وماذا بعد مصادر الدخل الجديدة لموازنة الدولة التي ستوفرها الإجراءات الاقتصادية الأخيرة هل ينجح د.يوسف بطرس غالي وزير المالية في إخراجها بصورة جيدة بحيث نصفق له في نهاية موازنة العام الحالي الجديد 2008 2009؟ وهل ستكفي هذه الموارد في تغطية العلاوة الاجتماعية ال30% وحوافز المحليات.. وزيادة مخصصات الدعم.. ومواجهة ارتفاعات الاسعار العالمية؟ نحاول في هذا التقرير رصد "الفصول" أو البنود الأولية لمشروع موازنة الدولة ونرصد أهم التحديات التي تكشفها الأرقام وأبرز بنود الإنفاق والتحديات التي تواجهها. والمؤكد أن الارتباك الذي أصاب الحكومة ووزارة المالية أرجأ عرض الموازنة علي مجلس الشعب قبل نهاية فبراير كما هو متبع طبقا لآخر تعديلات في الدستور وكل ما تم للوفاء شكليا بذلك هو ارسال الاطار العام للخطة والموازنة.. مجرد إطار والسبب في هذا التأجيل هو الارتباك في تحديد أولويات البنود الرئيسية لاستخدامات الموازنة بعد أن أثرت موجة الغلاء علي زيادة متطلبات الإنفاق علي الدعم بالموازنة الجديدة بنسبة تصل إلي 50% وتصاعدت الآثار السلبية للأسعار لتلحق أضرارا بالغة بجميع بنود الانفاق الحتمية من أجور ودعم وأعباء خدمة الدين العام وحصيلة الإيرادات العامة السيادية والجارية والخصخصة لتصل جملة المصروفات العامة للعام المالي القادم إلي نحو 331 مليار جنيه تقريبا بزيادة حوالي 90 مليار جنيه عن العام الحالي وهذه الارقام أولية ودون الاطلاع علي البيان المالي لوزارة المالية والخاص بمشروع الموازنة العامة للدولة. وتكشف الملامح الاساسية لمشروع الموازنة الجديدة منح الحكومة الأولوية في الإنفاق وتوجيه المصروفات العامة علي البنود الاجتماعية من أجور ودعم ومعاشات وتراجع الإنفاق العام من الاستثمارات الحكومية كنسبة من إجمالي الموارد والمصروفات العامة وتقليص الاعتمادات كنسبة أيضا من الإجمالي للخدمات الجماهيرية فالصحة والتعليم وتفاقم أعباء خدمة الدين العام تصل إلي نحو 23% من إجمالي المصروفات العامة بعد أن سجلت معدلاته بشقيها المحلي والخارجي نسبة تصل إلي 95% من الناتج المحلي الإجمالي كما تكشف زيادة حجم الاقتراض الحكومي وعجز الموازنة كقيمة من إجمالي الموازنة العامة. موقف الدعم رصدت الموازنة الجديدة حوالي 128 مليار جنيه لنفقات الدعم بأنواعه مقابل 68 مليار جنيه في الموازنة الحالية وبزيادة بلغت نسبتها 48% وهي سبعة مجالات تشمل دعم السلع التموينية والمواد البترولية والكهرباء والصادرات والإسكان الاقتصادي والادوية وهيئتي النقل بالقاهرة والاسكندرية ولم تستقر الحكومة حتي الآن علي تحديد المستحق الحقيقي للدعم رغم تأثير ذلك سلبا علي النفقات المخصصة لمجالات حيوية في مقدمتها اعتمادات الخطة الاستثمارية والمقرر لها بالموازنة الجديدة 5.26 مليار جنيه والمرجح أيضا أن هذا الرقم قابل للنقص لتغطية أية فجوة في الدعم باعتبار أن النفقات الأخري مثل الأجور والتعليم والصحة وأعباء سداد الفوائد وأقساط الديون هي نفقات حتمية يصعب عمل تنقلات بين اعتماداتها لصالح بنود أخري. ويتضمن مشروع الموازنة زيادة المخصصات المالية للأجور والمرتبات للعاملين بالقطاع الحكومي والبالغ عددهم 9.5 مليون موظف لتصل إلي 73 مليار جنيه وذلك علي أساس أن العلاوة الاجتماعية 15% ولكن بعد رفعها إلي 30% فإن الرقم الاجمالي مرشح للزيادة وذلك مقارنة بنحو 60 مليار جنيه للعام المالي الحالي. وعن الايرادات العامة كشف المشروع أن المستهدف منها من العام المالي 2008/2009 يصل إلي 258 مليار جنيه مقارنة بنحو 2.187 مليار جنيه في العام الحالي وبنسبة زيادة تبلغ 5.24% مشيرا إلي أن حجم الايرادات الضريبية متوقع أن يصل إلي 153 مليار جنيه من إجمالي الايرادات مقابل 121 مليار جنيه في الموازنة الحالية بنسبة نمو قدرها 26%. الهم الكبير أما عن الدين العام فقد أصبح خارج السيطرة حيث تصاعدت أرقامه لتصل إلي 791 مليار جنيه تنقسم إلي 621.6 مليار جنيه حجم المديونية المحلية في حين أن حجم الدين العام الخارجي بلغ 32.8 مليار دولار بما يعادل حوالي 170 مليار جنيه حيث تكشف أرقام الموازنة الجديدة أن المديونية مرشحة للنمو بنحو 86 مليار جنيه قروضا جديدة لتغطية عجز الموازنة العامة سواء عن طريق الاقراض من الخارج أو بالأوعية الادخارية المحلية. تشير الموازنة المتوقعة إلي ارتفاع كبير في حجم أعباء خدمة هذا الدين سواء لسداد الفوائد أو أقساط الدين لتصل إلي حوالي 74.1 مليار جنيه منها 52.9 مليار جنيه لسداد فوائد القروض مقابل 21.3 مليار جنيه لسداد أقساط القروض المحلية والاجنبية وذلك مقابل نحو 54.1 مليار جنيه لنفس الغرض في موازنة 2007/2008 منها 51.9 مليار جنيه لسداد الفوائد مشيرا إلي أن تفاقم معدلات التضخم بمتوسط شهري خلال النصف الأول من العام الحالي بمعدل 12.1% مقابل 8.7% في العام الماضي بسبب موجة الارتفاع في الاسعار بمتوسط أكثر من 165% وصلت في بعض السلع الاساسية إلي 300%. يأتي ذلك في حين تكشف البيانات الرسمية لهيكل المديونية المحلية أن صناديق التأمين والمعاشات الاجتماعية أكبر دائن للحكومة لتصل إلي نحو 2002 مليار جنيه منها 198 مليار جنيه في صورة صك حكومي مشيرة إلي أن إجمالي الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي بات يمثل نسبة 94.7% من الناتج المحلي الاجمالي منها 73.4% نسبة الدين المحلي و21.3% للدين الخارجي. وعن العجز في الموازنة الجديدة فإن الارقام نؤكد أن الحكومة فقدت سيطرتها علي معدلات العجز في الموازنة العامة لتعاود أرقامه التصاعد لتصل وفقا لتقديرات الموازنة المقترحة إلي نحو 85.5 مليار جنيه مقابل 68.4 مليار جنيه في الموازنة الحالية للعام المالي 2007/2008 وإن كانت قد حافظت علي معدل نسبته عند حدود 6.9% من الناتج المحلي الاجمالي ويرجع ذلك إلي أن أعباء خدمة الدين العام تمثل ضغطا كبيراً علي الموازنة العامة للدولة بالإضافة إلي عدم تنامي الايرادات بنفس نسبة تنامي المصروفات.