بعد محاولات عدة للاقتراض من الخارج، بهدف إنقاذ الاقتصاد المصرى من أزمته، لحين إنعاش القطاعات الرئيسية به وعودتها إلى معدلاتها الطبيعية، يسود اتجاه لدى الحكومة إلى تطبيق خطة تقشفية، لتقليل الاعتماد على الاستدانة الخارجية، خاصة من صندوق النقد والبنك الدوليين وتقليل عجز الموازنة العامة، تجنبا لأشهر عجاف. وطرح خبراء اقتصاد عدة بدائل أمام الحكومة الحالية لتوفير إيرادات دون اللجوء للاقتراض الخارجى، تتمثل فى تخفيض دعم الطاقة الذى يستحوذ على أكثر من 80% من إجمالى مخصصات الدعم، وإنعاش حركة السياحة مجددا بإنهاء حالات الارتباك السياسى والاقتصادى والأمنى التى تسود البلاد. وبينما أكد الخبراء أهمية تبنى سياسات تقشفية، فى ظل الظروف الحرجة التى يمر بها الاقتصاد، فقد حذروا من تأثير هذه الخطوة على ما وصفوه بالقطاعات الاجتماعية، خاصة التعليم والصحة والغذاء، باعتبارها المحرك الأساسى فى موجة الغضب التى أطاحت بالنظام السابق، مطالبين بالتعامل الحذر مع هذه القطاعات «المالية»: فشل الاقتراض الدولى يدفع الحكومة إلى سياسة التقشف والتوجه للدول العربية كشف مصدر مسؤول بوزارة المالية، أن هناك توجهاً لدى الدولة لتطبيق سياسة تقشفية، من خلال تقليص بعض المخصصات لعدد من القطاعات، خاصة بعد حدوث تضارب بين مسؤولين حول جدوى الاقتراض من الخارج. وقال المصدر، الذى رفض ذكر اسمه، إن مفاوضات الحكومة مع الدول العربية حول المساعدات اتخذت منحى جديداً، خاصة عقب الصعوبات التى تواجهها مصر فى الحصول على قروض دولية لسد عجز الموازنة. وأوضح أن الدول العربية، خاصة دول منطقة الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت، بدأت فى فرض شروط ترفضها الحكومة المصرية، مما أدى إلى الاتفاق على طريقتين للمساعدة هما ضخ استثمارات مباشرة، وتقديم قروض دون فوائد. وقال المصدر ل«المصرى اليوم»، إن القطريين أرسلوا 500 مليون دولار كمساعدات للحكومة، عقب إرسال السعودية 200 مليون دولار سلمتها الحكومة المصرية لأحد بنوكها العامة وهو بنك القاهرة لتمويل المشروعات الصغيرة. وأضاف أن الحكومة بدأت فى استعجال صرف المخصصات التى أعلنت عنها السعودية وتصل قيمتها إلى 4 مليارات دولار، بعد فشل مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولى للحصول على 3 مليارات دولار لسد عجز الموازنة. كانت فايزة أبوالنجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولى، قد شددت على رفض مصر جميع الشروط التى تفرضها مؤسسات التمويل الدولية، بعد أن كشفت عن فرض هذه المؤسسات وعلى رأسها صندوق النقد الدولى، شروطا اعتبرتها مصر «غير مقبولة». وقال المصدر إن من بين هذه الشروط استمرار الخصخصة وبيع الشركات، فضلا عن مبادلة بعض الديون بالتنازل عن حقوق الملكية، وهو ما استدعى الرفض. وأكد أن التوجه الحالى للحكومة هو الاستعانة بالدول العربية وبعض مؤسسات التمويل التى لا تفرض شروطا أو تمثل مساعداتها أى عبء على الموازنة العامة للدولة، ومنها مؤسسة «أوبك» الأمريكية التى خصصت 2 مليار دولار لإقراض الشركات الأمريكية والخاصة العاملة فى مصر. كانت مستشارة السفيرة الأمريكية قد أعلنت عن تخصيص 2 مليار دولار من أموال «أوبك» الأمريكية لتمويل شركات عاملة فى مصر خلال لقاء جمع مسؤولى المؤسسة ورئيس هيئة الاستثمار فى القاهرة، الشهر الماضى. وقال أسامة صالح، رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، إن هناك مفاوضات بين وزيرة التعاون الدولى ومؤسسة «أوبك» الأمريكية للحصول على 50 مليون دولار لدعم المصانع الصغيرة والمتوسطة، وتوفير ضمانات. وأضاف فى تصريح ل«المصرى اليوم»، أن المفاوضات بين الجانبين تتضمن نوعين من التمويل وهما تمويل مباشر وآخر غير مباشر، لكن ما يتم بحثه حاليا هو سعر الفائدة. وعلق حازم الببلاوى، الخبير الاقتصادى، على توجهات الدولة للتقشف، قائلا إن الأزمة التى تمر بها مصر تستلزم اللجوء لجميع الإجراءات العلاجية والوقائية ومن بينها التقشف. خبراء: القطاعات الاجتماعية «خط أحمر» للسياسات التقشفية.. والحكومة مطالبة بتوصيل الدعم لمستحقيه دعا خبراء اقتصاد ومصرفيون إلى ضرورة اتخاذ الحكومة عدداً من الإجراءات كبديل عن الاقتراض من الخارج، تتمثل فى إعادة النظر فى دعم الطاقة وتقليصه بما يسمح بخفض عجز الموازنة وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد المصرى، وإنعاش حركة السياحة وتعزيز تحويلات المصريين فى الخارج. وأكد الدكتور سلطان أبوعلى، وزير الاقتصاد الأسبق، أهمية عدم التوجه للاقتراض من الخارج، مشيرا إلى أن التزامات الدين الخارجى تقلل من قدرة الحكومة على الإنفاق على قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم. وقال أبوعلى، فى تصريح ل«المصرى اليوم»، إن البديل المقترح عن الاقتراض من الخارج يتمثل فى زيادة الإيرادات، مؤكدا عدم صعوبة تحقيق إذا ما تم التخلص من بطء السياسات الاقتصادية. وفى هذا السياق، أكد الدكتور فخرى الفقى، أستاذ الاقتصاد، المسؤول السابق فى صندوق النقد الدولى، أن تخفيض الدين الخارجى مطلوب، خاصة أنه وصل إلى نحو 35 مليار دولار، فى ظل وجود مشكلة كبرى تتمثل فى عدم القدرة على خدمة هذا الدين. وشدد على ضرورة التخلص من حالة الارتباك الاقتصادى والسياسى والأمنى للحكومة الحالية، بما يعيد الثقة إلى مناخ الأعمال. وأكد الفقى ل«المصرى اليوم»، أن البدائل المتمثلة فى عدم الاقتراض من الخارج تتمثل فى عودة السياحة إلى معدلاتها الطبيعية التى سجلت بنهاية العام الماضى نحو 12 مليار دولار. وأشار إلى العمل على تعزيز تحويلات المصريين العاملين بالخارج، كعامل مهم فى بنود الإيرادات المحققة للدولة، بجانب إعادة النظر فى بنود الدعم وتخفيضه، خاصة دعم الطاقة الذى يصل وحده إلى 95.5 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة التى أقر مجلس الوزراء تعديلاتها مؤخرا. ولفت إلى ضرورة إعادة النظر فى الموازنة، مشيرا إلى أن التعديل الأخير الذى جرى عليها يشير إلى حالة الارتباك فى الأداء الاقتصادى، منتقدا تخفيض مخصصات الاستثمارات العامة بقيمة 8.7 مليار جنيه، لتصبح 47.2 مليار جنيه. وأكد أن مجلس الوزراء أجرى تعديلا على الموازنة الجديدة بعد 3 أسابيع من إعلانها، وخفض الإنفاق بمقدار 28 مليار جنيه، ليصل إلى 490 مليار جنيه بدلاً من 517.8 مليار، وأدت التخفيضات الجديدة فى الإنفاق إلى تراجع قيمة العجز إلى مستوى 134.3 مليار جنيه. وجاء تخفيض الإنفاق، حسب الفقى، على حساب 5 من الأبواب الستة التى تتشكل منها الموازنة العامة، وهى: خدمة الدين و«الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية»، والاستثمارات العامة و«المصروفات الأخرى» وشراء السلع والخدمات، بينما كان باب الأجور هو الوحيد الذى شهد زيادة فى مخصصاته بقيمة 1.1 مليار جنيه، ليصبح 117.5 مليار جنيه لتغطية رفع الحد الأدنى للأجور المقرر بنحو 700 جنيه. واقترح أحمد آدم، الخبير المصرفى، رفع رؤوس أموال البنوك إلى 3 مليارات جنيه بدلا من 500 مليون جنيه حاليا، بما يساهم فى ضخ ما يصل إلى 11.5 مليار دولار (67.8 مليار جنيه). «التنمية الإدارية»: التقشف يحتاج رقابة صارمة على الموارد الحكومية أكد الدكتور أشرف عبدالوهاب، القائم بأعمال وزير التنمية الإدارية، ضرورة تطبيق رقابة صارمة على موارد الدولة وأوجه الإنفاق الحكومى لتطبيق سياسة تقشف فاعلة. وقال عبدالوهاب، فى تصريح خاص ل«المصرى اليوم»، إنه لابد من التخلص من ثقافة الفساد الحكومى، وتقليل إهدار الموارد وتحسين إدارة الموارد البشرية، مضيفا أن الاستغلال الأمثل للموارد هو الأساس فى أى سياسة تقشف، مع حصر الموارد غير المستغلة، والاستغناء عن الإنفاق غير الرشيد. وطالب بإعلان الموارد والنفقات الحكومية على الرأى العام من خلال مواقع الوزارات على الإنترنت بدءاً من الخطط والمشروعات وانتهاء باستهلاك الكهرباء والبنزين والمشروبات، معتبرا أن ذلك سيعطى نموذجاً للشفافية، وسيؤكد رغبة هذه الجهات فى التقشف أمام الرأى العام. وأكد أن الحكومة الإلكترونية يمكن أن تساهم فى توفير الوقت والجهد والأموال للحكومة. ورغم المحاولات الحكومية لتقليص عجز الموازنة واتباع سياسة تقشفية، فإن شريف سامى، خبير استثمار مباشر، رأى أن الحكومة الحالية غير مؤهلة للبدء فى سياسة تقشف اقتصادى حقيقى، فى ظل الضغوط الشعبية التى تمارس عليها. وطالب سامى بضرورة استصدار قرارات حاسمة لترشيد الدعم وتحفيز القطاع الخاص للاستثمار فى المشروعات القومية والاستراتيجية. وأشار إلى أن نصف الميزانية الحالية لا يمكن أن تدخل فيها سياسة التقشف، خاصة أنها توجه لخدمة الدين المحلى والأجنبى ورواتب العاملين بجهاز الدولة الإدارى، كما يوجه النصف الثانى من الموازنة إلى الاستثمارات فى التعليم والصحة والبنية الأساسية. وأضاف أن التقشف نوعان: مظهرى وحقيقى، موضحا أن جميع الحكومات السابقة كانت تتبع النوع المظهرى، بهدف إرضاء الشارع، مثل تقليص مواكب الوزراء وتخفيض الإعلانات الحكومية فى الصحف والقنوات الفضائية، بينما الأخير يحتاج إلى قرارات حاسمة لتحقيق وفر لا يقل عن 4% فى الموازنة الحالية ينعكس على مستوى معيشة الشعب.