وضعت حقيبتي وانتظرت أحدا يعيرني أي اهتمام ولكنني لم أجد أحدا في انتظاري كما كنت أتوقع لم أجد سوى القطط السمان وهي تحوم حولي وكأني فريسة سهلة وعيونها تبرق بالشرر وكأنها تقول لي : (ايه اللي جابك هنا ؟) ومكثت هكذا لمدة ساعتين لا ألوي علي شيئ حتي قاربت الساعة من الثانية فجرا وطبعا لم أكن أمتلك هاتفا محمولا في هذه الفترة ولم أكن أملك إلا الانتظار لعل أحدهم يأتيني .... فقد عملت ما يجب عمله فهاهو العنوان صحيحا والمدرسة أمامي ولكنها مغلقة ولن تفتح صباحا لأننا صبيحة الجمعة واستقر الأمر بأن ألتحف السماء وأفترش حقيبتي وأنتظر الفرج أو يطلع النهار فله عيون وليفعل الله ما يريد.... ************************************ حضرتك الأستاذ الجديد؟ نعم... أنت مين ؟! أنا طالب في المدرسة حقك. ومين بعتلك؟ الشيخ نفيعي كفيلك وصاحب المدرسة ... أصل أنا ساكن جريب من هنا آهها... ماشي ممكن توصلني للسكن أبشر أستاذ لا تقلق بس أنت في سنة كام؟ في أولي ثانوي شرعي ( أدبي) مش ممكن مش معقول!!! إيه اللي مش ممكن ده أستاذ؟ أصل أصل.. أنت بسم الله ما شاء الله طول بعرض دا الطالب في أولي ثانوي في مصر في الغالب يا دوب يحصَّل نصك.... هو أنت سنك كام؟ داخل علي العشرين.. عشرين... يخرب بيتك ليه أنت مخلل في أولي ثانوي؟! المدرسة دي يا استاذ واخدنها تسلية ومن الآخر احنا بنشتري شهادة وخلاص وكلكم في المدرسة كده ..طول وعرض وعاملين زي دلف الباب؟! دنا أصغر واحد فيهم ..جرّب جرّب يا أستاذ خليك تروح وأخيرا وصلت ووجدت زملائي في عنبر النوم يغطون في سبات عميق... وأبصرت من بعيد سرير سفاري فارتميت عليه ورحت أنا الآخر في سبات عميق خخههخخخخ ************************************ حوالي الساعة العاشرة صباحا وجدت زميلي خميس (رجل في منتصف الخمسين من العمر واضح عليه المرض ولكنه يتحامل) يوقظني لأستعد لصلاة الجمعة أنت الأستاذ الجديد؟ أيوه حمدلله على السلامة الله يسلمك أخوك خميس زميلك مدرس كيمياء من مصر من فين في مصر؟ من شربين دقهلية أحسن ناس ( دي كلمة دارجة بتتقال في المواقف اللي زي دي وممكن يكون لا أساس لها من الصحة ) بص يا ابني أنا زي والدك وقبل ما بقية الزملاء يصحوا عاوز أقولك على حاجة وخدها نصيحة مخلصة من عمك خميس قول يا أستاذ خميس لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك يعني إيه؟! يعني بالبلدي كده متلكش كتير الكلمة بحساب أصل الحيطان هنا ليها ودان ومش أي ودان دي ودان قطط الله يطمنك يا شيخ وعلي فكرة سريرك هو دهه اللي كنت نايم عليه ... يلا يا شباب اصحوا عشان نفطر ونروح نصلي الجمعة بدأ الجميع في الاستيقاظ من النوم وبمجرد أن يفيق أحدهم إلا ويبدأ في التعرف عليَّ ( كانوا حوالي خمسة أفراد غيري في الحجرة ومعظمهم شباب مابين الثلاثين والأربعين وكان أكبرنا هو خميس) أما عن الحجرة فكانت عبارة عن فصل قديم واسع وضعت فيه تلك الأسِرَّة السفاري المزودة بسوست والتي تشبه أسِرَّة المستشفي ولم يكن بها سوي ذلك وتحت السرير يضع كل فرد حقيبته ولم يكن هناك دولاب فكل فرد يعلق ملابسه علي مسامير مثبتة على الحائط وملحق بتلك الحجرة مطبخ صغير متواضع وبالطبع حمام أكثر تواضعا وعلي السطوح يوجد منشر غسيل بدائي ولكنه يفي بالغرض علي أي حال... باختصار حياة بسيطة لا ترقي لواحد من عشرة بالمقارنة بحياتي في مصر ولكنها الغربة وضريبتها ولابد من التحمل... وعلمت بعد ذلك أن الأعمال المنزلية مقسمة علي الجميع بجدول يومي فكان علي الالتزام به .... أما عن باقي الزملاء فكانوا من بيئات مختلفة فمنهم الريفي المنوفي ومنهم الصعيدي السوهاجي ومنهم الساحلي البلطيمي ومنهم القاهري ... وبجلستي معهم طوال يوم الجمعة وجدت فيهم أنسا ولطفا ولم أجد فيهم أحدا يمكن القول عليه أنه غير مريح وللحقيقة... فإن الشخص الوحيد الذي لم أرتح إليه هو .... خميس ولا أدري لماذا ؟ ************************************ مرَّ يوم الجمعة سريعا ولكنه أبي أن ينتهي إلا بعد أن أقابل كفيلي وصاحب المدرسة والذي سبق لي مقابلته في القاهرة قبل التعاقد ..... فقد أتي إلي مسكننا المتواضع والذي يعد أول كذبة كذبها عليَّ ذلك الكفيل فقد أوهمني في مصر بأن السكن الذي يتكفل به لنا في الطائف عبارة عن فيلا فاخرة مجهزة وذلك لكي نستطيع أداء مهامنا التعليمية علي أفضل وجه وهاأنا آخذ أول خا..... في الغربة. يلا. ما علينا .... المهم أن الشيخ جاء للاحتفال بصيده ولكي يسمنه قبل أن يأكله فهذه أصول اللعبة فبعد التحيات والسلامات والتي لم أرتح لها أبدا ولا أدري لماذا ، عزمنا الشيخ نفيعي علي عشاء خارجي في أحد المطاعم الفاخرة بالطائف ،وذهبنا وأكلت لأول مرة المندي والكبسة وللحق كان عشاءا فاخرا ثم عدنا لاتجهز لأول يوم دراسي بالنسبة لي ( علي فكرة لقد سافرت في شهر مارس أي في الربع قبل الأخير من العام الدراسي ) وعندما وضعت رأسي لأنام دار في رأسي سؤالا ألح علي لدرجة أطارت النوم من عيني : لمن كان هذا السرير قبلي خاصة أن المدرسة بها كما علمت معلمان لغة عربية وأنا أحدهما والثاني سعودي ولكني استنتجت أن هذا السرير لمعلم اللغة العربية الذي كان قبلي ولكن دار في ذهني سؤالا أخطر: أين ذهب هذا المعلم خاصة أننا في نهاية العام تقريبا ؟! أيكون طرد أم مات أم ماذا؟! ولعل ما وجدته علي السرير الخاص به هو ما جعل الهواجس تسري في عقلي وجسمي كالنار في الهشيم ....... يا تُرَي أين ذهب ماهر (هذا اسمه ) وما سر البقع التي علي سريره والذي للأسف ... صار ....سريري ؟! ونكمل فيما بعد مادام في العمر بقية ....