القاهرة - بالرغم من أن الخبراء يتفقون على ضرورة أن تتبع الحكومة حاليا سياسة تقشفية مع محدودية الموارد المتاحة لها، فإنهم يختلفون على البنود التى يطلها هذا التقشف، سياسة التقشف فى معناها المطلق مقلق، ولكنها، وفقا لما تضمنه خطاب رئيس الوزراء أمس الأول، تبدو غير مقلقة، خاصة وأن الجنزورى أعلن صراحة أنه لا مساس بالمواطن المصرى، هذا ما جاء على لسان خبير اقتصادى، فضل عدم نشر اسمه. ويضيف المصدر أن «التقشف خيار إجبارى حاليا لمحدودية الموارد المتاحة للحكومة، ولكنه يجب أن يكون مؤقتا حتى لا يضر بالاقتصاد بشكل عام»، بحسب قوله مؤكدا أن 70% من الموازنة بنود لا يمكن الاقتراب منها، «لا يمكن أن نقتطع فى الوقت الحالى من كعكة الموارد المحدودة التى تمتلكها الحكومة لزيادة الأجور». كان رئيس الوزراء، كمال الجنزورى، قد أعلن فى مؤتمر صحفى له أمس الأول عن اتجاه الحكومة لترشيد الإنفاق من أجل توفير 20 مليار جنيه، وإن كان أكد أن ذلك سيكون فى قطاعات لن تؤثر على المواطن. ويطرح سامر سليمان، أستاذ الاقتصاد فى الجامعة الأمريكية، سؤال يراه الأهم حاليا وهو «هل ستبدأ حكومة الجنزورى فى فتح ملفات الفساد والإنفاق الترفى الذى يشوه الموازنة وطالما تلقى الشعب وعود بتعديلها منذ الثورة ولم يحدث بها أى شىء حتى الآن؟ هذه هى الحالة الوحيدة التى سيكون بها التقشف مفيدا وحتى إن لم يوفر موارد كبيرا ولكن يكفى انطباع المصداقية الذى ستعطيه للشعب»، بحسب قول سليمان. ويضرب سليمان مثالا ببعض أوجه الإنفاق التى يرى ضرورة لترشيدها واتباع سياسة التقشف بها، مثل تطبيق الحد الأقصى للأجور، وخفض دعم الطاقة الموجه للصناعات كثيفة الاستهلاك. وفى هذا الإطار، يرجح المصدر، الذى طلب عدم نشر اسمه، أن يكون رئيس الوزراء يستهدف بالتقشف ترشيد الاستهلاك الحكومى، ومحاولة ترشيد الدعم الموجه للغذاء بالإضافة إلى عدم الاتجاه لزيادة الأجور فى الوقت الحالى، مستبعدا الاقتراب من دعم الطاقة الموجهة للمصانع، ويؤكد المصدر أن «تطبيق هذا النوع من التقشف لن يمس بالأداء الاقتصادى للدولة ولن يؤدى إلى الانكماش». وعلى عكس سليمان، يرى هذا المصدر أن دعم القطاع الخاص فى الفترة الحالية، هو الحل الأمثل لدعم الاقتصاد، على أن يكون ذلك على المدى القصير فقط، وذلك من خلال إعطاء إعفاءات ضريبية مؤقتة تسمح له بالتصدير والتشغيل ومن ثم زيادة إجمالى الناتج المحلى، «نحن فى جميع الحالات لن نحصل من هذا القطاع ضرائب عن هذا العام الكبيس»، بحسب قول المصدر. ويتعارض هذا الكلام مع التقرير السنوى لمنظمة مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، الصادر فى سبتمبر الماضى، تحت عنوان «التحديات السياسة ما بعد الأزمة فى الاقتصاد العالمى»، والذى أكد أن الطلب المحلى هو الذى يقود النمو، ومن ثم فإن زيادة الأجور هى المحرك الرئيسى للطلب المحلى فى اقتصاديات السوق المتقدمة والناشئة، مؤكدة نهاية نموذج الاقتصاد القائم على التصدير لحساب أرباح الشركات أولا. ويتفق إبراهيم العيسوى، أستاذ الاقتصاد فى المركز القومى للتخطيط، مع التقرير مؤكدا أن زيادة فاتورة الأجور، فى وقت الأزمة، هى مفتاح إنعاش الاقتصاد القومى، مشيرا إلى ضرورة تحميل الطبقات الغنية مزيد من الأعباء لصالح الفقراء. ف«طالما استفادت الطبقات الغنية ورجال الأعمال من الإعفاءات الجمركية، دون أى دفع للاقتصاد، وذلك لأنهم فى أغلب الأوقات يستخدمون أموالهم فى تسديد ديونهم وتنويع نشاطهم. ولكن الطبقات الفقيرة والمتوسطة تنفق أموالها على تلبية احتياجاتها ومن ثم تساهم فى زيادة الإنفاق المحلى وتنشيط الاقتصاد».