نحن أمام موازنة تحتاج أرقامها إلي تدقيق بل وتصحيح في بعض الأحيان، ذلك لأنها إما تتجاهل مصروفات مستحقة علي الدولة أو انها تحتوي علي مبالغات، أو انها تدرج ارقاماً من المفروض اقتصاديا ان تدرج ضمن بنود أخري. والمقصود هنا بالموازنة "الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2006 2007" التي حملت عناوين مهمة علي رأسها تنفيذ توجيهات القيادة السياسية المتعلقة بتنشيط الشباب ورعاية محدودي الدخل والارتقاء بمستوي الخدمات.. وأخيراً تنشيط الاستثمارات. وعلي الرغم من محاولة وزارة المالية تحديث وتطوير الموازنة العامة للدولة لتتوافق مع الأعراف الدولية، وكذا مواصلة ضبط عنصري الموازنة من اتفاق وموارد في إطار التوازن النقدي العام لموازنة الدولة، إلا أنه يبدو أن القائمين علي إعداد موازنة هذا العام "2006 2007" قد وقعوا في اخطاء جوهرية يجب معالجتها علي وجه السرعة، خاصة إذا ما علمنا انها تجاهلت علي سبيل المثال إدراج مستحقات علي الحكومة علي رأسها قيمة أقساط سداد القروض وذلك ضمن العجز الكلي للموازنة. تداخل المفاهيم وطبقا لتقرير حديث صادر عن البنك الأهلي المصري فإن العجز الكلي الوارد بالموازنة لم يتضمن قيمة سداد أقساط القروض والتي قدرت في مشروع الموازنة الجديدة للعام المالي الحالي بنحو 37.3 مليار جنيه بزيادة نسبتها 83.3% عن العام السابق، واعتبر البنك ان حالة من التداخل في المفاهيم عكستها الموازنة العامة. نقطة أخري رصدها البنك الأهلي وتعكس ليس فقط تداخل المفاهيم ولكن تعكس المبالغة في التقديرات المستقبلية من قبل كبار مسئولي وزارة المالية، فقد أشار مشروع الموازنة الجديدة إلي أنه من المقرر ان ترتفع حصيلة الجمارك في العام المالي 2006 2007 لتبلغ نحو 9.6 مليار جنيه بزيادة نسبتها نحو 6.8% عن العام السابق، وهو رقم قد يكون مبالغا فيه طبقا لتقرير البنك الأهلي في ظل التخفيضات المتتالية لفئات الضريبة الجمركية سواء لأغراض الإصلاح المالي الذي تنفذه الحكومة أو بسبب الالتزام بمقررات الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف مع بعض الدول والتكتلات لإقامة مناطق تجارة حرة. ويكشف البنك الأهلي حالة التناقض بين تأكيدات بعض المسئولين بإفساح الطريق أمام القطاع الخاص للحصول علي احتياجاته التمويلية وبين ما يحدث علي أرض الواقع، فقد لاحظ البنك في تقريره تزايدا في اقتراض الحكومة من القطاع المصرفي، وأكد ان تزايد الاقتراض من بنك الاستثمار القومي أو الاقتراض بأذون وسندات علي الخزانة العامة يمثل مزاحمة من الحكومة للقطاع الخاص في الحصول علي القروض، خاصة في ظل انخفاض معدلات الإدخار المحلي، وهو ما اعتبره البنك أمراً يشكل عقبة أمام العملية الاستثمارية، ويجب ان نتوقف كثيرا عند النقطة الأخيرة، خاصة إذا ما علمنا ان الاقتراض الحكومي يزيد علي 80 مليار جنيه وان هذا الرقم يزيد علي الرقم المدرج في موازنة 2005 2006 بنحو 29.9% ملاحظات البنك الأهلي علي موازنة العام الجديد 2006 2007 لم تتوقف عند هذا الحد، وإنما امتدت لأمور أخري، وعلي سبيل المثال فإنه علي الرغم من إشارة مشروع الموازنة إلي مواصلة جهود التحديث والتطوير والإصلاح للدين العام والهيئات الاقتصادية والخدمية، إلا ان تقديرات مصروفات خدمة الدين العام المحلي خلال العام الجديد بلغت نحو 47.1 مليار جنيه بزيادة 22.7% عن العام السابق. صافي الاقتراض .. وعودة إلي قضية الاقتراض الحكومي من القطاع المصرفي نجد ان مشروع الموازنة العامة للدولة للعام 2006 2007 اعترف بوجود عجز نقدي يتجاوز 53 مليار جنيه بانخفاض 7.5% عن العام السابق، وبما يمثل نحو 8% من الناتج المحلي الاجمالي، ورغم هذا الانخفاض، إلا ان العجز الكلي يرتفع إلي 62.2 مليار جنيه وبما يمثل نحو 9.4% من الناتج المحلي الاجمالي، ومن المعروض ان العجز النقدي يمثل الفارق بين مصروفات التشغيل والإيرادات المتاحة، أما العجز الكلي فيمثل العجز النقدي مضافا إليه صافي حيازة الأصول المالية. وكانت أرقام وزارة المالية قد قدرت اجمالي التمويل اللازم لتغطية متطلبات مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2006 2007 بنحو 96.9 مليار جنيه وبزيادة نسبتها 25.9% عن العام السابق وبما يمثل نحو 14.6% من الناتج المحلي الاجمالي.