أظهرت الموازنة العامة الجديدة للدولة تخصيص 33٪ من اجمالي الموازنة لسداد الدين العام علي البلاد وعجز الموازنة والمقدرين ب"211" مليار جنيه مقسمة إلي 111 مليار جنيه لسداد فوائد الديون المتراكم علي الحكومة و100 مليار لدفع أقساط القروض طبقا للباب الثامن في الانفاق - غير المعلن - وهو ما فتح الباب مرة أخري للحديث عن مخاطر الاقتراض علي أكثر من مستوي، خاصة في ظل الحديث عن سعي مسئولي المالية الفترة الماضية للاقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. اختلف خبراء الاقتصاد بين مؤيد ومعارض حول طلب مصر اقتراض مبلغ 6.2 مليار دولار من البنك وصندوق النقد الدوليين، لخلق فرص العمل، وسد العجز في الموازنة وميزان المدفوعات، ومواجهة الانخفاض في الاحتياطي النقدي المالي للعامين الجاري والمقبل، وأشاروا إلي وجود مخاطر بالاقتراض في التوقيت الحالي، وقدموا عدة بدائل محلية للتعامل مع الأزمة المالية الحالية. وكان وزير المالية قد أجري مفاوضات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، خلال الأيام القليلة الماضية، للحصول علي قروض ميسرة، بقيمة 2.2 مليار دولار من البنك يتم تخصيصها لأغراض التشغيل وخلق فرص العمل، خاصة في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ونحو 4 مليارات دولار من الصندوق، لميزانية العامين الماليين الجاري والمقبل، لعبور الأزمة الحالية، وسد العجز في الموازنة وميزان المدفوعات، ومواجهة الانخفاض في الاحتياطي النقدي المالي للعامين الجاري والمقبل، خاصة مع توقف السياحة والصادرات. أوضح السفير جمال بيومي أمين عام اتحاد المستثمرين العرب أنه علي الرغم من وجود مخاطرة في طلب الاقتراض من البنك والصندوق الدوليين، إلا أنها ضرورة في الوقت الحالي، مشيرا إلي أن اقتراض مصر الخارجي في الحدود الآمنة، فبرنامج الإصلاح الاقتصادي المطبق منذ عام 1990 وإعادة الجدولة جعلا عبء الدين الخارجي في الحدود المعقولة بعدما استمرت مصر في سداد ديونها بانتظام. وأضاف قائلاً: "إذا كانت هناك حاجة ماسة للاقتراض فلا يوجد مشكلة، خاصة أن قروض البنك الدولي وصندوق النقد ميسرة ولا يوجد عليها فائدة، ومن يعترض علي هذه الخطوة "يجري" علي شغله لأننا لم نلجأ لهذا الطريق إلا بعد توقف الانتاج ل4 شهور تقريبا، وعلينا أن نتوقف عن الطلب ونقدم حلولاً حقيقية لحل مشاكلنا الحالية وتخطي أزماتنا". وأشار "بيومي" إلي وجود عدة اقتراحات للمساهمة في حل الأزمة كتثبيت الأجور لمدة 3 سنوات وعدم الإقدام علي زيادتها مثلما فعلت ألمانيا عندما انهارت ماديا فجمدت النقابات العمالية الأجور لمدة 5 سنوات، فضلا عن ترشيد الانفاق والحد من تضخم الأجور ووضع حد أعلي للمرتبات وعدم المبالغة فيها، وإعادة هيكلة الجهاز الوظيفي. وكشف "بيومي" عن صعوبة الاقتراض من الدول العربية خاصة دول الخليج، مرجعا ذلك لحالة الترقب التي تعيشها هذه الدول حاليا , فضلا عن غضب بعض الدول للتعدي علي مستثمريها لفظيا، وخلق مناخ شكك في هؤلاء المستثمرين. وحذر "بيومي" الحكومة المصرية من اللجوء لطبع أموال لحل الازمة الحالية، مشيرا إلي ضرورة زيادة نسبة الضرائب والقضاء علي السوق السوداء وتقليل الأعباء عن الطبقة الفقيرة كحلول داخلية للأزمة الاقتصادية. واعتبر السفير فؤاد شاكر امين عام اتحاد المصارف العربية أن هذه القروض مؤقتة بفوائد محدودة، يتطلبها وضع البلاد الحالي، مشيرا إلي أن البديل للاقتراض من البنك والصندوق الدوليين الاقتراض من البنوك الدولية، إلا أن شروطه أكثر إجحافا من الآخرين - علي حد قوله. وأضاف قائلاً: " إنه إذا استقامت الأمور فإن مصر قادرة علي تعويض ما فقده اقتصادها خلال الأشهر الماضية فالأمر في كل الحالات يتوقف علي استقرار الأوضاع واستتباب الأمن، خاصة أن البلاد ليست مفلسة ولا تعاني من وضع اقتصادي سيئ، ولكن توقف قطاعات إنتاجية كثيرة كالسياحة وضعف الاستقرار السياسي أدي لما تشهده البلاد حاليا". وشدد "شاكر" علي ضرورة التوقف عن المطالبة بمطالب فئوية وإعادة الروح للقطاعات الانتاجية، والاهتمام بقطاع السياحة، والتركيز علي عودة الاستقرار للبلاد، لإعادة الثقة في الاقتصاد المصري. ووصف "شاكر" علاقة مصر بدول الخليج في الوقت الراهن بغير الجيدة مما أدي لعدم لجوء المسئولين للاقتراض من هذه الدول، مرجعا توتر العلاقة لفتح الجهاز القضائي المصري عدة تحقيقات لمستثمرين خليجيين، خاصة الإمارات مما آثر علي العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول المنطقة. ونفي "شاكر" إمكانية ايجاد حلول محلية بديلة للاقتراض من البنك الدولي كتعديل اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل، مشيرا إلي أن مثل هذه الأمور تأخذ من الوقت بمكان، مما يصعب لمس نتائجها بشكل آني قائلاً: "تغيير شروط اتفاقية دولية كهذه قد يأخذ سنوات ومن يتحدث عن عدم الاقتراض وتحديث الاتفاقية فورا جاهل لا يملك أدني خبرة ومعرفة بالأمر". ووصف الخبير الاقتصادي حمدي عبدالعظيم هذه القروض بأنها قروض للاستهلاك وليست للانتاج، هدفها دفع الأجور أو زيادتها والاستهلاك وليست لتمويل الاستثمار ودعم الانتاج، وسوف تتحملها الأجيال القادمة. وأوضح "عبدالعظيم" أن القيمة التي طلبت مصر اقتراضها تعادل ما فقدته البلاد من الاحتياطي النقدي لدي البنك الدولي والذي كان يقدر ب36 مليار دولار قبل الثورة واصبح 30.1 مليار دولار بعدها، مشيرا إلي أن الاقتراض محاولة لتعويض النقص الذي حدث، بعد هبوط مصادر الدخل وانخفاض معدل النمو الاقتصادي إلي 2.5٪ بعد الثورة مقابل 5٪ قبلها، فتراجع قطاع السياحة بنسبة 60٪ وأنخفضت تحويلات المصريين من الخارج بعد عودة نسبة كبيرة منهم للبلاد، فضلا عن انقطاع الاستثمار الأجنبي وانخفاض حصيلة الضرائب بعد توقف أغلب المصانع والشركات عن العمل. وطرح "عبدالعظيم" عدة بدائل للاقتراض يأتي علي رأسها تعاون شركات قطاع الأعمال العام مع الخاص في انتاج مشترك يفتح مجال العمل للشباب ويقضي علي أزمة البطالة، وتنشيط السياحة والتوسع في مجال التجارة مع الدول العربية والأفريقية، وإعادة هيكلة نفقات الموازنة ليقل دعم الاغنياء ويتحول للفقراء، فضلا عن فرض الضريبة التصاعدية. ورفض الخبير الاقتصادي محمود حسين فكرة اللجوء للاقتراض الدولي في الوقت الحالي، قائلاً: "لا أؤيد فكرة الاقتراض بالوقت الحالي فهي ليست لصالح البلاد، وستزيد من عبء الديون، والاقتراض يتوقف علي حجم الدين الكلي والذي تخطي حاليا النسبة الآمنة، فأصبح 89٪ من الناتج المحلي الاجمالي". وأضاف أنه لابد من وضع رؤية مسبقة لكيفية سداد الديون حتي لا تتراكم وتزيد ديون البلاد، رافضا فكرة الاقتراض الدولي بالدولار لسداد عجز الموازنة بالجنيه المصري، مشيرا إلي أن هذه الحالة تتطلب الاقتراض من السوق المحلية، كما أنها تعالج بتخفيض النفقات الحكومية أو زيادة الإنتاج. وأوضح أن الاقتراض إذا كان هدفه الاستثمار أو دعم البنية الأساسية فلا خوف منه، لأن هذه المشروعات الاستثمارية ستقوم بسداد القرض، أما في حالة سد عجز موازنة فهي ديون إضافية. واعتبر "حسين" البدائل المتاحة للاقتراض تمويل المستثمرين للمشروعات والتوسع في الاستثمار، أو إصدار الحكومة سندات لتمويل المشروعات، قائلاً: "أفضل وسيلة هي إنشاء شركات مساهمة هدفها تنمية المشروعات يشارك بها مستثمرون محليون وأجانب في ظل خطة خمسية معلنة علي المستثمرين، ولا تحمل علي الدولة". وانتقد شريف قاسم عضو مجلس نقابة التجاريين اقدام مصر علي الاقتراض قائلاً: "أنا ضد الاستسهال الذي يقوده وزير المالية للاقتراض من الخارج بأرقام كبيرة، ولابد من استنفاز كافة الفرص الداخلية، قبل اللجوء للاقتراض لما يسببه من مشاكل كثيرة ويؤدي لعجز الاقتصاد". واعتبر "قاسم" ان حل المشاكل الداخلية وانعاش قطاع السياحة والتصدير للخارج وترشيد الانفاق ورفع سعر الفائدة علي البنوك، أفضل من الاقتراض من الخارج، مشيرا إلي أن - وفي حالة اللجوء للخارج - طلب الحصول علي مساعدات دولية طويلة الأجل أفضل من اللجوء للاقتراض بفوائد من البنك والصندوق الدوليين.