته الادارة او تعيد اكتشافه كل فصل ربيع كما هو الحال عند بعض السياسيين". الا ان ايد يارديني الاستراتيجي في مجال الطاقة في معهد يارديني يقول انه لا تزال لدى الرئيس اوباما بعض الخيارات لتخفيض الاسعار. وقال ان "ادارة اوباما بلا شك ستلجأ الى المخزون الاستراتيجي من النفط قريبا، اذا بقيت اسعار البنزين عن معدلاتها الحالية او اذا ارتفعت". وفي حزيران/يونيو الماضي، امر اوباما باستخدام 30 مليون برميل من مخزونات النفط اثناء الحرب في ليبيا، مما ساعد على خفض استعار البنزين التي بلغت نحو 4,00 دولارات للغالون في ذلك الوقت. ورغم ان الولاياتالمتحدة ومعظم الدول الغربية لا تشتري كميات كبيرة من النفط الايراني، الا ان اية مواجهة مع طهران يمكن ان تؤدي الى ارتفاع كبير في اسعار النفط. ففي عام 1979 واجه الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر صعوبات في حملة اعادة انتخابه مع ارتفاع اسعار البنزين بسبب الاضطرابات التي اعقبت الثورة الايرانية. وقد ساهم ذلك في النهاية في اخفاقه في الحصول على ولاية رئاسية ثانية.