لا جدال أن الاقتصاد المصرى يعانى بعد ثورة يناير 2011 أزمة تكاد تكون غير مسبوقة فى تاريخها ، وأصبح الشغل الشاغل للمواطن المصرى أيا كانت طبقته الاجتماعية ، هو الأزمة التى تعيشها مصر ، وبدأت التوقعات المتشائمة عامة وشديدة التشاؤم أيضا تسيطر على توقعات الخبراء ؛ تقابلها من الرئاسة تصريحات شديدة التفاؤل عن رؤيتها لسرعة تعافى الاقتصاد وعودة معدل النمو إلى سابق معدلاته وتحير المواطن المصرى البسيط الذى ظل يعانى فى السنوات العشرين الأخيرة من سوء وعدم عدالة توزيع الدخل القومى واستيلاء قلة لا تتجاوز 5% من السكان على ما يزيد على 70% من الدخل القومى ثم انهيار نسبة النمو فى العامين الأخيرين إلى ما يقارب الصفر بل وصولها للتراجع بالسلب فى رؤية بعض المتشائمين مما أصاب الطبقات المتوسطة والدنيا فى المجتمع بحيرة شديدة ساعد عليها تخبط الحكومة وضعف أدائها وقلة خبرتها مما تسبب فى توالى أزمات الطاقة وانقطاع الكهرباء وموجات الغلاء المتتالية لكثير من السلع الأساسية ؛ وتضاؤل احتياطى النقد الأجنبى إلى ما يغطى أقل من ثلاثة أشهر من الواردات بعد أن كان يصل إلى تغطية واردات تسعة أشهر ، كما أن لجوء الحكومة إلى فرض ضرائب جديدة على مجموعة كبيرة من السلع لتغطية عجز فى الموازنة العامة يصل إلى 200 مليار جنيه ؛ وتحقيق شروط صندوق النقد الدولى للموافقة على إقراض مصر 4.8 مليار دولار وهو القرض الذى سيفتح الباب لقروض أخرى بحوالى عشرة مليارات دولار أخرى وهى ديون سوف تتحمل عبء سدادها الأجيال القادمة . فى المقابل نجد تصريحات الرئيس ومؤسسة الرئاسة تتسم بالتفاؤل الشديد وتعطى وعودا مشرقة بعودة الرخاء وتجاوز الأزمة ؛ دون أن يرى الناس أى خطوات حقيقية تؤدى إلى ذلك ؛ وما بين تشاؤم الخبراء الذى وصل إلى إطلاق إشاعات بإفلاس وشيك للبلاد وعجز تام عن تلبية مستحقات ومسئوليات القوام الاقتصادى للدولة وتفاؤل الرئاسة المبالغ فيه تضيع الحقائق . فمن المؤكد أن اهتمام النظام الذى ركب موجة الثورة بالشكل السياسى الذى يمكنه من السيطرة على مفاصل الدولة من خلال دستور مفصل ومساعد على هذه السيطرة وقرارات وقوانين أثارت انقساما وبلبلة فى المجتمع دون أن يعطى النظام قدرا مماثلا من الاهتمام بالنواحى الاقتصادية وبرامج التنمية طوال العامين المنصرمين أدى إلى تراجع الإنتاج بصفة عامة وخروج الاستثمارات هاربة إلى أماكن أكثر استقرارا وانهيار السياحة التى تشكل مصدرا هاما من مصادر الدخل القومى يوضح لنا أن الأزمة فى حقيقتها أزمة إدارة لإمكانات البلاد أكثر منها أزمة انهيار لثروتها القومية فمصر كانت ومازالت تملك إمكانات اقتصادية واستثمارية كبيرة تبدأ من الموقع الجغرافى المتميز وسط قارات العالم القديم الثلاث ووجود قناة السويس كأهم ممر مائى فى العالم إلى جانب ثروات معدنية وطبيعية تشمل الكثير من العناصر التى يمكن استغلالها اقتصاديا بأسلوب جيد لتحقق دخلا متميزا إلى جانب إمكانات سياحية أسطورية تشمل كل أنواع السياحة المعروفة عالميا وذلك إلى جانب رقعتها الزراعية الفعلية والمستهدفة للاستصلاح وقاعدتها الصناعية العريقة التى تشكل أساسا قويا لمنتجات صناعية متنوعة وسوق ضخمة يمولها تسعون مليونا من البشر تتنوع مهاراتهم وقدراتهم ويملكون قاعدة علمية وتكنولوجية متميزة ؛ كل ذلك تملكه مصر وغيره الكثير ، ولكن الحكومات التى تعاقبت على مصر خلال الأعوام الثلاثين الماضية لم تستطع إدارة هذه الثروات الكبيرة بطريقة اقتصادية عادلة ومثمرة فساعد سوء الإدارة على توالى الأزمات التى أدت إلى ظهور الأزمة الكبيرة التى يعانى منها الاقتصاد اليوم . إننا فى حاجة إلى إدارة تتسم بالكفاءة والخبرة لا الثقة والاستحواذ ، نحتاج إلى الخبير المصرى المثقف الواعى المنتمى لهذا الوطن لا لحزب أو جماعة ؛ نحتاج العالم المتخصص والإدارى المتميز والسياسى الوطنى لا الحزبى نحتاج حكومة من الوطنيين المخلصين الذين يضعون مصر أولا ونهضة وتقدم شعبها نصب أعينهم ، ومصر تملك منهم الكثير ، فهل يستفيق المنشغلون بالسلطة الحالمون بجمع الثروة ، فيعطوا لمصر ويستعينوا بعقولها الناضجة القديرة فى كل مجال بدلا من محاولة الاستحواذ لأنفسهم على كل شئ حتى وإن كانوا يجهلون كيف يديرون هذا الشئ .