القوة الناعمة لأى أمة هى مجموعة من القدرات والمميزات التى تملكها أمة من الأمم خارج نطاق القوة العسكرية فالموقع الجغرافى والثروات الطبيعية والمناخ الملائم ونوعية السكان ومهاراتهم والنظام التعليمى والاستقرار السياسى والاجتماعى والتأثير السياسى فى الإقليم المحيط وفى العالم والجاليات المنتشرة فى أنحاء العالم ومكانتها فى مجتمع المهجر . كل هذا وغيره يشكل قوة ناعمة شديدة التأثير إذا أحسن إستخدامها تستطيع الأمة عن طريقها أن تكون قوة إقليمية وعالمية تفرض رؤيتها , وتحقق مصالحها السياسية والاقتصادية وتجتذب الرأى العام العالمى للوقوف بجانبها فى قضاياها الوطنية والقومية . والأمثلة لا حصر لها تؤكد استطاعة القوة الناعمة أن تؤثر فى العالم بثقافتها وعطائها الحضارى دون استخدام أى عنف وتصل إلى تحقيق مصالحها باقناع العالم بأنه يحتاج إليها كما تحتاج إليه وتنقل للآخرين قدرتها على التأثير فى مصالحهم بالايجاب أو بالسلب . والأمة العربية تمتلك من عناصر القوة الناعمة الكثير والخطير فنحن نملك الموقع الجغرافى المتميز فى وسط قارات العالم القديم الثلاث ( آسيا وأفريقيا وأوروبا ) كما نملك نصف احتياطى العالم من البترول الذى يمثل عصب الحضارة المعاصرة والمصدر الذى لا بديل له – حتى اليوم للطاقة المحركة للحضارة المعاصرة , ونملك عناصر بشرية متميزة فى نوعيتها فأكثر من ثلاثمائة مليون عربى منهم العلماء الأفذاذ والأدباء المتميزون والعمال المهرة . ونملك احتياطيات مالية وافرة تحرك الاقتصاد وتدعمه فى الكثير من دول العالم المتقدم فى أوروبا والولاياتالمتحدة وتشكل فى بعض الدول استثمارات واسعة وشديدة الأهمية لهذه الدول علاوة على الجاليات العربية المنتشرة فى معظم دول العالم وتأثيرهم الناجح فى مجتمعات المهجر . كل هذه القدرات وغيرها تشكل قوة ناعمة قادرة على الفعل والتأثير.. ولكن .. وآه من أداة الاستدراك هذه فالعرب فاشلون فشلا مخزيا فى استغلال كل هذه الطاقات التى نملكها .. والمثير للدهشة أن تستطيع إسرائيل مثلا أن تستغل عناصر لا تقارن على الإطلاق بما يملكه العرب لتحقيق تأثيرا أكبر فإسرائيل لا تملك غير ذكريات المحرقة النازية للتأثير بعامل عقدة الذنب فى المجتمع الأوربى والجالية اليهودية ذات التأثير الكبير فى الولاياتالمتحدة . وبهذه العناصر المتهافتة تحقق نجاحا ملفتا فى استخدام القوة الناعمة التى تغفر لها جرائمها الوحشية واستخدامها المفرط لقوتها الخشنة بينما نحن بكل ما نملك من عناصر القوة التى لا يستغنى عنها أى إنسان على ظهر هذا الكوكب , لا نستطيع الدفاع عن حقنا الواضح ولا تحقيق مصالحنا ولا حتى تأكيد وجودنا كأمة وسط الأمم . إننا كعرب نحتاج إلى توحيد الكلمة وتحديد الهدف ووضع البرامج التنفيذية المرحلية لاستخدام قدرات وطاقات قوتنا الناعمة بصورة مؤثرة وأنا واثقة أن العرب يمتلكون القدرة على ذلك ولكنهم يفتقدون للإرادة . فقد صنع لهم أعداؤهم من المشكلات ما يشغلهم , كما أغرقوا هم أنفسهم فى تفاهات أكثر خطرا عليهم مما فعله بهم ألد أعدائهم .. فما زال العرب مشغولين بالزى الشرعى للمرأة أكثر من انشغالهم بقضية فلسطين . ومازال العرب يتجادلون حول قوانين الشريعة وخلافات المذاهب أكثر من التفكير فى توحيد الكلمة ودعم الحرية. إنهم يذكروننى بجدل بطارقة بيزنطة حول جنس الملائكة حين كانت مدافع السلطان محمد الفاتح تدك أسوار القسطنطينية سنة 1453 ميلادية . ولما كنت متفائلة بطبعى فإنى واثقة أن العرب بتاريخهم العريق وإسهامهم المؤثر فى عصور ازدهارهم فى تقدم البشرية سوف يستعيدون وعيهم قريبا إن شاء الله ويعودون إلى ممارسة دورهم الرائد فى تقدمهم ورقى الإنسانية .